حرية ـ (5/4/2025)
أثار مشروع قانون طرحته الولايات المتحدة يطالب بحلّ الحشد الشعبي ومحاسبة الميليشيات المسلحة، ردود فعل متباينة بين مرحّب بمواجهة النفوذ الإيراني، ومحذّر من تدخل خارجي قد يُعمّق الانقسام في العراق.
وتقدّم السيناتور الجمهوري جو ويلسون بمشروع القانون إلى الكونغرس الأمريكي مطلع أبريل/نيسان الجاري، تحت عنوان “تحرير العراق من إيران”.
خطة شاملة
ويتضمن مشروع القانون خطة شاملة لتقليص نفوذ طهران داخل العراق، وتفكيك الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وفرض عقوبات على شخصيات بارزة متهمة بدعم هذا النفوذ.
وأعاد المشروع إلى الأذهان قانون “تحرير العراق” لعام 1998، الذي أصدره الكونغرس الأمريكي خلال إدارة الرئيس بيل كلينتون، وكان يهدف إلى دعم المعارضة العراقية لإسقاط نظام صدام حسين من خلال توفير الدعم السياسي والمالي والإعلامي.

ويُعرف عن السيناتور الجمهوري جو ويلسون مواقفه المتشددة تجاه إيران وحلفائها في الشرق الأوسط، إذ سبق أن دعا إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وطالب بمحاسبة الميليشيات المرتبطة بطهران في كل من العراق وسوريا ولبنان.
ويتبنّى ويلسون توجّهًا يعتبر النفوذ الإيراني تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي، ويرى أن العراق يُمثّل ساحة حاسمة في كبح هذا النفوذ، وهو ما يفسّر دعوته إلى تفكيك الميليشيات المرتبطة بإيران داخل مؤسسات الدولة العراقية.
قبول شعبي
وقال السياسي العراقي المستقل ليث شبر إن “هذا القانون يتناغم مع سياسة الضغط الأقصى التي تنتهجها واشنطن تجاه إيران، ويمثّل ضغطًا مباشرًا على رئيس الوزراء لحلّ الفصائل المسلحة”.
وأضاف شبر لـ”إرم نيوز” أن “الموقف الرسمي العراقي غائب تمامًا، رغم تعثّر الحوار مع واشنطن بشأن انسحاب القوات الأمريكية، مع الإشارة إلى أن مشروع القانون يلقى قبولًا شعبيًا، لكنه يواجه تحفّظات من القيادات المقرّبة من طهران، خصوصًا الإطار التنسيقي”.
وتشترط مسودة القانون على الإدارة الأمريكية تقديم خطة شاملة خلال 180 يومًا لتقليص نفوذ طهران داخل العراق، كما يشجّع على دعم الإعلام العراقي الذي يُسلّط الضوء على نشاط الميليشيات، ويصف الفصائل المرتبطة بالحرس الثوري بأنها منظمات إرهابية تهدد الاستقرار.
ويُعدّ التحرك الجديد – وفق مختصين – امتدادًا لتحوّلات السياسة الأمريكية بعد 7 أكتوبر، إذ ترى واشنطن أن النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن بلغ مستوى يُهدّد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
نفوذ متشعّب
من جانبه، قال الدبلوماسي العراقي السابق غازي فيصل إن “النفوذ الإيراني في العراق لا يقتصر على الجانب الأمني فقط، بل يمتدّ إلى الاقتصاد والمجتمع والطاقة، ويعزّز وجوده من خلال فصائل مسلّحة يُقدّر عدد مقاتليها بنحو 200 ألف عنصر على ارتباط وثيق بالحرس الثوري الإيراني”.
وأضاف فيصل لـ”إرم نيوز” أن “مشروع القانون يعكس إدراكًا أمريكيًا متزايدًا بأن إيران تسعى للهيمنة على مفاصل الدولة العراقية، وهو ما ترفضه واشنطن التي أنفقت تريليونات الدولارات في العراق، ولن تسمح لطهران بالسيطرة عليه”.
وتابع أن “الصراع بين واشنطن وطهران في العراق لن يهدأ، بل يتّجه نحو مزيد من التوتر مع تراجع النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان واليمن، واحتمال امتداده ليشمل العراق أيضًا”.
وبينما جاء قانون 1998 كمقدمة لعملية عسكرية كبرى انتهت بالغزو الأمريكي عام 2003، فإن مشروع “تحرير العراق من إيران” يُنظر إليه كجزء من مواجهة استراتيجية ممتدة مع طهران، ولا يُستبعد أن يُستخدم لاحقًا لتبرير إجراءات أمنية أو اقتصادية مشددة داخل العراق، خصوصًا في حال تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران في ملفات أخرى مثل النووي أو البحر الأحمر.
مخالف للقوانين الدولية
في السياق ذاته، قال الخبير القانوني علي التميمي إن “مسودة القانون الأمريكي الجديدة تُخالف ميثاق الأمم المتحدة، خاصة المواد 1 و2 و18 منه، ويحقّ للعراق تقديم احتجاج إلى الأمين العام للمنظمة”.
وأوضح التميمي لـ”إرم نيوز” أن “الخارجية العراقية مخوّلة باستدعاء القائم بالأعمال الأمريكي وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية وفق اتفاقية فيينا لعام 1961، إلى جانب أن القانون يمثّل خرقًا واضحًا للاتفاقية الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن لعام 2008، خاصة المواد 27 و28 منها”.
وتابع أن “مثل هذه الأفعال تؤكّد أن السيادة الوطنية أصبحت مهددة، ومن المؤسف أن منظمة الأمم المتحدة لم تعد تلعب دورها الفعلي”.

رغم الجدل الذي أثاره مشروع القانون داخل العراق، فإن الحكومة العراقية لم تُصدر حتى الآن موقفًا رسميًا يوضح رؤيتها تجاه الخطوة الأمريكية، وهو ما يثير تساؤلات بشأن مدى استعداد بغداد للدخول في مواجهة جديدة، في ظل تصاعد الضغوط السياسية والبرلمانية والشعبية.
ويرى مراقبون أن القانون الأمريكي يزيد حدّة الانقسام السياسي داخل العراق، خاصة بين الأطراف التي ترى في واشنطن حليفًا استراتيجيًا، وتلك التي تعتبرها طرفًا معاديًا يجب مقاومته، وهو ما ينعكس على الوضع الداخلي، ويجعل من بغداد ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.