حرية – (21/3/2023)
شفقنا العراق ــ بعد عقدين على الغزو الأمريكي وما حمله من متغيرات أمنية عصفت بالشارع العراقي، ما زال السلاح المنفلت كابوساً يؤرق العراقيين، حيث تسبب انتشار الأسلحة المختلفة دون ضوابط على مدى العشرين عاماً الماضية في إزهاق أرواح العديد من الأبرياء.
وفي مقابل ذلك تتعالى الأصوات المطالبة بفرض القانون وحصر السلاح بيد الدولة، وسط حلم العراقيين بأن تطوى صفحات الموت وتمحى من ذاكرتهم، ويتم إسدال الستار على أعوام كانت مليئة بالهجمات والتفجيرات والدماء.
السلاح المنفلت في العراق
وشهد المحور الأمني في العراق تدهوراً كبيراً في العقدين الماضيين، بدءا من ظهور التنظيمات المتشددة، وانتشار المسلحين، وتنامي عمليات الخطف والتفخيخ وليس انتهاءً بتحرير المساحات الواسعة التي سقطت بيد تنظيم داعش، وغير ذلك.
هذا الأمر عزاه متخصصون، إلى “حل الجيش العراقي، والاستحواذ على سلاحه من مختلف الجهات المسلحة”، داعين لتجاوز تلك المرحلة عبر سيطرة الدولة على السلاح المنفلت.
واعتبر الخبير الأمني والعسكري أعياد الطوفان، خلال حديث له إن “حل الجيش العراقي بعد سنة 2003، لم يكن قرارا عشوائيا، بل كان قرارا مخططا له من أجل إشاعة الفوضى في العراق”.
واضاف “استغلت الجماعات المسلحة كافة حل الجيش، وسيطرت على الملايين من قطع السلاح ما بين المتوسطة والخفيفة وحتى الثقيلة منها، وهذا ما كان بداية الانفلات الأمني والقتلى والدماء، مع عدم وجود أي حكومات قوية طيلة السنوات الماضية قادرة على مسك زمام الأمن”.
الوضع الأمني خلال عقدين
وتابع “لهذا فإن الأمن في العراق مر بعدة مراحل خطيرة طيلة الـ20 سنة الماضية”.
ويبين الطوفان، أن “المرحلة الأمنية الأولى التي بدأت في العراق بعد سنة 2003 هي تشكيل الجيش الحالي والشرطة العراقية الحالية، منذ سنة 2003 ولغاية سنة 2014، عندما تمت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على ثلاث محافظات واستحوذ على أسلحة الجيش والشرطة بملايين الدولارات”.
وتابع “وبعد 2014 وانطلاق عمليات التحرير حصل تحسن امني مضطرب، بسبب وجود سلاح المليشيات والعصابات، خصوصاً أن البعض منها مسنود من الدولة نفسها وهذا ما يهدد حتى كيان الدولة العراقية”، على حد قوله.
ويضيف أن “حل المليشيات سوف يكون عاملا مهما في ضبط الأمن في المدن العراقية، بشرط أن يكون هناك تنشيط للقوات الأمنية، فبقاء السلاح المنفلت مازال يهدد العراق والعراقيين، وهذا ابرز متغير حصل في العراق بعد سنة 2003، فإن هذا السلاح أصبح يحكم بالتهديد”.
وكانت سلطة التحالف المؤقتة أصدرت الأمر رقم 2 في 23 مايو أيار 2003، عندما كان بول بريمر حاكما مدنيا، وفيه تقرر حل الهياكل الأساسية العسكرية والأمنية والاستخباراتية العراقية التابعة للنظام السابق.
وشمل القرار المذكور حل وزارتي الدفاع والإعلام والأجهزة التابعة لهما وقوات الحرس الجمهوري والمحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة وتسريح مئات الآلاف من الضباط والجنود والموظفين العاملين بالمؤسسات التي يشملها القرار، فضلا عن تعليق عمليات التجنيد للخدمة العسكرية وتسليم جميع الممتلكات والمباني الخاصة بالمؤسسات التي تم حلها إلى الإدارة الأميركية بالعراق.
سنوات مليئة بالدماء
ويقول الباحث في الشأن الأمني سرمد البياتي، لصحيفة “العالم الجديد”، إن “التغييرات الأمنية التي حصلت طيلة الـ20 سنة الماضية تضمنت أحداثا كبيرة على مستوى كل الطوائف العراقية، فالتسعة أشهر الأولى بعد الاحتلال كان الوضع فيها هادئا جداً، كون الحكومة كانت هي حكومة الشارع أي حكومة الشعب نفسه، ولهذا هي كانت فعلا فترة ذهبية”.
