حرية ـ (13/4/2025)
احتفظت الأمة البريطانية لنفسها بدفاتر نادرة تحوي ملاحظات غير منشورة دوَّنها آلان تورينغ تتناول العمل على كسر الشيفرة خلال الحرب العالمية الثانية. ويرجع الفضل في ذلك إلى حملة قادتها جمعية خيرية.
وينسب الفضل إلى عالم الرياضيات البريطاني تورينغ في التوصل إلى كسر شيفرة “إينغما [استخدمها الأسطول آلانازي لتوجيه ضربات غواصاته ضد أساطيل الحلفاء]. ولم يعمد إلى الاحتفاظ بملاحظات مكتوبة عن بحوثه الخاصة إلا نادراً، ما يفسر ضياع الأدلة عن أوراقه العلمية. وحاضراً، أنقذ أرشيف مهم لذلك العالم بفضل حملة قادتها جمعية “أصدقاء المكتبات الوطنية” Friends of the Nations’ Libraries، عقب تدخل حكومي قضى بمنع بيع تلك الدفاتر مقابل 400 ألف جنيه استرليني (نحو 480 ألف دولار)، بانتظار جمع ذلك المبلغ من صناديق خاصة.
وتوثق تلك الملاحظات المكتوبة بخط اليد، عمل تورينغ على “مشروع دليلة” Delilah project الذي يشرح كيفية صنع أداة تشفير للأصوات تحمل باليد كي تستخدم في عمليات عسكرية.
وفي عام 1943، بدأ تورينغ بالاهتمام بذلك المشروع بعيد إنجازه اختراقاً علمياً حققه بالعمل على آلات إينغما في “بليتشلي بارك”. [جمعت بريطانيا نخبة من علمائها في ذلك المكان كي يعملوا في مشاريع عسكرية سرية. واشتغل تورينغ على آلات إينغما التي كانت واسعة الاستخدام في الجيوش المتحاربة إبان الحرب العالمية الثانية. وتوصل تورينغ إلى كسر شيفرة حربية للأسطول الألماني، ما أسهم في تحطيم قدرات البحرية آلانازية].
وبمساعدة من المهندس الكهربائي دونالد بايلي، ركب تورينغ آلة مفردة مثلت نسخة أساس أولية عن أداة تستطيع تحويل الأحاديث إلى تدفق رقمي، ثم تعمل على تشفيره ونقله عبر خطوط الهاتف الأرضي.
واحتفظ الرجلان بدفتر دونا فيه التفاصيل المتسلسلة عن نتائج تجاربهما، إضافة إلى ملاحظات مكتوبة باليد عن محاضرات ألقاها تورينغ على مهندسين في “هانزلوب بارك”، الذي مثل مركزاً سرياً حكومياً للاتصالات، ويقع قرب “ميلتون كينيز”.
وعلى رغم المكانة التي حظي بها تورينغ كبطل قومي، إلا أن المملكة المتحدة أوشكت على خشارة دفتر “مشروع دليلة” بأوراقه الـ40، ما لم تدفع المكتبة أو الأرشيف البريطاني مبلغ 397680 جنيه استرليني (نحو 400 ألف دولار) كي يشترى من المزاد.
وخلال أغسطس (آب) 2024، وضمن محاولة لعرقلة بيع تلك الدفاتر إلى مشتر أجنبي، أخذت الحكومة البريطانية بنصيحة قضت بوضع رخصة وقف بيع موقتة عليها. ويعني ذلك حظر مغادرة تلك الأوراق الأراضي البريطانية.
وبفضل هبة كبرى من القطاع الخاص، احتفظت المملكة المتحدة بتلك الأوراق التي توصف بأنها ثروة قومية والجزء الأهم من أعمال تورينغ المعروضة للبيع.
