حرية ـ (20/4/2025)
مع انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات التي تجريها الولايات المتحدة الأميركية مع إيران بشأن برنامج الأخيرة النووي وأسلحتها الأخرى، يتجدد الحديث في الداخل العراقي عن الانعكاسات المحتملة على العراق في الحالتين: نجاح المسار التفاوضي، أو إخفاقه.
وتشهد الحالة العراقية انقساماً بشأن ملف التفاوض، فالمتعاطفون والحلفاء الداخليون لإيران يتمنون نجاح المفاوضات في تدشين عهد جديد من العلاقات الإيجابية بعيداً عن لغة الحرب وحالة العداء الدائمة، في مقابل «أماني» خصوم طهران في العراق بفشل المفاوضات، وتالياً تدمير قدرات إيرانية العسكرية؛ وإن أمكن إزاحة نظام حكمها.
مع ذلك، لا يشك الطرفان في أن المسار التفاوضي الحالي ستكون له «انعكاساته المؤكدة» على العراق في حال نجاحه أو فشله. ويتوقع الجميع أن تمتد تلك الانعكاسات لتشمل معظم القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية.
ومع حال الترقب العراقي حيال المفاوضات، يعتقد الباحث والكاتب إبراهيم العبادي أن نجاحها أو فشلها سيكون له «ارتداد مباشر على العراق؛ إيجاباً أو سلباً».
ويرى العبادي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن نجاح المفاوضات «يخفف الاحتقان بين الجانبين، ويرخي حالة الشد والضغط التي يمارسها الطرفان عبر أدواتهما المباشرة وغير المباشرة؛ أميركا تضغط على إيران مالياً واقتصادياً بما يدفع الأخيرة إلى سلوك تكتيكات معقدة للالتفاف على العقوبات، ومنها الاستفادة من المنظومة المالية العراقية عبر أذرع وأطراف عراقية تعتقد أن من واجبها مساعدة إيران».
وفي إشارة ضمنية إلى الفصائل المسلحة الموالية لطهران، يؤكد العبادي أن «بعض القوى العراقية لا تنكر أنها تقف إلى جانب إيران، وأنها ستكون في مواجهة أي ضربة عسكرية أميركية إسرائيلية، وربما تلجأ تلك القوى إلى مهاجمة المصالح الأميركية في العراق والمنطقة، ومهاجمة إسرائيل مباشرة بالمسيّرات والصواريخ، لا سيما أن أنباءً تتحدث عن تزويد طهران حلفاءها من العراقيين بالصواريخ بعيدة المدى».
ويؤكد العبادي أن «العراق سيتضرر كثيراً من الضغوط القصوى التي تمارسها أميركا على إيران، خصوصاً إذا ما قررت واشنطن مواصلة منع العراق من استيراد الغاز الإيراني الضروري لإنتاج الكهرباء. والفشل في تزويد المواطنين العراقيين الكهرباء في فصل الصيف الحار يمثل معضلة مزمنة للحكومات العراقية لطالما أربكت الوضعين الأمني والسياسي».
من هنا، فان «العراقيين ينظرون بقلق وتوتر بالغَين إلى كل تصريح أو بادرة أميركية من شأنها الضغط على إيران وحلفائها، كما يخشى العراق من تدهور أمني في المنطقة قد تتعطل معه صادرات النفط التي تمر عبر مضيق هرمز؛ فإيران تهدد بغلقه في حال اندلاع حرب بينها وبين أعدائها».
ويخلص العبادي إلى أن «نجاح مفاوضات إيران وأميركا يخفف من اندفاع القوى العراقية المتشددة ضد الولايات المتحدة وسياستها في المنطقة، ويرخي الضغط السياسي والإعلامي والتكتيكات الأمنية التصعيدية التي تمارسها قوى عراقية لمنع أي تقارب عراقي – عربي، أو جلب أي استثمارات أميركية أو خليجية إلى العراق».
ويتفق الدكتور إحسان الشمري، رئيس «مركز التفكير السياسي» أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعه بغداد، في أن مفاوضات واشنطن وطهران «ستكون لها ارتدادات بمساريها الإيجابي أو السلبي».
ويقول الشمري لـ«الشرق الأوسط»: «إذا ما ذهبت واشنطن وطهران إلى عقد الصفقة، فستنخفض حالة التوتر في العراق بما لا يقبل الشك، وهذا سيجنبه أن يتحول ساحة اشتباك في حالة الإخفاق».
وعما إذا كانت واشنطن ستتمكن من إقناع طهران أو ستجبرها على الانكفاء على نفسها داخلياً والتخلي عن حلفائها، يشير الشمري إلى أن ذلك «سيغير كثيراً من موازين القوى السياسية الداخلية، خصوصاً أن واشنطن لن ترضى بأن تتقاسم مع إيران النفوذ في العراق، كما أنها لن تسمح عبر المفاوضات أو من دونها باستمرار إيران في نفوذها الإقليمي بالعراق وغيره».
في كلتا الحالين؛ النجاح أو الإخفاق، «فإننا أمام تحولات عميقة، خصوصاً تلك المرتبطة بفكرة الشرق الأوسط الجديدة التي بدأ تطبيقها بشكل تدريجي وسيناريوهات مختلفة».
أما إذا كان الفشل مصير المفاوضات، فإن الشمري يرى «أننا سنكون أمام تداعيات أمنية خطيرة؛ لأن ذلك سيحفز الفصائل العراقية المسلحة على استهداف المصالح الأميركية في العراق والمنطقة، وهذا بدوره سيؤدي إلى رد عنيف من قبل واشنطن، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى تقويض العملية السياسية برمتها».
من جانبه، يتوقع الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي مجموعةَ انعكاسات محتملة التحقيق في حال اتُّفق على الملف النووي الإيراني في مفاوضات واشنطن وطهران.
وقال المرسومي، في تدوينة على منصة «فيسبوك»، إن أحد تلك الانعكاسات سيتمثل في «ازدياد الضغط على أسعار النفط العالمية نتيجة إطلاق ما بين نصف مليون ومليون برميل يومياً من النفط الإيراني؛ مما سيعزز المسار التنازلي لأسعار النفط».
وهذا المسار ستكون له «ارتدادات إيجابية على ملف الطاقة فيما يتعلق باستيراد العراق الكهرباء والغاز الإيراني؛ بسبب إمكانية تحويل الدولار إلى إيران عبر النظام المصرفي».
ويتوقع المرسومي أن «تتقلص الفجوة بين السعرَين الرسمي والموازي للدولار مقابل الدينار؛ بسبب السماح بتمويل التجارة الخارجية عبر القنوات المصرفية» في حال نجاح مسار المفاوضات.