حرية ـ (28/4/2025)
ذكر “معهد القدس للشؤون الأمنية والخارجية” الإسرائيلي، أن الانتشار العسكري التركي في المنطقة، بما في ذلك بالعراق وسوريا، والذي يعبر عن خليط من الأيديولوجيا والاهتمامات الأمنية والمصالح الاقتصادية بالإضافة إلى الطموحات الجيوسياسية، يثير مخاطر اندلاع مواجهة بين تركيا وإسرائيل.
وتحت عنوان “الوجود العسكري التركي المتوسع يهدد إسرائيل”، أوضح التقرير الإسرائيلي، أن تركيا برزت خلال السنوات الأخيرة، كواحدة من القوى العسكرية الأكثر نشاطاً في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث أقامت قواعد عسكرية وتحالفات عسكرية جديدة في مساحات جغرافية واسعة، من قبرص في شرق البحر المتوسط، وشمال العراق وسوريا، وصولاً إلى الصومال وقطر وليبيا وتشاد.
وبحسب التقرير الإسرائيلي، فإن هذا الانتشار العسكري الواسع، يعكس استراتيجية تركية آخذة بالتطور تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، هدفها إعادة تشكيل دور أنقرة كقوة إقليمية بل وعابرة للمناطق، مضيفاً أن “هذه التحركات ليست بلا مخاطر، خصوصاً أن ذلك يقرب القوات التركية، وربما يدخلها في صراع، مع لاعبين إقليميين آخرين، بما في ذلك إسرائيل ومصر”.
مناطق التوسع التركي
وتناول التقرير الدول والمناطق التي تنتشر فيها القوات التركية، واستهل ذلك بالعراق وسوريا، حيث أشار إلى أن تركيا تتمتع بوجود عسكري قوي ومتوسع في شمال العراق في إطار حربها ضد حزب العمال الكوردستاني، حيث إن العشرات من المواقع والقواعد في إقليم كوردستان تتيح لها القيام بعمليات عابرة للحدود، وذلك بالإضافة إلى مواقع عسكرية تتضمن كتائب من دبابات وقوات خاصة في شمال شرق العراق، مقابل كركوك والسليمانية.
أما في سوريا، فإن التقرير يشير إلى أن القوات التركية تسيطر من خلال قواتها أو الفصائل المدعومة منها، على أجزاء من الشمال، بما في ذلك عفرين وجرابلس وأجزاء من إدلب، مشيراً إلى أن الأهداف الرئيسية لأنقرة في سوريا تتركز على احتواء الطموحات الكوردية، والحد من تدفق اللاجئين، والحفاظ على نفوذها في أي تسوية سياسية مستقبلية.
وتابع التقرير قائلاً، إنه بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، فإن تركيا نصّبت نفسها على أنها حامية للنظام الجديد بزعامة أحمد الشرع ضد محاولات إيران لإسقاط النظام الوليد.
وبالإضافة إلى ذلك، تناول التقرير قطر حيث تتمكز قوات لتركيا التي أرسلت جنودها منذ العام 2017 إلى قاعدة طارق بن زياد بالقرب من الدوحة، بعدما فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً على قطر، وهو انتشار يحمل طابعاً رمزياً واستراتيجياً، إذ أنه يؤكد على دور أنقرة كوسيط وقوة حامية لحليفتها الأيديولوجية.
أما بالنسبة إلى الصومال، فقط لفت التقرير إلى أن أنقرة تدير أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها هناك، وهي قاعدة توركسوم بالقرب من مقديشو، التي تخدم كمركز لتدريب الجنود الصوماليين ومنصة لإبراز القوة الناعمة والصلبة التركية في شرق أفريقيا.
وفيما يتعلق بالسودان، فقد قال التقرير إن تركيا سعت إلى تطوير جزيرة سواكن التي كانت سابقاً مقراً للأسطول العثماني في البحر الأحمر، لتكون مركزاً لوجستياً وسياحياً مع احتمالية استخدامات عسكرية، إلا أن هذا المشروع توقف مع سقوط الرئيس عمر البشير، رغم بقاء النشاط الدبلوماسي والتجاري التركي نشطاً.
كما أشار التقرير إلى انتشار عسكري تركي في تشاد وتحديداً في مدينتي أبيشي وفايا لارجو، بالقرب من الحدود مع السودان، وإلى انتشار عسكري كبير لتركيا في شمال قبرص منذ العام 1974، والذي يبرز التمركز العسكري التركي الطويل في شرق البحر المتوسط واستعداد أنقرة للدفاع عن مطالبها، خصوصاً فيما يتعلق بالحدود البحرية والموارد الهيدروكربونية.
