حرية ـ (7/4/2025)
بين ليلة وضحاها، سيطرت الصور بأسلوب “غيبلي” على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وتحوّل العالم الرقمي إلى وسيلة إبداعية مستوحاة من النمط الياباني الفريد. إذا بالصور المنشورة تتحوّل في معظمها إلى صور كرتونية من الخيال بفضل الأداة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وقد نقلت المستخدمين إلى عالم أفلام “الأنمي” اليابانية ذات الطابع الحالم والرسومات الساحرة.
بدا وكأنها عاصفة رقمية اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي خلال ساعات، لتثير المشاعر والحنين إلى الطفولة لدى المستخدمين، فتسابقوا لمشاركة صورهم بعد تحويلها إلى رسومات وصور كرتونية. كثيرون اندفعوا لخوض التجربة لتحويل صورهم بأحدث مولد صور لشركة “أوبن أي آي” المالكة لتطبيق “تشات جي بي تي”. إنما في الوقت ذاته، أثارت جدلاً واسعاً حول انتهاكات الخصوصية والملكية الفكرية والمجال الإبداعي عبر الذكاء الاصطناعي.
انتهاك لأسلوب فني له ميزاته
حوّل الترند الأكثر انتشاراً حالياً على مواقع التواصل الاجتماعي الصور الشخصية أياً كان نوعها، إلى نمط الرسوم المتحركة بأسلوب أستوديو الياباني الشهير “أستوديو غيبلي” الذي يقف وراء هذا الفن، وكان وراء إنتاج العديد من أفلام الكرتون. وقد طُرح الترند الجديد كوسيلة لاستخدام الصور الشخصية للمستخدمين، في ما قد يشكل انتهاكاً جديداً للخصوصية يضاف إلى مجموعة الانتهاكات المرتبطة بالعالم الرقمي والذكاء الاصطناعي. ومن تعرّف إلى أحدث مولّد صور في منصة “تشات جي بي تي” يعتقد أن الترند ليس إلا نتاج التطور الحاصل في عالم الذكاء الاصطناعي. إنما في الواقع، هو يستند إلى أسلوب “غيبلي” الياباني الشهير للرسوم المتحركة، والذي له وجود بارز في صناعة الرسوم المتحركة، وقد حاز على جوائز عدة في هذا المجال، ولذلك، تحمل الأداة الجديدة اسمه. وكانت تسمية “غيبلي” قد استندت في الأصل إلى الكلمة الإيطالية والمستخدمة أيضاً في الإنجليزية Ghibli أي طائرة الاستطلاع الصحراوية الإيطالية، كما أن التسمية مشتقة من الاسم العربي باللهجة الليبية لرياح الصحراء الحارة “قبلي”.

لدى استخدام الهواتف الذكية وتنزيل التطبيقات تصبح الصور والبيانات متاحة ما يهدّد الخصوصية
وأتى اختيار الاسم لشغف هاياو ميازاكي الذي يقف وراء هذا الفن، بالطائرات. إلا أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لم يبحثوا بعيداً لدى اعتمادهم الترند الجديد، وقلائل أدركوا أنها تستند إلى أسلوب الرسوم المتحركة اليابانية. فما جذبهم فيها هو ما أثارته من مشاعر وحنين إلى الطفولة والماضي، واستخدموا تلقائياً الأداة الجديدة لتحويل صورهم الشخصية وحيواناتهم الأليفة إلى لوحات فنية بأسلوب “غيبلي” في ما أصبح ترند خلال ساعات. حتى أن شخصيات سياسية تحوّلت بهذا الأسلوب، وصولاً إلى اعتمادها من قبل الجيش الإسرائيلي ما أثار موجة من الانتقادات من قبل من اعتبروها وسيلة لتجميل الأعمال الاسرائيلية في غزة والحدّ من بشاعتها، إذ إن أسلوب “غيبلي” يشتهر بالألوان الزاهية وبرسم العيون والوجه بطريقة تشبه أبطال القصص الخيالية.
لكن مما لا شك فيه أن الأداة أثارت جدلاً حول انتهاكها حقوق الملكية الفكرية والإبداع، واعتمادها الأسلوب الفني الياباني الشهير من دون استئذان. هذا، على رغم أنه من المفترض أن تكون حقوق الملكية الفكرية والأدبية مصانة لأي فنان أو كاتب أو شاعر. فلكل أسلوبه، ولـ “غيبلي” أسلوب معروف من خلال التفاصيل التي تظهر لديه، تماماً كما أنه لكل فنان يقف وراء فن “الكوميكس” (القصص المصوّرة)، أو غيره من الفنون أسلوبه الخاص مثل “مارفل” (سلسلة أفلام ومسلسلات تقع في عالم خيالي مشترك)، و”بيكسار” (رسوم متحركة منتجة عن طريق الحاسوب). بحسب ما قال الخبير في التحول الرقمي فريد “كلّ يخلق أسلوباً خاصاً به يميّزه من خلال الإحساس الخاص، وطريقة الرسم، وتفاصيل معينة. ويكون هذا الأسلوب من حقوقه الخاصة التي لا يمكن التعدي عليها، كما بالنسبة لأي فنان أو إعلامي أو أديب.
