حرية ـ (7/4/2025)
ديفيد مادوكس
لم تكَد تمر دقائق على كشف دونالد ترمب عما سماه “رسوماً جمركية متبادلة” فرضها على دول العالم، قبل أن يرفع مناصرو “بريكست” راية النصر لأن المملكة المتحدة خرجت سالمة من الموضوع، إذ فرضت عليها نصف نسبة التعريفات التي سيتحملها الاتحاد الأوروبي.
لكن إن كان أفضل تبرير اقتصادي يمكن الدفع به في موضوع “بريكست” هو تحمل رسوم جمركية بنسبة 10 في المئة على صادرات المملكة المتحدة إلى الأسواق الأميركية مقارنة بـ20 في المئة لصادرات الاتحاد الأوروبي، فإن مناصري الانسحاب من الاتحاد أشبه بغريق يتمسك بقشة.
وربما تكون النقطة الأولى والأكثر وضوحاً على ذلك أن “بريكست” لم يعفِ المملكة المتحدة من عبء الرسوم الجمركية التي فرضها عليها زعيم عالمي كان أشد المتحمسين من خارج بريطانيا لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وما زالت بريطانيا بانتظار أن “تجني ثمار بريكست”- تلك الفوائد الاقتصادية التي وعدت بها عند مغادرتها الاتحاد الأوروبي. وخلافاً لما تعهد به مؤيدو “بريكست” في شأن إبرام اتفاق اقتصادي مع الولايات المتحدة بعد الانسحاب، ما زال هذا الاتفاق غير موجود على أرض الواقع بعد مرور تسعة أعوام على الاستفتاء. وحتى لو نجح كير ستارمر في التوصل إلى اتفاق، فمن الأرجح أن يركز بصورة كبيرة على جوانب محددة وقد لا يتفادى عبء الرسوم الجمركية إطلاقاً.
حتى إن مارك والاس نفسه، عضو حزب المحافظين المؤيد لـ”بريكست” الذي أصبح الرئيس التنفيذي لمجلة “توتال بوليتكس” Total Politics، حذر نظراءه من مناصري الانسحاب من مغبة “الاحتفاء” بالتعريفات الجمركية، وإن كانت 10 في المئة أفضل من 20 في المئة.
وحتى لو تحملت المملكة المتحدة نصف نسبة التعريفات الجمركية المفروضة على الاتحاد الأوروبي، فهذا الفارق يكاد لا يذكر من ناحية إصلاح الضرر الاقتصادي الذي ألحقه “بريكست” بالاقتصاد البريطاني.
وكشف تقرير “كامبريدج إيكونومتركس” الذي أُعد العام الماضي بطلب من عمدة لندن صادق خان عن أن اقتصاد المملكة المتحدة تقلص بنسبة 140 مليار جنيه استرليني نتيجة “بريكست”. ووجد التقرير أيضاً أن لندن وحدها خسرت 30 ملياراً بسبب الانسحاب، في ظل فقدان 300 ألف وظيفة.
وخلص خبراء الاقتصاد في الشركة إلى أن المواطن البريطاني العادي كان أفقر عام 2023 بما يعادل ألفي جنيه استرليني فيما كان المواطن اللندني العادي أفقر بـ3400 جنيه العام الماضي بسبب “بريكست”.
إنه لفرق شاسع بين وعد منح هيئة الخدمات الصحية الوطنية 350 مليون جنيه إضافي أسبوعياً الذي ألصقه بوريس جونسون ودومينيك كامينغز [على هيئة إعلان انتخابي] على جانب باص “صوتوا للانسحاب من الاتحاد” عام 2016.
وفي آخر تقرير له، يقدر مكتب مسؤولية الموازنة المكلف التدقيق في المالية العامة، بأن صادرات المملكة المتحدة سوف تكون أقل بنسبة 15 في المئة على المدى البعيد مقارنة بحالها لو ظلت في الاتحاد الأوروبي.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، لفت المركز الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية إلى أن “30 في المئة من الشركات في الأقل سمّت ’بريكست‘ باعتباره واحداً من أهم ثلاثة مصادر قلق لها” كل عام منذ 2016.
كما خلص إلى أن “قطاع الأعمال البريطاني لكان استقطب استثمارات أعلى بـ12.4 في المئة عام 2023 حال عدم حدوث ’بريكست‘”.
وخرجت الدراسة التي أجرتها “اندبندنت” في هذا الصدد بنتائج أسوأ بعد، إذ كشفت عن أن كلفة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وحدها بلغت 30.2 مليار جنيه استرليني.
وسجل قطاع الغذاء انخفاضاً سنوياً بقيمة 2.8 مليار جنيه في الصادرات، يتضمن تقلص حجم صادرات المأكولات البحرية بما يعادل 118 ألف طن، فيما يعاني 56 في المئة من منتجي الألبان لسد حاجاتهم الأساسية.
وتوقفت نحو 16400 مؤسسة تجارية في القطاعات كافة عن التصدير تماماً بسبب “بريكست”.
ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً مع البدء بتطبيق عمليات التفتيش على الحدود، بعد طول انتظار، في وقت لاحق من العام الحالي.
وتبين في الوقت نفسه أن مزاعم وضع “بريكست” حداً للهجرة غير المضبوطة غير صحيحة، إذ دخل إلى البلاد ما معدله 3.6 مليون شخص بصورة قانونية منذ تنفيذ “بريكست”- وهو رقم أعلى بكثير من الرقم المسجل عندما كانت البلاد تسمح بحرية التنقل.
لا عجب إذاً في أن ثلثي البريطانيين يعتقدون بحسب آخر استطلاع للآراء بأن “بريكست” اتخذ منحى سيئاً.
وقد يكون دونالد ترمب أقل لؤماً في فرض رسومه الجمركية على بريطانيا مقارنة بما فعله بالاتحاد الأوروبي، لكن ذلك لا يساوي نقطة من الإصلاح في بحر الضرر الاقتصادي الذي تسبب به “بريكست” بالفعل.