حرية ـ (21/4/2025)
على رغم اضطراب الأسواق المالية وتهديدات الانتقام وتشجيع بعض أكبر مؤيدي الرئيس الأميركي دونالد ترمب له على التراجع عن سياسته الاقتصادية المميزة، لكنه لم يستسلم بعد أن فرضت إدارته أكواماً من الرسوم الجمركية المتبادلة الجديدة على عشرات من حلفاء أميركا وخصومها على حد سواء، بهدف استعادة العدالة وتعزيز التصنيع الأميركي كما يزعم، وقد أصبحت البضائع الواردة من الصين، وهي الهدف الأكبر بلا منازع، خاضعة الآن لرسوم جمركية لا تقل عن 145 في المئة، فقد أضاف ترمب رسوماً جمركية أعلى مما أعلنه في البداية وبخاصة بعد قيام بكين بفرض رسوم جمركية انتقامية.
وفي تصعيد جديد قال وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو لرئيسة “منظمة التجارة العالمية” نغوزي أوكونغو إيويالا إن الرسوم الجمركية الأميركية ستلحق ضرراً بالغاً بالدول الفقيرة، وأبلغ وانغ إيويالا خلال اتصال هاتفي أن هذه الرسوم المتبادلة ستلحق ضررا بالغاً بالدول النامية وخصوصاً الأقل نمواً، وقد تسبب أزمة إنسانية، موضحاً أن الولايات المتحدة استمرت في فرض إجراءات جمركية مما جلب حالاً هائلة من عدم اليقين وعدم الاستقرار إلى العالم، وأحدث فوضى على الصعيدين الدولي والمحلي في الولايات المتحدة.
ودخلت الرسوم الجمركية البالغة 125 في المئة التي فرضتها الصين على السلع الأميركية حيز التنفيذ السبت الماضي، وهي تعادل تقريباً تلك التي فرضتها واشنطن على السلع الصينية المستوردة والبالغة 145 في المئة، لكن بكين قالت إنها ستتجاهل أي رسوم إضافية يفرضها ترمب، لأنه كما قالت لم يعد من المنطقي اقتصادياً للمستوردين الشراء من الولايات المتحدة.
وأعلنت الصين أيضاً أنها سترفع شكوى أمام “منظمة التجارة العالمية” في شأن الدفعة الأخيرة من الرسوم بعد أسبوع من الفوضى في الأسواق، تناوب فيه أكبر اقتصادين في العالم فرض حواجز تجارية، فيما وصفت بكين سياسة ترمب بأنها “أضحوكة ولعبة أرقام”، بينما أثارت ردود بكين تقلبات جديدة في السوق مع تذبذب الأسهم وارتفاع أسعار الذهب وتعرض أسعار سندات الحكومة الأميركية لضغوط.
العالم يترقب حرباً تجارية واسعة النطاق
واحتسبت المعدلات المتبادلة التي ليست متبادلة تماماً بقسمة العجز التجاري للدولة مع الولايات المتحدة على صادراتها إليها وضربها في النصف، وتتراوح هذه المعدلات بين 11 و50 في المئة، وباستثناء المكسيك وكندا لم ينج من هذه الجولة سوى شركاء أميركا التجاريين الرئيسين الآخرين، كما فرضت على الاتحاد الأوروبي رسوم جمركية متبادلة بـ 20 في المئة، والصين بأ 104 في المئة، واليابان بـ 24 في المئة، وفيتنام بـ 46 في المئة وكوريا الجنوبية بـ 25 في المئة.
وتأتي هذه المعدلات الجديدة بعد أيام قليلة من فرض ترمب تعرفة جمركية شاملة بـ 10 في المئة على واردات جميع الدول، باستثناء المكسيك وكندا، إذ لا تضاف نسبة الـ 10 في المئة إلى الدول المدرجة في قائمة التعرفات الجمركية المتبادلة.
وعلى سبيل المثال ارتفع معدل التعرفة الجمركية لليابان 14 في المئة الأربعاء الماضي، علماً أن نسبة الـ 10 في المئة فرضت بالفعل خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وقال ترمب الأسبوع الماضي بعد إعلانه التعرفات الجمركية، وهي الأعلى التي تشهدها البلاد منذ أكثر من قرن، “لقد تعرضت بلادنا ودافعو الضرائب فيها للاستغلال لأكثر من 50 عاماً، لكن هذا لن يحدث بعد الآن”.
