حرية – (30/3/2023)
تكررت حوادث تسبب بها سفراء العراق في الخارج ومثّلت إحراجاً للعراق، وآخرها أزمة القائم بالأعمال العراقي في البحرين، لم يُكشف عن سببها.
وقررت السلطات العراقية في بغداد، أمس الأربعاء، إعادة القائم بالأعمال العراقي في المنامة مؤيد عمر عبد الرحمن، إلى “مقر الوزارة”، وذلك بعد ساعات من بيان للخارجية البحرينية أول من أمس الثلاثاء أعلنت فيه تسليم السفير العراقي لديها مذكرة احتجاج بسبب ما قالت إنه “قام بتصرف غير مقبول”، و”يتعارض مع مهامه الدبلوماسية”.
كما ذكرت وكالة الأنباء البحرينية، في بيان لاحق، أن وزير الخارجية عبد اللطيف الزياني، تلقى اتصالاً هاتفياً من نظيره العراقي فؤاد حسين، جرى فيه التأكيد على “العلاقات الأخوية بين البلدين”، في إشارة ضمنية إلى احتواء الأزمة.
أزمة القائم بالأعمال العراقي في البحرين
أزمة القائم بالأعمال العراقي في البحرين، لم يُكشف عن سببها، لكن المعلومات المتداولة في بغداد، تشير إلى أنها تتعلق بلقاءات للدبلوماسي العراقي شملت ناشطين سياسيين معارضين، من دون أن يصدر أي تأكيد على هذه المعلومة من جهات رسمية حتى الآن في كلا البلدين.
لكن إعادة بغداد للقائم بالأعمال العراقي في البحرين إلى العراق وإنهاء عمله في المنامة، لم يكن الإجراء الأول من نوعه، إذ سبقته عدة إجراءات مماثلة لسفراء ودبلوماسيين عراقيين في دول عدة تسبّب بعضهم بإحراج بالغ لبغداد.
كان آخر هؤلاء السفير العراقي في لبنان، حيدر البرّاك، الذي ظهر العام الماضي، وهو يستخدم قاذفة محمولة على الكتف، في منطقة البقاع اللبنانية خلال رحلة صيد له، ما دفع بغداد إلى إصدار بيان بإعادة السفير إلى بغداد.
ولم تتم تسمية أي سفير عراقي منذ عام 2021، بسبب الأزمة السياسية وإرجاء التصويت على قائمة السفراء المرشحين داخل البرلمان، إثر خلافات على الأسماء وآلية الترشيح التي كانت بواقع 75 في المائة من طريق الأحزاب والقوى السياسية على طريقة المناصب الحكومية داخل البلاد، والنسبة المتبقية يكون الترشيح فيها بواسطة وزارة الخارجية.
إعادة النظر في ممثليات العراق
لكن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قررت حكومة محمد شياع السوداني سحب قائمة السفراء هذه من البرلمان، بما يعني إعادة النظر فيها مرة أخرى قبل إعادتها للتصويت عليها.
وحملت القائمة السابقة نحو 200 اسم، تم توزيعها بطريقة المحاصصة بين القوى السياسية المختلفة.
إلا أن مسؤولاً رفيعاً في وزارة الخارجية العراقية، قال إن السوداني “قرر إعادة النظر بكثير من ممثليات العراق في الخارج، وفيها تلك الموجودة بدول لا وجود لجالية عراقية فيها، مثل كينيا ودولة جنوب أفريقيا، وبعض دول أميركا الجنوبية، التي تحتم إنفاقاً عالياً وفيها عدد موظفين لا طائل منه”.
واعتبر أن سبب تكرار المشاكل من هذا النوع للعراق يعود لـ “المحاصصة الحزبية، إذ تُقدّم الأحزاب مرشحيها لشغل منصب سفير من دون أن يكون لهؤلاء المرشحين أي خلفيات بالعمل الدبلوماسي”.
وتحدث عن مشكلات أخرى لسفراء ودبلوماسيين عراقيين لم تظهر للإعلام واتخذت وزارة الخارجية قراراً سريعاً فيها، “من بينها استغلال أحد السفراء بدولة أوروبية منصبه وعلاقاته بأعمال خاصة به، وآخر تبيّن عدم صحة شهادته الجامعية”.
وكشف المسؤول ذاته عن “وجود 30 بعثة للعراق في الخارج يشتغل فيها أفراد من عائلات سياسيين وزعماء أحزاب ومسؤولين حاليين وسابقين، حصلوا عليها بالمحاصصة أو المجاملة والتفاهم، أغلبها بوقت الوزير الأسبق إبراهيم الجعفري”.
وأقرّ بأن غالبية السفراء العراقيين “ليسوا من المتدربين أو المتخرجين من معهد الخدمة الخارجية التابع للوزارة”.
حوادث متكررة لسفراء العراق
مع تندّر الشارع العراقي على كثير من الحوادث التي تسبّب بها سفراء عراقيون في الخارج خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها مثّلت احراجاً واسعاً للعراق، اضطر لتدخّل رؤساء حكومات ووزراء لمعالجة بعض من تلك المشاكل.
