حرية ـ (22/4/2025)
بينما تستعد الكنيسة الكاثوليكية لمرحلة ما بعد البابا فرنسيس، تبرز تساؤلات عدة حول طبيعة المهمة التي سيضطلع بها خليفة زعيم 1.4 مليار كاثوليكي في العالم، في وقت تمر فيه المؤسسة الدينية بفترة تحولات دقيقة.
واستعرضت الكاتبة البريطانية كاثرين بيبينستر، المتخصصة في الشؤون الكنسية ومؤلفة كتاب “المفاتيح والمملكة: البريطانيون والبابوية من يوحنا بولس الثاني إلى فرنسيس”، في صحيفة “ذا تلغراف” أبرز التحديات التي تواجه الكنيسة مع اقتراب موعد انتخاب بابا جديد.

محاولة لجمع الشتات
حين اعتلى البابا فرنسيس السدة البابوية عام 2013، بعد الاستقالة التاريخية لسلفه بنديكتوس السادس عشر، ظنّ كثيرون أن الكنيسة مقبلة على فترة استقرار، لكن الواقع أثبت عكس ذلك، فمنذ ذلك الحين، شهدت الكنيسة موجات متلاحقة من الإصلاحات، طالت آليات الإدارة، والتعامل مع قضايا الانتهاكات، وملفات الزواج والطلاق، إلى جانب الشؤون المالية للفاتيكان.
وقد قاد فرنسيس هذه التحولات بحيوية لافتة، عبر زيارات متواصلة لدول عدة، غير أن وفاته فتحت الباب أمام مراجعة عميقة للإرث الذي خلّفه، وفتحت المجال أمام الكرادلة للبحث عن شخصية تقود الكنيسة في مرحلة ما بعد الإصلاحات.
دعوات لالتقاط الأنفاس
وبعد أيام من جنازة البابا فرنسيس، من المقرر أن يبدأ الكرادلة مداولاتهم حول من سيصبح زعيم 1.4 مليار كاثوليكي في العالم.
وأبلغ أحد أساقفة بريطانيا الكاتبة بأن الكنيسة تحتاج إلى “فسحة تنفّس”، لتثبيت ما تحقق من تغييرات، بعد أكثر من عقد من التحولات المتواصلة، إلا أن مهام البابا الجديد لن تقتصر على صيانة إرث فرنسيس، بل تشمل أيضاً معالجة قضايا لا تزال عالقة.
ومن أبرز مصادر القلق استمرار غياب نهج موحد للتعامل مع قضايا الاعتداءات الجنسية في بعض أبرشيات العالم، إلى جانب الحاجة لتكثيف الجهود لضبط إدارة الفاتيكان المالية. كما أن دور المرأة في الكنيسة لا يزال موضع نقاش، رغم الخطوات الرمزية التي اتخذها فرنسيس، من خلال تعيين نساء في مناصب قيادية داخل الفاتيكان.
في الوقت نفسه، يواصل بعض الكاثوليك – خصوصاً من الجيل الجديد – الانجذاب إلى الكنيسة، بينما ينصرف آخرون عنها، في ظل انقسام داخلي بين محافظين ضاقوا ذرعاً بنهج البابا الراحل، وتقدميين طالبوا بخطوات أجرأ، كالسماح برسامة النساء.
خيارات صعبة
أمام الكرادلة مجموعة من الخيارات المعقدة. فهل على الكنيسة أن تعود للتركيز على أوروبا معاقلها التقليدية، أم أن عليها التوسع في مناطق أخرى من العالم؟ وهل يُفترض بالبابا أن يكون قائداً روحياً فقط، أم لاعباً مؤثراً في السياسة الدولية؟
من الأسماء المتداولة: وزير خارجية الفاتيكان الحالي بييترو بارولين، الذي يحظى بتقدير دبلوماسي واسع، رغم بعض التحفظات على مقاربته للملف الصيني.
ومن خارج أوروبا، يبرز اسم الكاردينال لويس أنطونيو تاغله من الفلبين، كمرشح ليبرالي محتمل يسير على نهج فرنسيس.
أما الإيطاليون، فيأملون بعودة البابوية إلى موطنها الأصلي، وقد يُمثّل الكاردينال بييرباتيستا بيتزابالا، بطريرك القدس للاتين، مرشحاً توافقياً بفضل أدائه في منطقة شديدة التعقيد.
ويبرز أيضاً اسم ماريو غريش من مالطا، المقرب من فرنسيس، والمحسوب على التيار المحافظ المعتدل.

“غرفة الدموع”
أياً يكن الشخص الذي سيُنتخب، فإن المهمة الأهم والأصعب أمامه ستبقى محاولة توحيد الكنيسة، ورأب الهوة بين المحافظين والليبراليين. وقد أثبتت تجربة البابا فرنسيس أن هذه المهمة، حتى على يده، تكاد تكون مستحيلة.
ولذا، ليس غريباً أن يُقتاد البابا الجديد، عقب انتخابه، إلى ما يعرف بـ”غرفة الدموع” في كنيسة سيستين، ليتأمل بثقل المهمة التي تنتظره.
اليوم، يبكي الكاثوليك حول العالم رحيل فرنسيس. لكنهم أيضاً يصلّون من أجل الذي سيحمل الراية من بعده.