وأياً كانت قدرات الذكاء الاصطناعي، بدا أسلوب العقل المبدع في أستوديو “غيبلي” الياباني هاياو ميازاكي واضحاً في الميزة الجديدة في “تشات جي بي تي”. بدا واضحاً أن الذكاء الاصطناعي قدّم هذا الأسلوب الخاص بسرعة خيالية من دون استئذان، حتى أصبح متاحاً للجميع، وفي متناول أي كان ليستخدمه على هواه، وهذا ما يشكّل انتهاكاً للملكية الفكرية. لكن على رغم هذا التعدي، لن يكون من الممكن لـ”غيبلي” مقاضاة شركة “أوبن أي آي” لأنه في شهر مايو (أيار) 2023، سمحت الحكومة اليابانية لـ”تشات جي بي تي” باستخدام البيانات من أجل تدريب الذكاء الاصطناعي وأدواته. وبالتالي لن يكون من الممكن بهذا الشكل محاسبة الشركة على اعتمادها هذا الأسلوب الياباني للرسوم المتحركة من دون إذن”.
انتهاك للخصوصية
كما في كلّ مرة، تُطرح مسألة الخصوصية والتعدي عليها من ضمن الإشكاليات الأساسية في العالم الرقمي. في الواقع، تزايدت انتهاكات الخصوصية بعد أن أصبحت البيانات الخاصة والصور متاحة، بوجود الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، وأكثر بعد بوجود الذكاء الاصطناعي وأدواته. ومجدداً، تُطرح اليوم هذه الإشكالية، ويتساءل كثيرون حول ما تشكله أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة التي تتيح تحويل الصور بأسلوب “غيبلي”، من خطر جديد. وبحسب خليل أيضاً “في كل الحالات، عند تنزيل تطبيقات منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل “واتساب” و”فيسبوك” و”إنستغرام” وغيرها، يطلب التطبيق فتح الكاميرا لحفظ الصور من موقع تخزينها في الغاليري.
عندها، غالباً، ما تُعطى له الموافقة، بما يجعل الصور والبيانات التي تحفظ على الهاتف متاحة من دون ضوابط. وفي معظم الأحيان، تعطى الموافقة التامة من دون التنبه إلى هذه المسألة، ولا يكون الإذن جزئياً. انطلاقاً من ذلك، يمكن القول إنه بمجرد التعامل مع الهواتف الذكية والإنترنت، يصبح كل شيء متاحاً من صور وبيانات شخصية ولا ضوابط في ذلك. بالتالي، لا يزيد خطر انتهاك الخصوصية مع الاعتماد على ترند غيبلي لأن الصور الشخصية أصلاً متاحة، وكل منا يفسح المجال بنفسه لهذه التطبيقات للتصرف بالبيانات والصور الشخصية”.
خطة تسويقية مصيرها النجاح
كان طرح الأداة الجديدة لتحويل الصور وسيلة مميزة لجأت إليها شركة “أوبن أي آي” اعتمدت فيها على استراتيجية تسويقية ذكية أظهرت فيها قوتها وقدرتها على منافسة المنصات الأخرى، والتغلب على تطبيقات أخرى من خلال تحفيز المتابعين على استخدامها بمعدلات كبرى. ولتحقيق ذلك استندت إلى عناصر أساسية ثلاثة لها أهمية قصوى في مجال التسويق، فتمكّنت من خلق مشاعر وأحاسيس ترتبط بالحنين إلى الماضي والطفولة، وإرضاء الحشرية لمعرفة ما قد يكون عليه الشكل بالرسوم الكرتونية وفي الخيال، وخشية إضاعة فرصة، وهي أمور في غاية الأهمية في علم التسويق. وبالتالي، استطاعت الشركة أن تحقق أرباحاً كبرى بهذه الطريقة، وأظهرت القدرات الفائقة للذكاء الاصطناعي.
فبفضل قوة التسويق التي اعتمدت عليها شركة “أوبن أي آي”، حققت الأداة الجديدة انتشاراً واسعاً في فترة قياسية، وبفضلها وحدها ارتفع المشتركين في “تشات جي بي تي” بمعدل مليون مشترك، ما يؤكد النجاح الذي حققته منصة الذكاء الاصطناعي بفضل هذه الترند.