حرية – (30/3/2023)
صيغة سانت ليغو الانتخابية تعود الى الواجهة من جديد، فما هي وما تفاصيلها، اذ لا تزال تثير لغطا رغم اقرار البرلمان العراقي التعديل الانتخابي التي يتضمنها.
وأقر البرلمان العراقي فجر الاثنين الماضي تعديلا لقانون الانتخابات التشريعية والمحلية متضمنا إعادة العمل بنظام “سانت ليغو” الذي سيعود بالعراق إلى العمل بنظام دائرة انتخابية واحدة لكل محافظة وإلغاء صيغة الدوائر المتعددة المعتمدة في القانون الحالي، وهو ما رفضه النواب المستقلون والكتل النيابية المدنية واعتبروه نقضا لأهم مكسب حققته احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وصوّت البرلمان على تعديل قانون الانتخابات الجديد بحضور 218 نائبا من مجموع 329، وذلك في جلسة شهدت جدلا ومشادات كلامية بين النواب، وهو ما دفع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى استدعاء عناصر الأمن لإخراج النواب المعارضين وإحالتهم إلى لجنة السلوك النيابية.
ورغم إقرار التعديل البرلماني فإن الكثير من العراقيين لا يزالون يواجهون مشكلة في فهم التفاصيل الدقيقة لصيغة سانت ليغو الانتخابية، وهو ما سيعمل على توضيحه.
ما هي آلية سانت ليغو؟
تعرف آلية “سانت ليغو” بأنها إحدى طرق توزيع المقاعد للقوائم الانتخابية، حيث ابتكرت عام 1912 من قبل عالم الرياضيات الفرنسي أندريه سانت ليغو، بهدف توزيع الأصوات على المقاعد الانتخابية في الدوائر متعددة المقاعد، وتهدف إلى تقليل العيوب الناجمة عن عدم التماثل في الأصوات وعدد المقاعد.
وتعتمد صيغة سانت ليغو في توزيع المقاعد على حاصل قسمة عدد الأصوات للقائمة الانتخابية على الأرقام الفردية 1، 3، 5، 7، ويكون عدد هذه الأعداد الفردية وفق عدد المقاعد البرلمانية المخصصة لهذه الدائرة الانتخابية.
أما طريقة “سانت ليغو” المعدلة في العراق فهي صورة معدلة للآلية، وتعتمد على تقسيم أصوات القوائم الانتخابية في الدائرة الانتخابية الواحدة على القاسم الانتخابي 1.7، 3، 5، 7، مع شرط أن يكون عدد هذه الأرقام الفردية مساويا لعدد المقاعد البرلمانية، ثم يتم اختيار الأرقام الأكبر الناتجة عن حاصل القسمة لجميع القوائم لتكون بذلك المقاعد البرلمانية للكتل السياسية.
وتكمن مشكلة صيغة سانت ليغو في قانون الانتخابات العراقي المعدل في القاسم الانتخابي الأول 1.7 المقر في القانون، وهو ما يرى ناشطون وأحزاب سياسية معارضة أنه يقلل حظوظ المستقلين والأحزاب الناشئة في الوقت الذي يخدم فيه الأحزاب والكتل الكبيرة.
ووفقا لآلية “سانت ليغو” المعتمدة في قانون الانتخابات الجديد، فإنه سيتم احتساب كل محافظة دائرة انتخابية واحدة ليصبح عدد الدوائر في البلاد 18 دائرة، لاغيا بذلك نظام الدوائر المتعددة الذي اعتمد في انتخابات عام 2021، وقسّم البلاد حينها إلى 83 دائرة، وهو ما اعتبر في حينها تحولا في عملية حساب الأصوات والفوز للمرشحين من خلال الاعتماد على أعلى الأصوات الفائزة بدلا من اعتماد طرق حسابية معقدة تجعل دخول المستقلين إلى البرلمان مهمة شبه مستحيلة، وفق مراقبين.
ما رأي المعارضة؟
من جهته، يرى رئيس كتلة امتداد النيابية حيدر السلامي أن القانون يخدم بصيغته الجديدة الكتل السياسية الكبيرة، مما أدى لرفضه من قبل الكتل البرلمانية المدنية الصغيرة والقوى المنبثقة عن احتجاجات “تشرين”، مبينا أن القواسم الانتخابية في “سانت ليغو” وعلى الرغم من أنها لن تؤثر كثيرا في النتائج فإن نتائج القسمة على القواسم ستصب أخيرا في مصلحة أحزاب السلطة الحاكمة، لقدرتها على حصد مقاعد برلمانية عبر طرق ملتوية، بحسب تعبيره.
وفي حديث للجزيرة نت، بين السلامي أن القانون المعدل جعل المقعد البرلماني الشاغر يذهب لصالح القائمة ذاتها حتى لو كان لدى المرشح البديل عدد أصوات أقل بكثير من المرشح الآخر الذي ينتمي للكتلة الصغيرة التي لم تحظ بالقاسم الانتخابي، لافتا إلى أن هذه النقطة تعد مكسبا للأحزاب الحاكمة من خلال الاعتماد على أصوات الفائزين والخاسرين من القائمة نفسها، وفق تعبيره.
