حرية – (28/3/2023)
بين الأسطورة والحقيقة وعوالم الواقع والخيال، لطالما جذبتنا قصص الملوك والملكات والحكام العظام على مر التاريخ، والتي وإن كان أساسها حقيقياً إلا أنها قد لا تخلو أحياناً من المبالغات والأحداث التي قد يصعب تصديقها.
ومن هذه القصص، قصة الملكة كوبابا التي حكمت واحدة من أقدم حضارات الأرض وأكثرها عراقة، الحضارة السومرية سنة 2500 قبل الميلاد، ثم خلدها الشعب ونصّبوها إلهة، وكانت الملكة الوحيدة في قائمة ملوك سومر الرجال.. تعالوا معنا نروِ لكم قصتها.
نحت موجود في متحف أنقرة تظهر فيه “كوبابا”
كانت إمرأة تعمل في حانة وتقدم القرابين للآلهة
قد يكون من الصعب أن نتخيل أنه قبل 4500 عام، كانت امرأة تحكم أكبر وأقدم حضارة في بلاد ما بين النهرين القديمة.
لكن الأكثر إثارة للدهشة هو أن كوبابا، أو كما تعرف بـ”كوج باو” في اللغة السومرية، لم تكن من سلالة ملكية، ولم تعتل العرش لحقها الوراثي في الحكم، لكنها في الحقيقة كانت تعمل في حانة تقدم البيرة أو نوعاً من الشراب القديم.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف لامرأة تعمل في حانة أن تصبح ملكة؟
تختلف الإجابة هنا باختلاف المصادر والروايات، خاصة أن المعلومات عن كيفية وصول كوبابا للعرش قليلة جداً، لكن هناك شيء متفق عليه، وهو أن امتلاك حانة كان مهنة شائعة ومحترمة للإناث في بعض الحقبات التاريخية القديمة في بلاد ما بين النهرين.
فقد كان الشعير الذي تصنع منه البيرة مقدساً لدى الشعب السومري، كما كانت تعتبر البيرة بحسب النصوص السومرية بهجة القلب ورضى الكبد.
ووفقاً لما كتبته عالمة اللاهوت كارول آر فونتين في كتابها “البحث عن الحكمة عند القدماء”: بالنظر إلى أن أهل سومر يعتزون بالبيرة كهدية من الآلهة، فقد يكون من الأدق اعتبارها “سيدة أعمال ناجحة ذات ارتباطات إلهية”. لكن كيفية وصولها إلى الحكم أسطورية غير واضحة.
ويرجح أن كوبابا كانت مالكة الحانة وليست مجرد خادمة فيها، وأنها قدمت القرابين التي فشل الصيادون بتقديمها. وذلك بناءً على سجل تم العثور عليه يشير إلى مكانتها، وفيه اقتباس من نص بابلي قديم يقول: “أعطت كوبابا الخبز للصياد وأعطته الماء، وجعلته يقدم السمك في معبد إيساجيلا للإله مردوخ، فأعجب صنيعها الإله وعهد إلى كوبابا، حارسة الحانة، بالسيادة على العالم بأسره”.
تفسير آخر يفترض أنها تزوجت من ملك لكن الأدلة تنفيه
يفترض تفسير آخر في مقال بعنوان “كوبابا.. أول امرأة حاكمة”، أنه لم يكن من الشائع في مجتمع بلاد ما بين النهرين عند النساء ممارسة أي تأثير سياسي، إلا من خلال علاقاتهن بالملك.
وكانت الملكات السومريات دائماً زوجات الملوك. ولم يحكموا من تلقاء أنفسهم. لكن السؤال الآخر الذي قد يخطر في بالنا هنا: هل يمكن لملك أن يتزوج من امرأة تعمل في حانة؟
الإجابة هي أنه من غير المرجح أن يتزوج الملك من عامة الناس عادة، إلا أنه بالتأكيد احتمال وارد. فمن المحتمل أن كوبابا كان متزوجة من ملك فارق الحياة ثم حكمت بمفردها، لكن لا يوجد ذكر لحدوث مثل هذا الشيء في النصوص القديمة.
وعلى اختلاف التفسيرات هنا، إلا أن المؤرخين لا يختلفون على وجود كوبابا، وأنها حكمت بمفردها، فقد تم ذكرها في اللوح الطيني الذي يضم قائمة بأسماء ملوك السومريين، مع لقب لوغال “lugal” والذي يعني ملكاً، وليس لقب أريش “eresh” الذي يعني قرينة الملك، فقد وُصفت بـ”عاملة الحانة، التي رسخت أسس كيش”، وهي عاصمة سومر.
الملكة السومرية “كوبابا”
أول امرأة تقود جيشاً وتنتصر، لكن هل حكمت سومر 100 عام حقاً؟
كان يعتبر السومريين الحكم قانوناً إلهياً، وكانوا يعتقدون أن الملوك من الممكن أن يكونوا آلهة، لذلك من الصعب تحديد تاريخ حكمهم بشكل دقيق.
ولكن بحسب مقال كتبه الدكتور بنهام أبو الصوف، حكمت كوبابا لمدة 30 عاماً “بحنكة وذكاء واقتدار بلا مشاركة زوجها أو ابنها”، لكن بحسب الأسطورة فإنها حكمت 100 عام، أسست خلالها سلالة كيش الثالثة (أو الرابعة) التي عُرفت بالسلالة الكوتية في سومر.
تشير المصادر السابقة إلى أنه خلال فترة حكمها، انتصرت كوبابا على ملك ماري في سوريا، شاروميتر، وكانت بذلك أول امرأة تقود حرباً وتنتصر فيها في التاريخ البشري. وأنها كانت ملكة قوية ذات شعبية كبيرة طوال فترة حكمها في الحضارة العراقية القديمة.
ويذكر أنها تزوجت من الملك الكوتي هابلوم، وبعد وفاتها حكم ابنها بوزور سوين (Puzur-Suen) وحفيدها أور زابابا (Ur-Zababa).
الإلهة الحورية الأم
بعد موتها، عرفت كوبابا بإسم الإلهة الحورية الأم التي تعبد في أضرحة سومر.
كما أصبحت الإلهة كوبابا حامية مدينة كركميش (Carchemish) السورية، وهناك لوحة حجرية منحوتة محفوظة الآن في متحف الحضارات الأناضولية في أنقرة تمثل الإلهة كوبابا وهي ترتدي غطاء الرأس، وفقاً لموقع Discover Magazine.