ويبين البياتي، أن “الوضع الأمني بدأ يتدهور بعد تفجير مقر الأمم المتحدة، وبعدها كانت معارك الفلوجة ومعارك النجف، وكان جيش المهدي بارزا في النجف ومدنية الصدر في وقتها، ثم تطورت الأمور وحصلت معارك في البصرة وغيرها وظهرت القاعدة والزرقاوي، وختمت هذه الاضطرابات الأمنية بتنظيم داعش”.
ويضيف أن “هناك ضحايا سقطوا جراء هذه الأحداث الأمنية وكانت هناك سيارات مفخخة وعبوات ناسفة وسقوط لمحافظات عراقية”.
لافتا إلى أن “الـ20 سنة الماضية كانت مليئة بالدماء، خصوصاً الأحداث الطائفية والقتل على الهوية، وهي متغيرات أمنية صعبة على الشعب العراقي، ولغاية الآن فإن الخطر الأمني مازال موجودا من خلال استمرار تعرضات تنظيم داعش في عدد من قواطع العمليات وكذلك المخدرات والسلاح المنفلت”.
ويتابع الباحث في الشأن الأمني أن “المواطن العراقي لم يعد له أي طلب غير فرض سلطة القانون والحكومة وحصر السلاح بيد الدولة”.
مؤكدا أن “الأحداث خلال الـ20 سنة الماضية كان 80 بالمئة منها محزن وصعب على العراقيين، فالاحتلال لم يترك بالعراق غير القتلى والدماء، وكان اخطر قرار هو حل الجيش العراقي الذي لو بقي لم تحصل أي كارثة أمنية من الكوارث التي حصلت طيلة هذه الفترة”.
التنظيمات الإرهابية
من جهته، يفيد المختص في الشأن الأمني والاستخباراتي، فاضل أبو رغيف، خلال حديث لـه بأنه “بعد الانهيار الكبير الذي أصاب المنطقة برمتها حدث هذا التغيير، الذي غير من خارطة العالم من خلال تغيير في الوضع العراق، فالعراق يحظى بموقع جغرافي واستراتيجي، خصوصاً بما يتعلق بالأمن القومي للشرق الأوسط”.
ويضيف أبو رغيف، أن “أول لبنة لتأسيس الجماعات المتطرفة المتشددة كانت قبل سنة 2003 ما يسمى بالفدائيين العرب، الذي أسسها صدام حسين، وتحت هذا المسمى دخلت التنظيمات الإرهابية، منها تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المتشددة بأكثر من 32 فصيلا متطرفا، يخضع للسلفية الجهادية”.
ويبين أن “الجانب العراقي ذهب كرد فعل نحو تشكيل بعض القطعات الأمنية والاستخباراتية وكلما تطور الجهد الاستخباراتي كثرت تلك الجماعات، وهذا ما أدى لظهور موازين قوى”.
ويتابع أن “العراق استطاع خلال السنوات الماضية كبح جناح الجماعات المتطرفة، ليصبح صاحب بصمة وفضل كبير على دول العالم، كونه منع مرور تلك الجماعات المتطرفة إلى باقي دول العالم، ومع ذلك كان التنظيم الإرهابي نشطا ومدد نفوذه بما يسمى بـدولة التمكين وأحدث بركانا من العنف”.
هزيمة داعش في العراق
ويخلص المختص بالشأن الأمني والاستخباراتي إلى أن “الملف الأمني في العراق ماض نحو كبح جماح وإحاطة المجاميع الإرهابية كافة، والدليل انكسار جدوى التنظيم في سنة 2017 في المناطق الشمالية والغربية، وهنا جرت إزاحة الستار عن اخطر تنظيم ضرب العالم وتغلغل لأوروبا وإفريقيا ودول أخرى في آسيا”.
يذكر أن الأجهزة الأمنية بكافة صنوفها، تمكنت من إنهاء تواجد التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش، كما ساهمت الأجهزة الاستخبارية العراقية بمهام عديدة، أبرزها المشاركة في عملية قتل زعيم تنظيم داعش عبدالله قرداش عام 2022.
حيث أعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، في حينها، أن عملية قتل “الإرهابي أمير محمد سعيد والمكنى بأبي عبدالله قرداش” نُفذت بعد أن زود جهاز المخابرات الوطني العراقي التحالف الدولي بمعلومات دقيقة، قادت للوصول إلى مكانه وقتله.
وهذا إلى جانب العملية الأهم، وهي إعلان النصر على داعش وتحرير المدن من سيطرته، واستمرار ملاحقة خلاياه سواء في المحافظات التي سيطر عليها سابقا أو أطراف العاصمة بغداد، بعملية عسكرية كبيرة.