أما عن الفرق بين الدائرة الواحدة والدوائر المتعددة فقد بين السلامي أن الدوائر المتعددة تمنح الشعب تمثيلا حقيقيا في البرلمان، وتشجع على ترشيح المستقلين، وترفع الثقة للمشاركة في الانتخابات، في حين تعتمد الدائرة الواحدة على التنظيم الحزبي لجمع الأصوات من مناطق نفوذ هذه الأحزاب ضمن الدائرة، وهو ما لا يوفر تمثيلا حقيقيا لجميع مناطق الدائرة، وفق السلامي.
ويؤيد هذا الطرح الأمين العام لحركة “نازل آخذ حقي” الديمقراطية مشرق الفريجي -وهي إحدى الكتل المنبثقة عن الاحتجاجات- والذي أضاف أن العودة لآلية “سانت ليغو” تمثل محاولة لإنهاء الوعي الذي نتج عن حراك “تشرين” الاحتجاجي، محذرا من أن القوى المدنية باتت على المحك وأمام تحد آخر يتمثل بضرورة الاصطفاف تحت مشروع جامع، وفق قوله.
القوى التقليدية مررت القانون على عجالة
ولفت الفريجي في حديثه للجزيرة نت إلى أن القوى التقليدية مررت القانون على عجالة، في محاولة منها لخلق نصر معنوي أمام جماهيرها لتبرير الخسارة الكبيرة التي منيت بها خلال انتخابات 2021، وفق تعبيره.
من جهته، يؤكد خبير الانتخابات عادل اللامي أن نظام توزيع المقاعد وفق “سانت ليغو” سيقصي القوى الناشئة والمستقلين -مهما كان القاسم الانتخابي أو ناتج القسمة- على خلاف نظام الأغلبية الذي يعتمد الصوت الواحد، والذي طبق في انتخابات 2021، حيث سمح بوجود تعددية سياسية ونواب مستقلين في البرلمان.
وأشار اللامي في حديثه للجزيرة نت إلى أن لكل نظام انتخابي إيجابيات وسلبيات، وأن إيجابيات نظام الأغلبية بطريقة الترشيح الفردي وباعتماد الدوائر المتعددة أكثر من سلبياته، وبالتالي، يرى أن القوى السياسية التقليدية تحاول الحفاظ على أكبر قدر من المكاسب من خلال إقصاء منافسيها عبر القانون الجديد، وفق تعبيره.
ما رأي الأغلبية؟
بالمقابل، يرى عضو ائتلاف دولة القانون وائل الركابي المنضوي في تحالف “الإطار التنسيقي” الشيعي -الذي يضم جمع القوى السياسية الشيعية المقربة من إيران باستثناء التيار الصدري- أن من حق الأطراف الرافضة لقانون “سانت ليغو” الجديد الاعتراض عبر الطرق الديمقراطية وتقديم طعن بذلك لدى المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في البلاد) لا عن طريق إثارة الشارع، وفق قوله.
وأشار الركابي -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الأطراف المستقلة لو كانت موحدة وتحمل فكرة وهدفا مشتركا لما كانت تأثرت بقانون “سانت ليغو” الجديد، معلقا “في انتخابات عام 2018 التي أجريت وفق قانون سانت ليغو حصلت كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على 25 مقعدا، وحتى مع تغيير القانون عام 2020 حصلت الكتلة على 35 مقعدا في انتخابات 2021، وبالتالي فإن الجمهور وحده من يحدد حظوظ القوى السياسية”.
وعطفا على ذلك، يرى عضو مجلس النواب أحمد صلال البدري أن أبرز نقاط الاختلاف كانت حول الدائرة الواحدة والدوائر المتعددة، وكذلك حول طبيعة احتساب الأصوات، لافتا في حديثه للجزيرة نت إلى أن القانون أقر ولا يقصي أحدا، حسب تعبيره.
فرصة لمشاركة الكتل الناشئة
ويضيف البدري المنضوي ضمن تحالف إدارة الدولة (يضم جميع القوى السياسية التقليدية السنية والشيعية والكردية باستثناء التيار الصدري) “ربما سيكون الإقصاء لو تم فرض “سانت ليغو” وفق نسبة 1.9، أما النسبة المعتمدة في القانون فهي 1.7، وبذلك يعطي القانون فرصة لمشاركة الكتل الناشئة والمستقلة”.
من جانبه، يصف رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري العودة إلى “سانت ليغو” بأنها أشبه بـ”لحظة العقاب” التي دفعت بها القوى التقليدية نتيجة لأحداث عام 2019 التي أطاحت بحكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي.
وأضاف الشمري في حديثه للجزيرة نت أن القانون الجديد جاء ردا على القانون الانتخابي لعام 2020 ذي الدوائر المتعددة الذي أفقد الزعامات السياسية رمزيتها وسلطتها على النواب وعلى كتلها السياسية، محذرا من أن العودة إلى “سانت ليغو” قد تدفع لتفجير الأوضاع مجددا في العراق.
ويعلل الشمري ذلك بأن تطبيق صيغة “سانت ليغو” سيضيق المساحة على الأحزاب الناشئة والمستقلين، حيث سيواجه هؤلاء صعوبة بالفوز كونهم لا يمتلكون المال السياسي ولا مؤسسات الدولة التي يتم توظيفها كما جرى في أغلبية الدعاية الانتخابية السابقة للدورات الماضية، وفق تعبيره.