حرية – (23/3/2023)
توصل علماء إلى تسلسل الجينوم الخاص بأحد أعظم المؤلفين الموسيقيين في التاريخ، لودفيج فان بيتهوفن، بعد مضي ما يقرب من مئتي عام على وفاته، مما أتاح لهم فهماً أفضل لمرض الكبد الذي أودى بحياته، وذلك باستخدام خمس خصلات شعر.
وقال الباحثون، الأربعاء 22 مارس/آذار 2023، إن الجينوم الخاص به أظهر أن الملحن الألماني كان لديه استعداد وراثي للإصابة بأمراض الكبد، كما كان مصاباً بفيروس التهاب الكبد (بي).
وأظهر تشريح جثته بعد وفاته عام 1827 عن عمر 56 عاماً في فيينا، أنه كان مصاباً بتليف الكبد، وهي حالة مرضية غالباً ما تنتج عن الإفراط في تناول الكحوليات. وتشير النتائج الجديدة إلى وجود عوامل عديدة وراء مرضه مثل العوامل الوراثية والعدوى الفيروسية واستهلاك الكحول.
وقال تريستان بيج عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية بجامعة كمبريدج، والباحث الرئيسي بالدراسة المنشورة في دورية كارنت بيولوجي: “خطر إصابة بيتهوفن بمرض في الكبد، ينشأ غالباً من طفرات في جينين… يمكن أن تزيد، إلى ثلاثة أمثال تقريباً، خطر إصابته بكل صور أمراض الكبد المتصاعدة”.
وأضاف بيج: “عوامل الخطر تلك ليست مصدر قلق كبير بمفردها بالنسبة لمعظم من يعانون منها، ولكن كان من الممكن حدوث تأثير تفاعلي ضار لها مع استهلاكه للكحول”، وتابع: “قبل هذه الدراسة، كان الكحول عامل الخطر الوحيد المعروف لاعتلال كبد بيتهوفن”.
ويشير وجود فيروس التهاب الكبد (بي)، المندمج في جينوم بيتهوفن، إلى إصابته بعدوى في الكبد قبل بضعة أشهر على الأقل من وفاته وربما قبل ذلك.
وعانى بيتهوفن من فقدان تدريجي في السمع بدءاً من سن 29 حتى فقد سمعه تماماً في سن 44 عاماً. ومع ذلك واصل تأليف ألحانه الرائعة.
وقال بيج: “لم نتمكن في نهاية المطاف من إيجاد تفسير وراثي لفقدان بيتهوفن سمعه”.
بيتهوفن: الموسيقي الأصم
لودفيج فان بيتهوفن (1770-1827), هو أحد أكثر ملحّني الموسيقى الكلاسيكية شهرة ونيلاً للتقدير الواسع. فقد لعب دوراً حاسماً في الانتقال من الموسيقى الكلاسيكية إلى الموسيقى الرومانسية. يعتبر بيتهوفن أحد أعظم الملحنين على مر العصور، فهو الذي يعتبر أنّ “الموسيقى نوعٌ من الوحي الأكثر نبلاً من الحكمة والفلسفة”.
منذ بداية العشرينيات من عمره، عانى بيتهوفن من تدهورٍ بطيء في السمع، وهو ما أوصله في النهاية إلى أن يصبح أصمَّ تماماً.
قال بيتهوفن ذات مرة: “الموسيقى هي الوسيط بين الحياتين الروحية والحسية”. على الرغم من الصمم والإحباط الناتج عنه، فقد كان بيتهوفن لا يزال قادراً على تلحين الموسيقى بأعلى مستويات الجودة.
وكان لا يزال قادراً -داخلياً- على سماع أرقى أنواع الموسيقى. ومع ذلك، فقد تسبَّب صممه في معاناته حين يؤدِّي بمصاحبة فرقة أوركسترا؛ لأنه غالباً ما كان يفتقد التناغم معهم وهو ما تسبب في سخرية الجمهور من عازف البيانو العظيم، مما أدى إلى شعوره بحزن كبير، وانطوائه على عزلته أكثر.
نتيجة لذلك، جنح أكثر إلى عالم التلحين الخاص به. ورغم مشكلة السمع والإحباطات الخارجية، فإنّ أعماله الأكثر إثارة للدهشة والإعجاب كانت مُلحنة في تلك الأعوام الـ15 الأخيرة الصعبة من حياته.
شملت هذه الأعمال العظيمة “ميسا سولمنيس” والسيمفونية التاسعة، وكلتاهما انتهى من تلحينهما قبل فترة وجيزة من وفاته. وكانت السيمفونية التاسعة عملاً رائداً في تأليف سيمفونية كورالية من أصوات متعددة تغني كلمات مختلفة لإنشاء سيمفونية مشتركة.
أما الجزء الأخير من السيمفونية (يشار إليه في كثير من الأحيان باسم “نشيد الفرح”)، فهو تمثيل موسيقي رمزي للإخاء العالمي. وهي ذروة أعمال بيتهوفن التي تتناسب مع إبداعه الموسيقي الفريد وحياته.
عاش بيتهوفن وحيداً ولم يتزوّج، ويقال إنّه أحبّ امرأةً متزوّجة وبالطبع لم تسِر الأمور على ما يرام، وبدلاً من اندماجه في المجتمع الجديد الذي دخله مع بداية شهرته، انطوى على ذاته أكثر، ولم يدخل أيّة علاقات عاطفية.
توفي بيتهوفن في 26 مارس/آذار من عام 1827، عن سنّ 57 عاماً فقط. والسبب الدقيق للوفاة غير محدد، ولكن يعتقد أنّ تراكم الرصاص السام بجسده لعب دوراً في ذلك.
يقال إن أكثر من 10 آلاف شخص قد اصطفوا في الشوارع لحضور جنازته. ورغم أنه كان حادَّ الطباع، وموسيقاه كانت في بعض الأحيان شديدة الحالمية بالنسبة لعامة الناس، فإن بيتهوفن كان موضع تقدير عبر التاريخ لإسهامه الفريد في الموسيقى.