حرية ـ (23/4/2025)
بقلم: أحمد الحمداني
في عالم يموج بالتنوع الديني والاختلاف العقائدي تبقى الطقوس واحدة من أكثر المظاهر تجليًا لوحدة الشعور البشري في حضرة المقدس عبر حركات الجسد وتعبيراته الرمزية تتكلم الأديان بلغة الألم والفداء والندم والعودة إلى الذات جاء تلك السطور نتيجة مشهد أثار فضولي أثناء متابعتي لطقوس أسبوع الآلام لدى إخوتنا المسيحيين وما يترافق معها من جلد الأجساد وسحب الأحمال الثقيلة وتمثيل آلام المسيح وفي ذات الوقت لا يمر عام إلا وأشاهد موجة من التنمّر والسخرية تطال بعض طقوس المسلمين الشيعة في ذكرى عاشوراء دون فهم عميق للرمزية والوجدان الذي تحمله هذه الممارسات.
يحيي المسلمون الشيعة ذكرى عاشوراء يوم استشهاد الإمام الحسين بن علي عليه السلام في معركة كربلاء بطقوس تجسد الحزن والمظلومية تتنوع بين اللطم والضرب بالسلاسل والمواكب الحسينية وتمثيل المعركة فيما يعرف شعبيا بالتشابيه الهدف الروحي منها ليس البكاء لأجل البكاء بل تجديد العهد مع القيم التي استشهد الحسين من أجلها إصلاح الأمة مقاومة الظلم توعية المجتمع والتمسك بالكرامة والحق ورغم الحضور الشعبي الواسع لتلك الطقوس إلا أن الحوزة العلمية الشيعية لا تشجع الممارسات المؤذية للجسد مثل التطبير خاصة إذا كانت تلحق الضرر أو تسيء لصورة المذهب وقد شدد كبار المرجعيات مثل السيد السيستاني والسيد الخامنئي على ضرورة أن تمارس الشعائر ضمن ضوابط الشرع والعقل وأن تكون وسيلة للبصيرة والوعي لا مجرد تقليد شعبي جامد.
وفي السياق الإسلامي السني لا تخلو التجربة الروحية من تعبيرات جسدية أيضًا خصوصًا في الطرق الصوفية في مجالس الذكر نجد الدفوف والرقص الصوفي والإنشاد الجماعي بل وتوجد طقوس رمزية يستخدم فيها ادخال السيف في الجسم أو يُضرب الجسد او يأكل الزجاج تعبيرًا عن الفناء في حب الله والتسامي.
الهدف هنا روحي صرف تحقيق الصفاء وحضور القلب والانجذاب في حب الإله وقد تحولت هذه الطقوس إلى ميراث ثقافي واسع من بغداد حتى بلغراد ومن كردستان إلى المغرب
على الضفة الأخرى من التاريخ المقدس يحيي المسيحيون أسبوع الآلام الذي يبلغ ذروته في الجمعة العظيمة في هذه المناسبة يتم تمثيل درب الصليب ويحمل المؤمنون صلبانا خشبية ويجلد بعضهم أنفسهم بل ويُسمّر البعض على صلبان حقيقية أو يسيرون حفاة على الزجاج والطعام كنوع من المشاركة في آلام المسيح وتقديرًا لفدائه للبشرية لكن كما في الإسلام لا تشجع الكنيسة الكاثوليكية هذه الممارسات الجسدية المؤلمة بل تفضل أن تعبر الشعائر عن التوبة والاقتداء الروحي دون إيذاء الجسد أو استعراض الألم
أما في اليهودية فتتجلى الطقوس غالبًا في أبعاد روحية عقلانية تعلي من شأن التأمل والانضباط في يوم كيبور الغفران يصوم اليهود عن الطعام والشراب ويغلقون على أنفسهم في المعابد تائبين باكين دون أذى جسدي أو جلد للنفس وفي عيد الفصح بيساح يُستحضر الخروج من عبودية مصر عبر أطعمة رمزية وقراءات شعائرية وفي عيد المظال سوكوت تُبنى أكواخ خشبية مؤقتة تذكرًا بالتيه في الصحراء وتميل الطقوس هنا إلى الرمز والتقشف أكثر من الألم الجسدي لكنها تشترك في هدف العودة إلى الذات عبر الألم الروحي.
رغم تباين الشكل والمرجعية إلا أن ما يجمع هذه الطقوس هو الإيمان بالمعاناة كطريق للتطهير والتضحية كوسيلة للفداء والمشاركة في الألم كدرب نحو الخلاص سواء كانت دمعة تذرف في كربلاء او سيف يدخل في الجسم بطريقة صوفية أو جلد على الظهر في مانيلا أو صمت وصيام في معابد القدس فالرسالة واحدة حين يحزن الإنسان لله يسمو.
وإذ نطرح هذا الاستفهام هل ما نراه من تقاطعات طقسية هو مجرد تشابه ثقافي أم أنه شاهد على جذر روحي مشترك تتفرع منه هذه الأديان الثلاثة ومتى نعيد النظر في الطقس ليكون أداة وعي ومحبة لا وسيلة تنمّر أو إقصاء.