حرية ـ (20/5/2025)
أنس بن فيصل الحجي
تدهورت جودة بيانات أسواق النفط منذ عام 2017 بسبب عجز إدارة معلومات الطاقة الأميركية عن تعريف “النفط الخام” بصورة صحيحة، وتمييز الإنتاج الفعلي للنفط الخام في حقول النفط الصخري من المكثفات والسوائل الغازية المنتجة من آبار النفط، وعلى رغم معرفة إدارة معلومات الطاقة الأميركية بالمشكلة التي تشمل أرقام إنتاج النفط الخام المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي التي تحتسب على أنها سوائل غاز طبيعي في جانب الطلب، ولكنها تعتبر خاماً عند مزجها مع الخام الكندي للتصدير.
هذه المشكلة عالمية، إذ تعتمد الهيئات العالمية والبنوك والشركات الاستشارية على بيانات إدارة معلومات الطاقة. بعبارة أخرى، هناك سوائل غازية حسبت على أنها نفط خام عند الإنتاج، وسوائل غازية عند الطلب، ثم حسبت مرة أخرى على أنها نفط خام عند التصدير.
فاقمت العقوبات المفروضة على إيران وفنزويلا في عام 2018 الوضع، إذ استخدم البلدان أساطيل سرية لتصدير النفط، ويقصد بها حاملات النفط التي تطفئ أجهزة التتبع بهدف التخفي وتجاوز الحظر أو العقوبات، وتوقفت إيران عن نشر بيانات إنتاجها. كما أدت عمليات الإغلاق بسبب جائحة كورونا ومشكلات سلسلة التوريد إلى مزيد من تدهور نوعية وكمية البيانات، ولم يتمكن الموظفون من تحديث السجلات.
وأدت الحرب الروسية – الأوكرانية منذ عام 2022، وما تلاها من عقوبات مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي على النفط الخام والمنتجات النفطية الروسية إلى خلق أكبر “أسطول سري” في التاريخ، مما قلل من صدقية بيانات الشحن. تاريخياً، كانت بيانات الشحن بالغة الأهمية للحكم على دقة البيانات الحكومية، أما الآن فنستخدمها بحذر شديد وشكوك كثيرة!
وأدى تباطؤ الاقتصاد الصيني في عام 2024 إلى سحب المصافي من المخزونات بدلاً من استيراد النفط، مما أدى إلى تعقيد تقديرات الطلب الصيني من المحللين، إذ إن الحكومة الصينية لا تنشر بيانات الاستهلاك المحلي. ومن الواضح أن بيانات النمو الاقتصادي المنشورة لا تتوافق مع بيانات النفط والغاز، مما يشير إلى أنه قد يكون هناك مبالغة في أرقام النمو الاقتصادي.
دفعت العقوبات المفروضة على ناقلات النفط الروسية في العام الحالي الشركات الصينية والهندية إلى البحث عن النفط من دول الخليج وحلفائها في “أوبك+”، مما أعطى إشارة زائفة إلى ارتفاع الطلب. كما أدت عقوبات الرئيس دونالد ترمب وحروبه التجارية ورسومه الجمركية إلى حال من الذعر لدى بعض الشركات، فقامت بعمليات شراء واستيراد سريعة، وقامت شركات أخرى بتأخير الاستثمارات، بينما أثارت سياسات الملياردير الجمهوري مخاوف من حدوث ركود اقتصادي، مما أدى إلى تشويه البيانات الاقتصادية والتجارية، إذ ارتفعت التجارة العالمية في الربع الأول من العام الحالي لاستباق الرسوم الجمركية، مما أدى إلى تضخم أسعار الشحن وتوقعات الطلب على النفط، لكن هذا يعكس عمليات شراء آجلة، مما يشير إلى انخفاض النمو المستقبلي ويخفض الطلب على النفط. وأكبر دليل على ذلك انخفاض النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة في الربع الأول من هذا العام، بسبب الزيادة الصخمة في الواردات استباقاً لتطبيق التعرفة الجمركية.
ودفعت الرسوم الجمركية على واردات النفط الفنزويلية الشركات الصينية والهندية إلى زيادة الطلب على النفط من بعض دول “أوبك+”، مما زاد الطلب على بعض الدول، ولكن لم يرفع الطلب العالمي على النفط.
وعلى صعيد الإنتاج، أعلن الرئيسان التنفيذيان لشركتي “بايونير” للموارد الطبيعية و”دايموندباك للطاقة” توقف نمو النفط الصخري، مما أثار شكوكاً حول مزاعمهما السابقة بنمو قوي في الإنتاج ومستقبل صناعة النفط الأميركية. الغريب في الأمر أن الأول تحدث بهذا الشكل بعد أن باع شركته، والثاني قبل أن تنتهي رئاسته للشركة مباشرة. هذه الريبة حول هذه التصريحات تزيد الشك حول صحة البيانات، والتصريحات السابقة والحالية.
دور وكالة الطاقة الدولية
أسهمت وكالة الطاقة الدولية في تدهور نوعية البيانات في أسواق النفط منذ 2021 بإعطاء الأولوية لأهداف المناخ على حساب دقة البيانات والتقارير، ويكفي دليلاً على مشكلة بيانات وكالة الطاقة أنها قامت أخيراً بتعديل بيانات الطلب العالمي على النفط صعوداً للأعوام 2022 و2023 و2024، وبلغ إجمالي التعديل في هذه السنوات 346.75 مليون برميل! وهذا يؤكد فكرة أن الوكالة كانت تخفض الطلب على النفط بصورة مقصودة، بخاصة أنه جرى تنبيهها لذلك مرات عدة من أطراف مختلفة.
وهنا لا بد من تأكيد فكرة أن كل التوقعات معرضة للخطأ، ولكن هناك فروقاً كبيرة بين الأخطاء الناتجة من تطورات مفاجئة في السوق، أو خطأ في الفرضيات، والأخطاء الناتجة من “توجهات” معينة.
الجميل في الأمر أن بيانات وكالة الطاقة بعد التعديل الأخير للطلب العالمي على النفط قريبة جداً من تقديرات كاتب هذه المقالة!
خلاصة الأمر أن تدهور جودة البيانات يجعل التنبؤ بالعرض والطلب على النفط أكثر خطورة من أي وقت مضى، مما يزيد من احتمالية عدم دقة التوقعات، المشكلة أكبر من ذلك لأن كبرى وسائل الإعلام العالمية تسهم في نشر الأخبار الكاذبة أو تجيير الأخبار باتجاه معين، وتتفاقم المشكلة عندما تتلقفها وسائل التواصل الاجتماعي وتعيد نشرها على أنها حقيقة!