حرية – (2/4/2023)
دفعت مصادقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، على وثيقة تحدد «الاستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية» إلى تساؤلات حول ماذا تحمل «عقيدة روسيا» الخارجية الجديدة لأفريقيا؟ وفي حين تحدث خبراء وباحثون عن «سعي موسكو لدور أكبر في القارة»، فإنهم حذروا من «مخاطر محتملة».
وتنص الوثيقة على أن موسكو «تقف متضامنة مع الدول الأفريقية في سعيها لإقامة عالم متعدد الأقطاب أكثر عدلاً، والقضاء على التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية (التي تفاقمت بسبب السياسات الاستعمارية الجديدة) لعدد من الدول المتقدمة، تجاه أسرع قارات العالم نمواً»، بحسب ما أوردته وكالة «سبوتنيك» الرسمية الروسية.
وتعهدت الحكومة الروسية، في الوثيقة الاستراتيجية، بأنها ستعطي الأولوية «لضمان سيادة واستقلال» الدول الأفريقية، من خلال المساعدة في «مجالات الأمن، بما يشمل أمن الغذاء والطاقة والتعاون العسكري وكذلك الفني». ووفقاً للسياسة الروسية الجديدة تجاه أفريقيا، تلتزم موسكو بـ«المساعدة في حل والتغلب على تداعيات النزاعات المسلحة في أنحاء أفريقيا جميعها على أساس المبدأ الذي صاغه الاتحاد الأفريقي (المشاكل الأفريقية… الحلول الأفريقية)».
علاوة على ذلك، تنص العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية على «تعزيز وتعميق التعاون الروسي – الأفريقي في مختلف المجالات على أساس ثنائي ومتعدد الأطراف»، بالإضافة إلى «زيادة حجم التجارة والاستثمار مع أفريقيا، والتكامل مع الهيئات الاقتصادية الأفريقية».
يأتي هذا وسط تنافس دولي على النفوذ في القارة، حيث تقود الولايات المتحدة الأميركية جهوداً غربية لمجابهة تزايد نفوذَي روسيا والصين في القارة. وترى أميركا تزايداً للنفوذ الروسي في عدد متزايد من دول القارة، حيث عملت مجموعة «فاغنر»، التي صنفتها واشنطن أخيراً «منظمةً إجراميةً عابرة للقارات»، على تقديم خدماتها الأمنية، في مواجهة الحركات والمجموعات المسلحة المعارضة، مساندةً لأنظمة الحكم هناك.
وتكثف روسيا التعاون الروسي الأفريقي، إذ شهد هذا العام جولة قام بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لعدد من دول القارة، بعد قمة أميركية – أفريقية شهدت حضور معظم القادة الأفارقة، وانتهت بتعهدات أميركية بمساعدات واستثمارات بالقارة. وبعد أسابيع قليلة من هذه القمة، قامت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، بجولة أفريقية، في يناير (كانون الثاني) الماضي، ثم زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، منتصف مارس (آذار) الماضي، للنيجر وإثيوبيا، ثم زيارة نائبة الرئيس الأميركي كمالا هاريس إلى؟؟
ويرى حسن أيدين، باحث دكتوراه في العلاقات الدولية بجامعة شنغهاي الصينية، أن روسيا من خلال الوثيقة ترسخ للقارة باعتبارها «شريكاً وحليفاً جيواستراتيجياً أساسياً في ضوء تصاعد العداء مع القوى الغربية، وهو ما قد يمنح القارة أدواراً كبرى في المرحلة المقبلة». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «موسكو تسعى من خلال السياسة الجديدة إلى كسر العزلة الدولية، السياسية والاقتصادية، التي تعاني منها، من خلال جذب القارة الكبرى باعتبارها حليفاً مهماً، علاوة على استهدافها بوصفها فضاءً بديلاً لاقتصادها الذي يعاني من عقوبات غربية قاسية، حيث القارة الشابة ديمغرافياً تمثل إحدى أكبر وأهم أسواق العالم».
ولفت أيدين إلى أن الوثيقة تمثل «تأكيداً على دبلوماسية وتوجه روسيين قائمين بالفعل يهتمان بالقارة، حيث تصاعد نفوذ موسكو في القارة أخيراً»، مرجحاً أن «الوثيقة تشير إلى أن روسيا تسعى لـ(عالم جديد) ونظام دولي متعدد الأقطاب، ستلعب فيه التحالفات والشراكات الاستراتيجية دوراً محورياً».
بينما يرى رامي زهدي، الخبير في الشؤون الأفريقية، أن الوثيقة على الرغم مما تطرحه من مزايا وأدوار أكبر للقارة في مجالات التعاون الاقتصادي والاستراتيجي والاستثمار، فإنها قد تدشن لأن «تصبح أفريقيا ساحة لمخاطر جديدة محتملة»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أنه على «الدول الأفريقية تبني مواقف موحدة تعلي مصالحها وتتجنب السقوط في فخ الانحيازات إلى قوى على حساب أخرى».