أربعة دوافع استراتيجية
وطرح التقرير الإسرائيلي أربعة دوافع استراتيجية لتركيا وراء هذا التوسع العسكري، وهي يدمج بين الأيديولوجيا والاهتمامات الأمنية والمصالح الاقتصادية والطموحات الجيوسياسية.
الدافع الأول بحسب التقرير، هو الهيبة الجيوسياسية والنزعة العثمانية الجديدة، مشيراً إلى أن سياسة أردوغان الخارجية كثيراً ما تستدعي الروابط التاريخية، خصوصاً مع الأراضي العثمانية السابقة مثل سوريا والعراق، في إطار رؤية تهدف إلى استعادة النفوذ التركي، مضيفاً أن هذا الخطاب يتلاءم مع خطوات تشير إلى رغبة تركيا في العمل بشكل مستقل عن حلف “الناتو” والغرب.
أما الدفاع الثاني بحسب التقرير، فإنه يتمثل في التحالفات الأيديولوجية، إذ أن تركيا تنسجم بشكل متزايد مع أنظمة أو حركات بتوجهات إسلامية، مثلما يتضح من دعمها لجماعة الإخوان المسلمين وعلاقتها الوثيقة مع قطر، وهو ما يضعها في مواجهة مع الإمارات والسعودية ومصر، وحتى إسرائيل.
والدافع الثالث كما أشار التقرير فإنه يرتبط بالأمن ومكافحة الإرهاب، وخصوصاً ما يتعلق بحزب العمال الكوردستاني وحليفه السوري وحدات حماية الشعب، إلى جانب منع ظهور مناطق كوردية تتمتع بالحكم الذاتي على حدودها الجنوبية، كأولوية قصوى لها.
وبحسب التقرير فإن الدافع الرابع، هو الطاقة والمصالح الاقتصادية حيث إن هذا التمركز العسكري يخدم الأهداف الاقتصادية أيضاً، من حماية ادعاءات السيادة البحرية في شرق المتوسط، إلى تأمين الوصول إلى الأسواق الأفريقية، وصولاً إلى مساعدة الشركات التركية والمستثمرين على احتلال مواقع متميزة في المناطق النامية.
بؤر صراع محتملة
غير أن التقرير نوّه إلى أنه من بين كل مواقع الانتشار العسكري لتركيا، فإن تمركزها في شمال سوريا هو الذي يعكس أعلى احتمال لوقوع احتكاك بينها وبين إسرائيل، وهما برغم اتخاذهما خطوات نحو تطبيع علاقاتهما خلال السنوات الماضية، إلا أن الشك الاستراتيجي لا يزال قائماً بينهما، حيث إن دعم تركيا لحماس وانتقاداتها للسياسات الإسرائيلية في غزة والقدس، وطموحاتها في سوريا، تشكل كلها بؤر صراع محتملة.
ولم يستبعد التقرير وجود خطر المواجهة العرضية أو المتعمدة في ظل الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا حيث إنها تستهدف أصولاً إيرانية وغالباً في أجواء قريبة من مناطق سيطرة تركيا التي تعمل على تعميق وجودها العسكري من خلال مواقع عسكرية جديدة وأنشطة استخبارية، وتتعاون مع أطراف معادية لإسرائيل، بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو قد يستجلب ردود فعل إسرائيلية.
وعلى الرغم من ذلك، قال التقرير إن احتمال اندلاع صراع عسكري مباشر بين تركيا وإسرائيل يبدو غير مرجح على المدى القريب، حيث إن كل دولة منهما تبدو ماهرة في إدارة التوترات عبر القنوات الدبلوماسية، كما أنهما تتشاركان في مصلحة إقليمية للحفاظ على الاستقرار. إلا أن التقرير تابع قائلاً إنه برغم تخفيف التوتر بينهما، فإن أي تدهور في الوضع في غزة أو تجدد النشاط التركي حول القدس، قد يغير هذا التقييم.
وخلص التقرير إلى القول إن انتشار القوات التركية في الشرق الأوسط وأفريقيا هو بمثابة إعادة ضبط جريئة لدورها الإقليمي، غير أنها تحمل أيضاً مخاطر استراتيجية، حيث إن التمدد المفرط في اتساعه، وردود الفعل السلبية من السكان المحليين، والتورط في صراعات مع قوى أخرى، بما في ذلك إسرائيل، قد يؤدي إلى تعقيد طموحات أنقرة.
وتابع قائلاً إن استراتيجية إظهار القوة التركية تحمل خليطاً من الثقة والقلق، فمن جهة هناك ما يعبر عن ثقتها بقدراتها المتنامية، وفي الوقت نفسه، القلق من التحولات الإقليمية التي قد تهمش مصالحها، مضيفاً أن مدى نجاح تركيا سيظهر في قدرتها على تحقيق التوازن بين الطموح وضبط النفس بما يحدد دورها في النظام الإقليمي الناشئ.