حرية ـ (13/4/2025)
على يمين ساحة الأمويين، العقدة الدائرية الأشهر داخل العاصمة السورية، تنتصب قطعة معمارية على هيئة نجمة رباعية يصل رأسها إلى 40 متراً صعوداً، مجسدة هيئة معلم دمشقي موغل في العراقة والفن والثقافة، هو نصب السيف الدمشقي الذي بقي شاهداً على أحداث تراوح بعضها ما بين الفرح العارم والغضب المدمر في حال من التناقض الصارخ، يقف اليوم مستقبلاً العائدين إلى سوريا الجديدة وكأنهم لم يعودوا إلا ليقفوا أمامه، كيف لا وهو “عمود الوحدة”.
هو النصب الذي سُن اسمه من آمال أبناء المدينة وتشبعت قبضته بهتافات المطالبين بسوريا الديمقراطية التعددية، يقف كل يوم منتظراً العابرين بين شوارع الشام الرئيسة، ويمرون أمامه حالمين بغدٍ يليق بسوريا الحضارة، ليحضنهم تنوعهم وتحميهم دولة القانون.

بدأ تشييد هذا النصب التذكاري عام 1958
منصة لأعلام الدول
بدأ تشييد هذا النصب التذكاري عام 1958 كجزء من خطة توسعة موقع معرض دمشق الدولي القديم، ودشن مطلع الستينيات بمناسبة افتتاح الدورة السابعة للمعرض. وتقول المراجع إن أمر تصميمه صدر عن رئيس الجمهورية العربية المتحدة (سوريا ومصر) وقتذاك جمال عبدالناصر، ليحمل الصرح تسميات عدة منها “عمود الوحدة” و”عمود المعرض” ثم أطلق عليه رسمياً اسم “نصب السيف الدمشقي”، إلا أن الحقيقة أنه أنشئ أصلاً ليكون منصة لأعلام الدول المشاركة ونصباً تذكارياً للمعرض ذاته، إذ غطيت وقتها واجهتاه الغربية والشرقية بلوحات من البلاستيك الشفاف تمثل أعلام الدول المشاركة ضمن الدورة السابعة للمعرض.
وبعد انتقال مقر المعرض إلى أرض مدينة المعرض الجديدة على طريق مطار دمشق الدولي عام 2003، أجريت عمليات تجديد للواجهتين وجرت تغطيتهما بقطع من الزجاج المعشق. وتأتي تسمية الزجاج المعشق في التراث الدمشقي لدمج الجص والزجاج وتماسكهما والتناغم الذي يخلقه هذا التمازج.

هو أقرب للقطعة الأفقية التي تفصل مقبض السيف عن نصله
واجهة من الزجاج المعشق
يتألف النصب من واجهتين متماثلتين من الزجاج المعشق الملون، يؤطرهما هيكل أسمنتي ضخم وتطل واجهته الغربية على ساحة الأمويين، وكانت تشرف واجهته الشرقية على إحدى بوابات المعرض التي حل مكانها اليوم دار الأوبرا.
وضع تصميمه الأول المهندس هشام المعلم وصمم واجهتيه الفنان عبدالقادر أرناؤوط بينما نُفذ معمارياً من قبل المهندس عاطف السيوفي، أما عملية تجديده وتغيير واجهته بعد انتقال موقع المعرض فأشرف عليها عميد كلية الفنون الجميلة إحسان عنتابي ومعه النحات السوري العالمي مصطفى علي، وعندها استبدلت اللوحات البلاستيكية الحاملة للأعلام بقطع من الزجاج الملون محمولة على هيكل حديدي نفذه الحرفي حسن سعدو، ليجسد لوحة تجريدية تتخللها تشكيلات هندسية غير متماثلة صممها عنتابي باستخدام خطوط أفقية وشاقولية منحنية تتقاطع في حركة عشوائية غير منتظمة، تعود لتشكل بقطعها الملونة رمزاً محللاً لدى السوريين جميعاً، وهو الوردة الدمشقية الشهيرة.
رمزية
وفي سياق الرمزية، يقول بعض الباحثين إن النصب لم يصمم فعلياً إلا ليكون منصة لعرض أعلام الدول وتذكاراً للمعرض الأشهر في العاصمة السورية. وفي حين توحي تسميته الحالية بأن الصرح مصمم على صورة السيف الذي تشتهر به مدينة دمشق، فإن الحقيقة أنه يشبه السيف في شكله العام، بل ربما هو أقرب نوعاً ما للقطعة الأفقية التي تفصل مقبض السيف عن نصله، والتي يسميها السيافون “واقية اليد” التي تقي المقاتل الصدمات التي يتلقاها بالسيف وتحمي يده عند انزلاق السيف، وهذا مع وجود اختلاف واضح في درجة تطاول الجزء العلوي في تصميم النصب.

يتألف النصب من واجهتين متماثلتين من الزجاج المعشق الملون
ترميم
أول شهر مارس (آذار) الماضي، أشرفت محافظة دمشق على أعمال صيانة النصب وتأهيله وتركيب نظام إنارة خاص به، وقامت ورشات مديرية الحدائق بزراعة العشب الطبيعي ونباتات الزينة والورد ومد شبكة السقاية، ونشرت المحافظة بياناً على مواقع التواصل نص على التالي “بعد الانتهاء من تنظيف الهيكل الأسمنتي لنصب السيف الدمشقي من طريق السفع بالرمل، ستنطلق ورشات مديرية الصيانة لإزالة ألواح الزجاج الملون المتضررة، لاستبدالها لاحقاً بأخرى جديدة، إلى جانب صيانة ودهان الهيكل المعدني، ومن ثم إصلاح الإنارة، بهدف استعادة جمالية نصب السيف”.
جدل وامتعاض
وأثارت هذه العملية جدلاً واسعاً وتبايناً في الآراء تركز حول طبيعة المواد المستخدمة في ترميم واجهته الزجاجية التي تعرضت إلى التكسير والتخريب خلال احتفالات النصر، إذ استخدمت مواد بلاستيكية عوضاً عن الزجاج المعشق، وسط أخبار عن تقليل الكلف على حساب الجودة. وعبر كثر عن امتعاضهم من هذا الإجراء الذي لا يتناسب ومكانة النصب الثقافية والتاريخية التي يمثلها، في حين كان لاستخدام الزجاج المعشق سابقاً رمزية كبيرة لما يشكله في تاريخ الحرف السورية عموماً والتراث الدمشقي على وجه الخصوص، كواحد من أقدم الحرف التي اشتهر بها أهل الشام، وبخاصة إذا ما علمنا أن النصب يعد أكبر صرح للزجاج المعشق في العالم.
إلا أن معاون المدير المسؤول عن صيانة النصب نفى هذه الأخبار المتداولة التي تتحدث عن تقليل الكلف، مؤكداً أن المحافظة لم تنظر إلى الناحية المادية فحسب وأن القرار كان فنياً بحتاً، انطلاقاً من مواصفات المادة وديمومتها وتفاعلها مع الظروف المناخية وتوافرها مقابل الزجاج المعشق، وأنهم استخدموا مادة الـ”بليكسي” العالمية والمعتمَدة على نطاق واسع.