وكان أبرز تلك الحوادث اتهام نجلي السفير العراقي في البرتغال، سعد محمد رضا، في 2016، بالاعتداء على فتى برتغالي، ما تسبّب بدخوله في غيبوبة، ومحاولة السفير التستر على الجريمة.
وانتهت القضية بنقل بغداد للسفير وعائلته من البرتغال إلى دمشق بعد أشهر، مع دفع تعويض مالي لعائلة الفتى المُعتدى عليه.
وفي العام ذاته، نشر الموقع الرسمي لـ”هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية”، أن “اثنين من موظفي البعثة الدبلوماسية العراقية في جنيف تورطا في عملية تهريب سجائر مستغلين صفتهما الدبلوماسية، وبلغت قيمة السجائر 2.4 مليون فرنك، من دون ذكر اسمي الدبلوماسيين العراقيين اللذين تبيّن لاحقاً إعادة أحدهما إلى بغداد وإقالة الثاني.
في إيران
أعقب ذلك مشكلة تورط القنصل العراقي في مدينة مشهد الإيرانية، ياسين شريف، في عام 2018، بأعمال تجارية، كان آخرها الظهور في فيديو ترويجي لصالح مركز لزراعة الشعر وتبييض الأسنان، وهو ما دفع وزارة الخارجية العراقية إلى استدعائه وإنهاء عمله لاحقاً.
وفي العام 2018 أيضاً، ظهر السفير العراقي لدى طهران راجح الموسوي وهو يوجّه إهانات لعدد من العراقيين من أبناء الجالية الموجودة في إيران خلال تجمّع بمناسبة دينية بعد حديث بعضهم عن سوء خدمات السفارة، ما أدى لاستدعائه إلى بغداد ومن ثم صدور بيان إقالته من منصبه.
استدعاء السفير العراقي في واشنطن
وفي يوليو/ تموز 2019، استدعت وزارة الخارجية العراقية سفيرها في واشنطن فريد ياسين، بعد تصريحات تحدث فيها عما زعم أنها “أسباب موضوعية قد تدعو إلى تطوير العلاقة مع إسرائيل”.
وبرر ذلك يومها بوجود جالية عراقية هناك، في إشارة إلى اليهود من أصول عراقية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأصدرت الخارجية العراقية بياناً أكدت فيه أن تصريحات السفير “غير مناسبة”.
وجددت “التأكيد أن موقف العراق إزاء القضية الفلسطينية هو نفسه الموقف المبدئي والتاريخي برفض الاحتلال الإسرائيلي واغتصابه لأرض عربية، وإننا لا نقيم أي علاقات مع دولة الاحتلال، وملتزمون بمبدأ المقاطعة”.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ظهر القائم بالأعمال العراقي في موريتانيا حميد القدو، بملابس نوم غير لائقة مع مطربة محلية داخل صالة فندق، وأثارت القضية جدلاً واسعاً في العراق، دفع وزارة الخارجية إلى إعادته لمقر الوزارة في بغداد لاحقاً.
حادثة “آر بي جي 7”
وفي مارس/ آذار 2022، استدعت بغداد سفيرها في بيروت إثر ما عرف إعلامياً بحادثة “آر بي جي 7″.
إذ استخدم السفير قاذفة من هذا النوع للصيد في منطقة البقاع.
وسبق قرار الاستدعاء، مشكلة للسفير ذاته مع صحافية لبنانية حاولت أخذ تصريح من وفد عراقي رسمي كان في زيارة إلى بيروت.
أما في أغسطس/ آب 2022، فأصدرت بغداد قراراً مماثلاً بإنهاء عمل سفيرها في الأردن، حيدر العذاري وإعادته إلى بغداد، إثر صور وصفت بـ”غير لائقة” للسفير وزوجته مع المطرب اللبناني راغب علامة.
ففي سبتمبر/ أيلول 2022، أعلنت وزارة الخارجية في بغداد، عن قرار بإعادة دبلوماسي معتمد لديها في الأمم المتحدة، بعد التقاط الصحافيين صوراً له وهو يشاهد مباراة بكرة القدم عبر جهازه المحمول، خلال اجتماع للجمعية العمومية للأمم المتحدة كانت تتعلق بالملف العراقي.
مندوب العراق في اﻷمم المتحدة تاجر عقارات!
وفي يوليو من العام ذاته، تسبب تقرير في محطة تلفزيون أميركية ظهر فيه مندوب العراق السابق في الأمم المتحدة حامد البياتي، بصفته تاجر عقارات في نيويورك، بجدل واسع في البلاد، قاد خلالها ناشطون حملة تطالب بفتح ملفات الفساد في وزارة الخارجية.
كما شهد فبراير/ شباط العام الحالي، إعلان وزارة الخارجية تشكيل لجنة تحقيق في أزمة جوازات السفر الدبلوماسية التي فجرها نواب في البرلمان، بعد اتضاح حصول شخصيات غير حكومية عليها، من بينهم عارضات أزياء ومشاهير على منصات التواصل الاجتماعي.
