حرية ـ (8/5/2025)
وليد فارس
فيما تتهيأ الطواقم في الإدارة لمواكبة الرئيس دونالد ترمب إلى المملكة العربية السعودية، يركز المراقبون على هذه الرحلة المهمة، التي يتوقع كثيرون أن تفضي إلى إنجازات كبرى، من شأنها أن تؤثر في الأعوام الأربع المقبلة. في هذا المقال المبكر سنحاول استشراف بعض، وليس كل، ما سيسعى إليه فريق ترمب للحصول عليه من هكذا اجتماعات مع القيادة السعودية.
طبعاً، هناك الظروف الجديدة، والأجندة السعودية، ومختلف المدارس في أميركا حول السياسة الخارجية الأميركية، وملفات مصالح معقدة، تحيط بأجندة ترمب في الرياض وقد تتطور خلال رحلته، وبعض عناصرها قد تتبدل. لذا، فاستعراضُنا لها الآن هو من باب فهم أساساتها قبل تفاصيلها التي ستتجمع خلال وبعد القمة. فهذه هي الملفات المبدئية.
أولاً، إدارة الرئيس ترمب هي على بينة من تردي العلاقات بين واشنطن والرياض خلال فترة جو بايدن الرئاسية، بعد عهد ترمب الأول الذي كان قد فتح عهداً ذهبياً لهذه العلاقات منذ مايو (أيار) 2017. وقد استمر الزمن الودي الاستراتيجي حتى خروج ترمب من البيت الأبيض، وتغيرت العلاقات فوراً من الإيجابية إلى السلبية.
ففي خلال أقل من شهر واحد، رفعت إدارة بايدن الحوثيين من لائحة الإرهاب الأميركية، واضعة ضغطاً أكبر على المملكة لكي تُنهي حملتها على ميليشيات إيران في اليمن. وانتقلت إدارة بايدن، والصحافة المؤيدة لها، إلى مرحلة الضغط المتصاعد على الرياض، بما فيه منع التسلح النوعي لإنقاذ الحوثيين من الانهيار.
وقد استمرت العلاقات بالانحدار حتى انفجار حرب أوكرانيا وما تبعها من حاجة هائلة للنفط في الأسواق، وذهب بايدن إلى جدة وحسن علاقاته مع السعوديين لأنه بات بحاجة إليهم دولياً.
وطورت المملكة برنامجاً دبلوماسياً ناجحاً لإعادة التوازن في العلاقات الدولية ودورها في المنطقة، للخروج من حال “التبعية الأخوية” لإدارة بايدن. فبنت علاقات متينة مع الصين، وأعادت التموقع مع روسيا، ووقعت اتفاقاً تحييدياً مع “الجمهورية الإسلامية”، وسارعت في مشاريعها التنموية والسياحية، وفوق ذلك أبرمت عقود شراء ضخمة مع أميركا، فباتت هي الطرف الإقليمي في وسط المعادلات، وليس طرفاً تابعاً للكتل الكبرى.
ووصل فريق ترمب إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) الماضي، وبدأ فوراً بالتغيير في السياسة الخارجية، ومن بين الأولويات في هذا التغيير إعادة “العلاقات المميزة” مع قيادة المملكة، كما كانت عليه الأوضاع بين 2017 و2020.
إلا أن أوضاع العالم وأميركا والمنطقة قد تغيرت كثيراً، والعودة إلى ما كان في السابق لم تَعُد ممكنة تماماً، إنما بعد إعادة صياغة جديدة. والإدارة تعرف ذلك في المبدأ، ولكنها ستتعرف على الواقع الجديد تدريجاً.
وهي تحمل في جعبتها كثيراً من الملفات، منها الاقتصادي والمالي، ومنها السياسي والعسكري.
إلا أن الأهم لدى البيت الأبيض الجديد هو معرفة معظم المفاوضين بأن شيئاً ما لا بد أن يتغير في العهد الجديد لهذه العلاقات، لا سيما وأن تموضع المملكة في الأعوام الخمسة الماضية سيفرض ليس فقط معادلات جديدة، ولكن تعاملاً متجدداً.
فالرياض باتت في موقع دولي خاص يسمح لها بأن تلعب دور الوسيط والحكم، كما جرى منذ بدء اللقاءات الأميركية – الروسية في السعودية لإنهاء حرب أوكرانيا. فاختيار المملكة بدلاً من دول كبرى أخرى يدل على أن القيادة السعودية أصبحت في مكانٍ آخر.
في العلاقات الدولية، والرئيس الأميركي بات يعرف هذه الأجواء، ربما عبر أقرب أقربائه، وسيعمل على تجديد العلاقة على ثلاثة محاور:
أولاً: إقامة جسر دفاعي لا مثيل له على الصعيد العسكري، عبر عقود أسلحة ومعدات تضع المملكة في موقع أمامي في التكنولوجيا، في موقعٍ موازٍ لإسرائيل.
ثانياً: توقيع اتفاقيات اقتصادية تفوق قوتها الاتفاقيات السعودية – الصينية، لتشكيل شراكة مالية من أجل حل عدد من الأزمات الاقتصادية الدولية.
ثالثاً: الاتفاق على خطط دبلوماسية مشتركة حيال أزمات دولية معقدة، كحرب غزة، والعلاقة مع إيران، والأزمة في سوريا، ووضع “حزب الله” في لبنان، وأزمة الحوثيين، وغيرها من الملفات الشائكة.
وسيكتشف الفريقان أن هناك فوارق لم تكن موجودة في الفترة الرئاسية الأولى، لا سيما أن الرياض بات لها مجموعة من العلاقات قد طورتها في نصف العقد الماضي. لا سيما أن ترمب أيضاً باتت له ظروف أقوى داخلياً ودولياً، وبالتالي فعلى الفريقين أن يبحثا عن شبكة علاقات أعمق وأكثر قوة مؤسساتياً.
فنفس الأطراف ستلتقي مجدداً، ولكنها ستكتشف تطورات لدى كل طرف، فتسعى للتأقلم وتجديد العرى الوثقى بينهما.