حرية ـ (30/3/2025)
إذا كان تحقيق تقدم في إنهاء الحرب في أوكرانيا يتطلب وحدة بين الحلفاء، فإن هذه الوحدة تبدو شبه معدومة في الوقت الحالي، كما تشير صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير تحليلي.
جولة من المحادثات الدبلوماسية هذا الأسبوع لم تساهم كثيراً في دفع عجلة الهدنة، ناهيك عن تحقيق السلام، بل كشفت عن حالة عدم الانسجام المتزايدة بين أوروبا والولايات المتحدة.
خلال اجتماعهم في باريس، شدد القادة الأوروبيون على أن أولويتهم تتمثل في ضمان أوكرانيا حرة وديمقراطية ومستقرة وقادرة على التصدي لأي عدوان روسي مستقبلي. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الخميس: “يجب أن نضع أوكرانيا في أقوى موقف تفاوضي ممكن لتحقيق سلام ثابت ودائم.”
في المقابل، تتجه إدارة ترامب نحو إنهاء الحرب المستمرة منذ 3 سنوات بسرعة، ولكن بشروط اقتصادية تصب في مصلحة الولايات المتحدة، بما في ذلك استعادة العلاقات مع روسيا، والحصول على تعويضات من أوكرانيا التي تُعتبر من قبل واشنطن غير ممتنة للدعم الأمريكي.
مسارات متباعدة
نتيجة لهذا التباين، بدا الحلفاء – إن كان لا يزال بالإمكان وصفهم بذلك – كأنهم سفن تمر ببعضها في ظلمة الليل، حيث يتجه ترامب نحو مكافأة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على غزوه لأوكرانيا، بينما يتمسك الأوروبيون برفض هذه الفكرة تماماً، بحسب الصحيفة.
وفي خطوة تعكس هذا التباعد، تم التوصل إلى اتفاق أمريكي لوقف القتال في البحر الأسود خلال مفاوضات في الرياض، دون مشاركة أوروبية. ومع ذلك، سرعان ما أصبح من غير الواضح ما إذا كان سيتم تنفيذ الاتفاق قريباً، أو حتى تنفيذه على الإطلاق.
طرحت الولايات المتحدة والكرملين ثلاث صيغ مختلفة لشروط الاتفاق، لكن موسكو ربطت الالتزام به برفع العقوبات الاقتصادية، وهو أمر يتطلب موافقة أوروبية لكنه يواجه معارضة شديدة من العواصم الأوروبية.
وفي باريس، حيث اجتمع القادة الأوروبيون دون مشاركة أمريكية، نوقش إرسال “قوة ضمان” لدعم أي هدنة محتملة في أوكرانيا. لكن سرعان ما بدا أن “تحالف الراغبين” أشبه بتحالف المترددين، إذ لم يكن واضحاً أي الدول ستشارك أو أين سيتم نشر القوات. كما حذرت موسكو من أن ذلك قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا وحلف الناتو.
بعد الاجتماع، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي حضر المحادثات، قائلاً: “لن يمنح أحد أراضينا لبوتين. هذه هي مواقفنا المشتركة – على الأقل بين الحاضرين اليوم.”
في المقابل، ترى الولايات المتحدة أن السلام دون تنازلات إقليمية من أوكرانيا أمر غير واقعي.
ارتباك أوروبي عميق
الخلافات بين أوروبا وواشنطن تتجاوز مجرد أوكرانيا، حيث تعيش القارة حالة من الدوار السياسي، غير متأكدة مما إذا كان ترامب يعتبرها خصماً استراتيجياً وأيديولوجياً، وهو تحول قد يعيد تشكيل النظام العالمي، أم أنه فقط يريد منها أن تتحمل مسؤولية دفاعها الذاتي.
يقول ميشيل دوكلو، المستشار الخاص في معهد مونتين بباريس: “إعادة تشكيل التحالف التي يريدها ترامب قد تبدو وكأنها نهايته.”
لطالما كان حجر الأساس في التحالف عبر الأطلسي هو المادة الخامسة من ميثاق الناتو، التي تنص على أن أي هجوم مسلح ضد أحد أعضاء الحلف يُعد هجوماً ضد جميع الأعضاء، مما يستدعي الرد العسكري. لكن هذا الالتزام أصبح أكثر هشاشة مما كان عليه قبل بضعة أشهر فقط.
مخاوف من تخلي واشنطن عن أوروبا
لطالما اشتكى ترامب من أن الولايات المتحدة تنفق الكثير على أمن أوروبا، وتعهد بإجبار الدول الأوروبية على زيادة إنفاقها الدفاعي. ومع انتهاء الحرب الباردة، هدد بعدم الدفاع عن دول الناتو التي لا تدفع نصيبها، وهي تهديدات تصاعدت خلال ولايته الثانية.
https://twitter.com/Reuters/status/1905574337266016438
هذا الأمر أثار قلقاً واسعاً في أوروبا، حيث تستعد فرنسا الآن لتوزيع “دليل الصمود” على الأسر لمساعدتهم على الاستعداد لمختلف التهديدات، بما في ذلك احتمال نشوب صراع مسلح على الأراضي الفرنسية.
وفي خطوة أخرى، أعلن ماكرون عن خطة بقيمة 2.1 مليار دولار لتحديث قاعدة جوية وتجهيزها لاستقبال مقاتلات “رافال” القادرة على حمل صواريخ نووية تفوق سرعة الصوت.
تحولات في مواقف واشنطن
تقول سيليا بلين، رئيسة مكتب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في باريس: “ما أصبح واضحاً بشكل متزايد هو أن فريق ترامب يرى في أوروبا حليفاً متطفلاً، بل ويعتبر ديمقراطياتها الليبرالية خصوماً سياسيين وأيديولوجيين.”
هذا التحول يتناقض مع كل ما مثلته الولايات المتحدة لعقود، إذ يبدو أن إدارة ترامب لا تسعى فقط إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي، الذي وصفه ترامب سابقاً بأنه أُنشئ لـ “الإضرار بالولايات المتحدة”، بل أيضاً إلى تمجيد الأنظمة القومية الاستبدادية مثل المجر.
وقد برزت هذه المشاعر في تسريب حديث لمحادثة بين مسؤولين أمريكيين كبار، حيث وصف وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث الدول الأوروبية بـ”الطفيليات المثيرة للشفقة” بسبب اعتمادها على الحماية الأمريكية.
هل تستطيع أوروبا الصمود؟
يرى البعض في أوروبا أن إعادة التسلح وبناء قوة عسكرية مستقلة عن الولايات المتحدة قد يكون ممكناً على مدى خمس إلى عشر سنوات، رغم التحديات المالية والانقسامات السياسية. فإعادة التسلح الألماني، على سبيل المثال، من شأنه أن يعيد تشكيل وجه أوروبا بالكامل، وربما يدفع موسكو إلى إعادة تقييم موقفها.
لكن ما يبدو غير وارد لدى الكثير من الأوروبيين هو التعامل مع الولايات المتحدة كخصم، سواء فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا أو في القضايا الجيوسياسية الأوسع، مثل الحد من نفوذ الأنظمة الاستبدادية في بكين وأنقرة.
يقول ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد: “إدارة ترامب تتبع تكتيكاً مألوفاً نحو الحكم الاستبدادي: أولاً القضاء على استقلالية القضاء، ثم الجامعات، ثم الإعلام، ثم المحامين. لا توجد قاعدة لا يمكن لترامب تجاوزها.”