حرية ـ (21/4/2025)
يتتجه المستهلكون والمستثمرون نحو الذهب مع اهتزاز الأسواق المالية بفعل التغيرات المتكررة في خطط الرسوم الجمركية التي تعتمدها إدارة ترمب.
وسجلت أسعار الذهب مستويات قياسية يومي الخميس والجمعة الماضيين متجاوزة 3200 دولار للأونصة، بعدما تراجعت في الأسبوع السابق وسط هبوط عام شمل مختلف فئات الأصول.
وبعد تعديل الأسعار وفقاً للتضخم، فإن الذهب لم يسعر بهذا المستوى المرتفع منذ قفزة قصيرة عام 1980، حين دفعت الثورة الإيرانية، والغزو السوفياتي لأفغانستان، وارتفاع معدلات التضخم المستهلكين إلى البحث عن ملاذات مالية آمنة.
وقال مدير الأبحاث في شركة “بوليون فولت” المتخصصة في سوق المعادن الثمينة أدريان آش، إلى “واشنطن بوست” “لنكن صريحين لقد عشنا أكثر من خمسة أعوام من الأزمات المتواصلة”، مضيفاً “الذهب هو مقياس للقلق”.
ويرى مراقبون في القطاع أن جزءاً كبيراً من الارتفاع الأخير في أسعار الذهب مدفوع من قبل البنوك المركزية والمستثمرين المؤسسيين، لكنهم يشيرون أيضاً إلى أن المعدن الثمين يجذب اهتماماً متزايداً من المستثمرين الأفراد الذين يميلون إلى اللجوء إلى الذهب في أوقات عدم اليقين.
والجمعة الماضي، تراجع الدولار الأميركي لليوم الخامس، في حين شهدت ثقة المستهلك تدهوراً للشهر الرابع، وفقاً لمسح أجرته جامعة ميشيغان، الذي يحظى بمتابعة دقيقة.
وفي وقت لاحق، ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 أعوام، والتي تعد عادة ملاذاً آمناً، لفترة وجيزة فوق 4.5 في المئة، مما أثار هذا التحول تساؤلات جديدة حول سلوك الأفراد في أوقات التقلبات الاقتصادية.
جهود لتنويع الأخطار في آسيا والشرق الأوسط
وقال كبير الاقتصاديين في شركة “أبكس تكنولوجيز” ديفيد غريلي، التي تملك غالبية الحصة في بورصة عقود السلع الآجلة في سنغافورة “المراجع التي تسمعها الآن هي أمور لم نسمع بها منذ ثلاثينيات القرن الماضي”، في إشارة إلى تأثير قانون (التعريفات الحمائية سموث-هولي).
وأضاف “هذا يدفع الناس للتساؤل… هل الأصول التي كنت أعتقد أنها آمنة، لا تزال آمنة؟”.
وتشهد أسعار الذهب ارتفاعاً تدريجاً منذ عام 2022، بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على روسيا وبدأت البنوك المركزية في شراء مزيد من الذهب لتقليل اعتمادها على الدولار الأميركي.
وقال المدير التنفيذي السابق في بنوك الذهب الكبرى مثل “جي بي مورغان تشيس” و”أتش أس بي سي” روبرت غوتليب “هناك جهد منسق على مستوى العالم بصورة خاصة في آسيا والشرق الأوسط، وعالمياً بصورة عامة لتنويع الأخطار بعيداً من الدولار”.
وارتفع سعر الذهب بنسبة 26 في المئة منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكان صندوق “أس بي دي آر غولد شيرز”، وهو صندوق متداول مدعوم بالذهب، قد سجل زيادة بنسبة اثنين في المئة الجمعة، وارتفع بنسبة سبعة في المئة منذ الإثنين الماضي.
قفزات في أسهم شركات التعدين
وشهدت أسهم شركات التعدين أيضاً قفزات كبيرة، فارتفعت أسهم شركة “كوير للتعدين”، و”نيومنت كورب”، و”أغنيكو إيغل ماينز” بأكثر من 20 في المئة الأسبوع الماضي.