ومن المرجح الآن أن يدفع الأميركيون وشعوب العالم ثمناً باهظاً، فالمستوردون وليس الدول التي استهدفتها رسوم دونالد ترمب، هم من سيدفعون الرسوم الجمركية، وغالباً ما تحمل هذه الكلف تجار الجملة والتجزئة وفي نهاية المطاف المستهلكون، لكن الشركات في الخارج لن تكون بمنأى عن هذه الرسوم أيضاً إذ من المرجح أن يستورد الأميركيون سلعهم من دول ذات رسوم جمركية أقل.
وفي نهاية المطاف تهدد رسوم ترمب الجمركية بتصعيد حرب تجارية عالمية تستهدف جميع البضائع والمنتجات وسلاسل الإمداد والتوريد، وبالتالي فإن الأزمة ستطاول جميع دول العالم، وقد وعدت وزارة الخارجية الصينية الأربعاء الماضي باتخاذ “إجراءات حازمة وفعالة” لحماية حقوقها ومصالحها حتى مع امتناعها من الإعلان عن أية إجراءات انتقامية فورية.
الركود والركود التضخمي في دائرة الضوء
ومع خسارة تريليونات الدولارات من القيمة السوقية للأسهم الأميركية خلال الأيام التي تلت “يوم التحرير” في الثاني من أبريل (نيسان) الجاري، تزايدت التوقعات بحدوث ركود عالمي كامل، وفي مذكرة بحثية حديثة رفع بنك “جي بي مورغان” احتمالات حدوث ركود عالمي إلى 60 في المئة بحلول نهاية العام من 40 في المئة خلال توقعات سابقة، وذلك إذا نفذ ترمب الخطة الكاملة التي وضعها الأسبوع الماضي.
وقال خبراء اقتصاديون في البنك عبر مذكرة بحثية حديثة إن “زيادات الرسوم الجمركية منذ بداية إدارة ترمب تعد أكبر زيادة ضريبية أميركية منذ ما يقارب 60 عاماً، وسيكون لذلك تداعيات مباشرة على إنفاق الأسر والشركات، وتداعيات متتالية من خلال إجراءات انتقامية وتراجع ثقة الشركات واضطرابات في سلسلة التوريد”.
وبالنسبة إلى المواطنين أو المقيمين في الداخل الأميركي فمن المتوقع أن يدفع كل مستهلك ما لا يقل عن 2100 دولار سنوياً في المتوسط بسبب رسوم ترمب الجمركية، وذلك فقاً لبيانات لمؤسسة الضرائب غير الحزبية.
ومنذ عودته للبيت الأبيض أعلن ترمب فرض رسوم جمركية بـ 20 في المئة على جميع الواردات الصينية، و25 في المئة على جميع واردات الصلب والألومنيوم والسيارات.
بدأ العد التنازلي للركود التضخمي
في غضون ذلك رفع بنك “غولدمان ساكس” توقعاته لركود اقتصادي في الولايات المتحدة خلال الـ 12 شهراً المقبلة إلى 45 في المئة، بزيادة مقدارها 10 نقاط مئوية عن التوقعات السابقة.
وفي مذكرة بعنوان “العد التنازلي للركود التضخمي”، قال اقتصاديو البنك إنهم “توقعوا أن يعلن البيت الأبيض تعرفات جمركية أكثر صرامة في البداية ثم يخفضها إلى حد ما”، وإذا لم تعدل جميع التعرفات الجمركية المطبقة بصورة كبيرة، فيتوقع أستاذ الاقتصاد في “كلية بوسطن” برايان بيثون أن يدخل الاقتصاد الأميركي حال ركود بحلول الربع الثاني من هذا العام، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن التعرفات الجمركية قد تشعل فتيل الركود التضخمي، وهو سيناريو ينخفض فيه النمو الاقتصادي بصورة كبيرة ويرتفع التضخم، مضيفاً أن “احتمال حدوث ركود تضخمي هو 100 في المئة”، وقائلاً إن “التضخم الناتج من تعرفات ترمب الجمركية سيصل إلى مستويات أسعار المستهلك بحلول مايو (أيار) المقبل، وسيتسارع أكثر في يونيو (حزيران) ثم يوليو (تموز) 2025”.
ومع ذلك لا يتوقع الجميع حدوث ركود، إذ قال محللو بنك “مورغان ستانلي” إن الولايات المتحدة ستتجنب الركود لاعتقادهم أن ترمب سيبرم في النهاية اتفاقات مع الدول لخفض الرسوم الجمركية، وفي تصريحات حديثة قال كبير مستشاري ترمب التجاريين بيتر نافارو إنه يضمن عدم انزلاق الاقتصاد الأميركي إلى الركود.