حرية – (27/3/2023)
تنتشر الروائح أسفل إدراكنا الواعي مباشرة، وتستحضر المشاعر والذكريات التي تشكل كيفية إدراكنا العالم وطرق التنقل فيه.
وقد تكون نفحة غير متوقعة لوجبة خفيفة منسية منذ زمن طويل أو كتاب مليء بالغبار ذكرى يمكن أن تنقل الشخص إلى سنوات ماضية، ما يتيح نوعًا من السفر عبر الزمن يجعل الذكريات الضبابية أكثر حيوية.
خلال جائحة “كورونا” فقد العديد من الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض حاسة الشم مؤقتًا، ما أدى إلى إدراك جديد لأهمية الرائحة في حياتهم.
ووفقا للعملاء، فأنه من المحير إذن أن الرائحة هي حاسة تم تجاهلها إلى حد كبير و”بشكل غير عادل” في معظم محاولات فهم الماضي.
وفي تقرير نشرته اليوم الإثنين قالت شبكة “سي أن أن” الأمريكية:” يريد عدد متزايد من الباحثين الآن إعادة بناء الروائح القديمة واستخدامها لمعرفة المزيد عن حياتنا الماضية.”
وأشارت إلى أنه خلال جائحة “كورونا” فقد العديد من الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض حاسة الشم مؤقتًا، ما أدى إلى إدراك جديد لأهمية الرائحة في حياتهم، مضيفة أن مشاريع بحثية جديدة هي الآن قيد الدراسة لفهم كيف كانت رائحة الماضي وتحديد الروائح المعاصرة التي يجب الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
وقالت باربرا هوبر الباحثة في علم الآثار في معهد “ماكس بلانك” لعلم الأرض في ألمانيا:”إنه شعور حيوي للغاية، إن الرائحة كانت أيضًا مهمة جدًا في الماضي وربما كانت أكثر أهمية لأنه في الماضي لم يكن كل شيء معقمًا إلى هذا الحد.”
ولفتت إلى أن التحدي المتمثل في العثور على روائح الماضي هو كيفية “التقاط ظاهرة سريعة الزوال”، مشيرة إلى أنه عادة ما يجد علماء الآثار ويدرسون الأشياء التي يمكننا لمسها وهي القطع الأثرية التي نجدها في المتاحف.
وأوضحت أن مركبات الرائحة متطايرة بطبيعتها وأنه بمجرد اختفاء مصدرها، فإنها تختفي أيضًا وتتبخر في الهواء، مضيفة أن معظم الروائح تنبع من المواد البيولوجية مثل النباتات والأغذية والأجسام البشرية والحيوانية التي تتحلل بسرعة.
وقالت:”على الرغم من كل هذه التحديات، فإن بعض الأساليب الجزيئية الحيوية الجديدة والقوية تساعدنا على فك رموز الروائح القديمة.”
رائحة التاريخ
وذكرت الشبكة في تقريرها أنه غالبًا ما يكون مفتاح الكشف عن روائح الماضي غير مرئي للعين المجردة، وأنه يمكن للعلماء دراسة المخلفات الجزيئية الحيوية غير المحسوسة المتبقية على الموقد وزجاجات العطور وأواني الطهي وأواني تخزين الطعام باستخدام تقنيات محددة مثل فصل المكونات في خليط، وقياس الطيف الكتلي، الذي يمكنه اكتشاف المركبات المختلفة عن طريق حساب وزن الجزيئات المختلفة .
وتشتمل الجزيئات الحيوية الأكثر إفادة على الدهون مثل الدهون والشموع والزيوت غير القابلة للذوبان في الماء وفقا لهوبر، التي أوضحت أنه غالبًا ما يتم العثور عليها مضمنة في السيراميك المسامي، بعد استخدامها في أشياء مثل وقود المصابيح أو المراهم المعطرة التي وضعها الناس على أجسادهم أو على الجثث.
اوضح شون كوغلين الباحث في الفكر القديم والعصور الوسطى في الأكاديمية التشيكية للعلوم، أنه يحاول إعادة ابتكار العطور التي ربما ارتدتها “كليوباترا” بنفسها
وأشارت هوبر إلى أنها تدرس أيضا المستقلبات الثانوية والمركبات العضوية التي تنتجها النباتات والتي تتركها المنتجات النباتية المستخدمة في الماضي، بما في ذلك الراتنجات والأخشاب المعطرة والأعشاب والفواكه والتوابل.
مناظر الشم
وأوضحت هوبر أنها تدرس أيضا المباخر الموجودة في الموقع الأثري في “تيماء” وهو أقدم مستوطنة في المملكة العربية السعودية يعود تاريخها إلى 5000 عام، من أجل محاولة إعادة بناء “المشهد الشمي” للواحة القديمة.
ولفتت إلى أنها اكتشفت مستقلبات ثانوية كشفت عن استخدام راتنجات معطرة تحتوي على اللبان والفستق في المباني الخاصة والقبور والمعابد.
وقالت: “بدت الراتنجات متشابهة حقًا… ولكن عندما تحرقها، يكون لها رائحة مختلفة تمامًا وعلى سبيل المثال كان اللبان رائحة غنية حقًا ويمكن أن تشعر حقًا أنه ربما تم استخدامه لتنظيف المنازل لتجنب الرائحة الكريهة أو شيء من هذا القبيل.”
بدوره أوضح شون كوغلين الباحث في الفكر القديم والعصور الوسطى في الأكاديمية التشيكية للعلوم، أنه يحاول إعادة ابتكار العطور التي ربما ارتدتها “كليوباترا” بنفسها، بناء على وصفات مسجلة في النصوص المصرية القديمة ومن نقوش على جدران المعبد.
وقال:”المشكلة بسيطة، عادة عندما تتبع وصفة فأنت تعرف ما من المفترض أن تحصل عليه، لكن عندما تعيد إنتاج وصفة تاريخية، لا يكون لديك هدف”.
وأضاف: “ما نحاول فعله حقًا هو استخدام الكيمياء العضوية لنكون قادرين على معرفة شيء عن العملية لأننا نعتقد أن العملية كانت في الواقع ما سيحدد نطاق الروائح المحتملة”.