من ثم، ستحفظ تلك الأوراق في “كينغز كوليدج” بجامعة كامبردج. ويرجع الفضل في ذلك إلى هبة قيمتها ربع مليون جنيه استرليني قدمتها شركة “أكس تي أكس ماركتس” XTX Markets التي تعمل بتجارة الخوارزميات، ومنحة بقيمة 20 ألف جنيه استرليني قدمتها جمعية “أصدقاء المكتبات الوطنية” التي تساعد في الحفاظ على التاريخ البريطاني المكتوب والمطبوع منذ تأسيسها عام 1931.
وفي حديث مع “اندبندنت”، أفاد رئيس “أصدقاء المكتبات الوطنية جيوردي كريغ بأن “هذه الهبة الخاصة غير الاعتيادية تعني إنقاذ أوراق حساسة كتبها أحد العباقرة البريطانيين. وصار بالإمكان دراستها في كامبردج”.
وأضاف كريغ “إنها مبادرة خيرية رائعة من ’أكس تي أكس ماركتس‘ ومؤسسها ’أليكس غريكو‘. لقد أدينا بسرور قسطنا من العمل على التقريب والتعاون الذكي بين ’أكس تي أكس ماركتس‘ و’كينغز كولدج‘، وهي من المراكز الأكاديمية المتألقة. وتمثل الهدف من ذلك بإنقاذ تراثنا”.
وكذلك أفاد المدير التنفيذي في شركة “أكس تي أكس ماركتس” أليكس غريكو بأن “أوراق مشروع دليلة تعد مجموعة متفردة من الملاحظات التي وضعها أحد أكبر علماء الأمة في الرياضيات، ومن المهم الاحتفاظ بهذا الأرشيف داخل المملكة المتحدة، مع إتاحته للجمهور. ونحس بارتعاشة فرح بأننا جزء من هذا المجهود”.
واستكمل المبلغ المطلوب لشراء تلك الأوراق من المزاد، بفضل منحة قيمتها 978766 جنيه استرليني (117.6 ألف دولار) قدمها “صندوق الذاكرة الوطني للتراث”، أضيفت إلى الهبات الخاصة والمال الذي قدمته “كينغز كولدج”.
ورأت وزيرة الثقافة ليزا ناندي أن “أصدقاء المكتبات البريطانية استطاعت تولي حملة ناجحة لإنقاذ دفاتر حساسة، كتبها آلان تورينغ الذي شكل شخصية رائدة في العلوم والرياضيات إضافة إلى كونه من الأبطال القوميين. ويعطي ذلك الأمر المثل على ما نستطيع تحقيقه عبر التعاون بين القطاعين الخاص والخيري. وعقب فرض حظر التصدير الذي أصدرته الحكومة على تلك الدفاتر، أدى التعاون بين القطاعين كليهما إلى أن تلك الكنوز سيحتفظ بها على مدار أعوام مقبلة”.
وانضمت تلك الدفاتر الآن إلى المجموعة الأكبر من الوثائق المتعلقة بتورينغ داخل “كينغز كولدج”، التي درس فيها تورينغ كطالب جامعي بين عام 1931 و1934. وبعد تحويلها إلى وثائق رقمية، ستغدو الدفاتر جزءاً من “أوراق تورينغ” الموضوعة ضمن أرشيف على الإنترنت، وستتاح بصورة مجانية للبحاثة والطلبة في أرجاء العالم.
وبالاستعادة، تأسس أرشيف تورينغ بعد أن قدمت أمه سارة أوراقه كهبة عام 1960.
وكذلك أفاد الرئيس المشرف على “كينغز كولدج” غيليان تيت بأن “أعمال تورينغ أرست الأسس لعلم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي والكثير من مكونات العالم الحديث. نفتخر بأننا سنشكل المقر لأوراق مشروع دليلة. ونحس بامتنان عميق لشركائنا على جرأتهم، وينطبق ذلك خصوصاً على”أكس تي أكس ماركتس” وآليكس غريكو وأصدقاء المكتبات الوطنية”.