مؤكدة أن اللجنة ستتولى مهمة التدقيق في حاملي الجوازات الدبلوماسية.
وعلى الرغم من أن الدستور العراقي النافذ منذ عام 2005، لم ينص على توزيع المناصب في إطار طائفي أو حزبي، لكن العرف السياسي المعمول به منذ الغزو الأميركي عام 2003، درج على المحاصصة، وفيها ما بات يعرف بـ”الدرجات الخاصة”، والتي من بينها منصب السفير.
خطة لإعادة النظر بسفراء العراق
وقال مقرر لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عامر الفايز، إن “اللجنة بالتنسيق مع وزارة الخارجية لديها خطة لإعادة تقييم عمل وأداء السفراء والدبلوماسيين كافة في دول العالم، واجراء تعديلات وتغيير حسب التقييم”.
وبيّن الفايز أن “هناك سفراء مضى على عملهم سنين طويلة ببعض الدول، وهذا ما يتطلب تغييراً، ولهذا نحن في لجنة العلاقات الخارجية سيكون لنا تحرك خلال المدّة المقبلة من أجل إجراء تغييرات في السفراء والدبلوماسيين في دول العالم، وسنعمل على إجراء تقييم مهني بالعمل والأداء بعيدا عن المجاملات والضغوطات السياسية”.
وأكد أن “لجنة العلاقات الخارجية، ترصد منذ مدة أخطاء بعض سفراء العراق في عدد من الدول، وضعفا في الأداء، ولهذا وزارة الخارجية تجري بين مدّة وأخرى عملية سحب بعض السفراء بسبب هذه الأخطاء الدبلوماسية”.
تحكّم المحاصصة بالمناصب
بدوره، قال النائب المستقل في البرلمان العراقي أمير المعموري، إن “الأخطاء المتكررة لسفراء العراق سببها المحاصصة والمحسوبية التي جاءت بهؤلاء الأشخاص إلى مناصب مهمة تمثل العراق وشعبه أمام دول العالم، فهذا الملف خاضع للمحاصصة والتوافق، واختيار الأشخاص لا يتم من طريق الكفاءة والخبرة بالعمل الدبلوماسي”.
وأضاف المعموري أن “مناصب سفراء العراق في بعض الدول أصبحت مناصب لعوائل بعض الزعامات السياسية والأخرى دخلت ضمن المحاصصة السياسية والطائفية، ويتم تقسيمها كحال المناصب الأخرى في الدولة العراقية، وهذا سبب رئيس في فشل الدبلوماسية العراقية في الكثير من الدول”.
وأكد النائب المستقل “أننا سنعمل على فتح ملف سفراء العراق في دول العالم، لوجود الكثير من الأخطاء والإخفاق في عمل الكثير من السفراء، الذين جاءت بهم المحاصصة إلى مناصب، يفترض أن يكون فيها شخصيات دبلوماسية قادرة على تمثيل العراق أمام الدول”.
من جهته، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي، إياد الدليمي، أنه “بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 لم يكتفِ الحاكم الأميركي بول بريمر بحل الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية بل أصدر قوانين عدّة أسهمت في طرد وإبعاد خبرات عراقية وكفاءات مهمة من مختلف الوزارات وفيها الخارجية، ومنها ملاحقة الكثير من الشخصيات العراقية العاملة في المجال الدبلوماسي سواء بالاجتثاث (اجتثاث البعث) أو حتى بالتصفية الجسدية”.
وأضاف: “بدأت بعدها مرحلة جديدة من تأسيس نمط غريب على مفهوم الدبلوماسية في العراق، وهو ما يمكن تسميته بالمحاصصة الدبلوماسية، والتي قادت إلى وصول أشخاص غير مؤهلين إلى أعلى رأس الهرم الدبلوماسي في العراق وصولاً إلى أدناه”.
التحاصص السياسي
وأشار الدليمي، إلى ما وصفه بـ”التحاصص السياسي في مختلف مؤسسات الدولة، والذي دفعت ثمنه كل المفاصل الحكومية ومنها الدبلوماسية التي كانت واحدة من ضحايا هذه المحاصصة”.
وتابع: “هناك اليوم سفراء للعراق في الخارج يحملون شهادات مشكوكا في صحتها، ودبلوماسيون يعملون في دول أجنبية لا يتقنون اللغة الإنكليزية، وآخرون لا يحملون حتى ثقافة التعامل مع الغير كونهم لم يتأسسوا وفقاً للأعراف الدبلوماسية المعمول بها”.
ووصف هذا الملف بأنه “كارثي ويجب فتحه، وتحديداً ما يتعلق بمعايير اختيار الدبلوماسيين العراقيين، فقد أسهمت المحاصصة الحزبية والطائفية بأن يكون مظهر الدبلوماسية العراقية بهذا الشكل الفضائحي الذي بات يلاحقها من وقت لآخر”.