وقال كبير مسؤولي الاستثمار في “رانينغ بوينت كابيتال أدفايزوز” في منطقة لوس أنجليس مايكل آشلين شولمان “قد يكون المستثمرون الأفراد قد شاهدوا العناوين المتعلقة بأسعار الذهب وقرروا الاستثمار”، مضيفاً، “التغطية الإعلامية تبقي الذهب في صدارة اهتمامات الناس وتعزز جاذبيته”.
وقال بعض المراقبين في الصناعة، إن آخرين اتجهوا إلى الذهب لمواجهة حال عدم اليقين الاقتصادي بعد إعلان الإدارة الأميركية عن التعريفات الجمركية.
وبالنسبة إلى شركة “غليسون” فشهد يوم الرابع من أبريل (نيسان) الجاري، أعلى حجم معاملات منذ أزمة البنوك.
وقالت “غليسون” عن الاستثمار في الذهب “لن نقول إنه أصبح شائعاً، فبالتأكيد لم يصبح بعد، لكن أصبح الآن أصولاً مادية أكثر قبولاً وتقبلاً”.
وأشارت شركات أخرى أيضاً إلى الزيادة الأخيرة في النشاط، ففي مارس (آذار) الماضي، فتح عدد قياسي من الحسابات الجديدة في “مونيتراي ميتالز”، وهي منصة تمكن العملاء من ربح الفوائد من خلال تأجير وإقراض الذهب والفضة، وفقاً لما ذكره الرئيس التنفيذي كيث وينر.
وقال المدير التنفيذي لشركة “ميتالز فوكس” للاستشارات نيكوس كافاليس، إن “الطلب من المستثمرين الأفراد على السبائك والعملات الذهبية الصغيرة كان قوياً، وأن المعدن الثمين يبدو أنه يجذب المستثمرين الأصغر سناً”.
وعادة ما يؤدي الذهب بصورة جيدة عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة أو عندما يتراجع سوق الأسهم.
“قد يكون من الحكمة توخي الحذر”
ووفقاً لمجلس الذهب العالمي، فإن الطلب العالمي على الذهب بلغ أعلى مستوى له عام 2024ـ بينما يقول المشككون إن “الذهب ليس أفضل استثمار لأنه لا يحقق عائداً ولا يدفع أرباحاً أو فوائد”.
وأشار بعض المراقبين إلى أنه قد يكون في طريقه لتصحيح أو تراجع مع انخفاض الضغط الاقتصادي وتراجع الطلب على الذهب المستخدم للأغراض الصناعية أو المجوهرات.
وقال شولمان في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى الصحيفة “نظراً إلى الارتفاع الكبير في سعر الذهب خلال العامين الماضيين، قد يكون من الحكمة توخي الحذر”.
ويرى مؤيدو امتلاك الذهب المادي أنه وسيلة لتجنب الاعتماد على المؤسسات المالية أو دفع رسوم إدارة الصناديق.
وقال محلل السوق في شركة “غينزفيل كوينز” لتجارة الذهب والفضة إيفريت ميلمان، “لن تحتاج إلى القلق في شأن تسوية نقدية في صفقة أو أن الشخص الذي يحتفظ به نيابة عنك قد أفلس”.
أما ستانتون المتقاعد من “إلينوي” الذي استثمر في الذهب بعد الانتخابات في نوفمبر الماضي، فقد اختار صندوقاً متداولاً مدعوماً بالذهب، وقدر أنه نقل نحو خمسة في المئة من استثماراته إلى الذهب و10 إلى 15 في المئة إلى السندات البلدية.
وكان يرغب في استثمار المزيد في الذهب عندما انخفضت الأسعار لفترة وجيزة خلال تدفق أخبار التعريفات الجمركية، لكنه لم يرغب في بيع أسهمه للقيام بذلك في وقت كانت فيه أسعار الأسهم قد تراجعت، قائلاً “أستطيع أن أخبرك الآن أنني أتمنى لو كنت قد فعلت المزيد من ذلك”.