حرية – (3/4/2023)
أربعة أسابيع مرت على مقتل مهسا أميني التي باتت رمزاً لنضال نساء إيران، بعد أن اتهمت عائلتها صراحة شرطة الأخلاق هناك بالتسبب في وفاتها، إذ عذبت بحجة أن الشابة لم تكن ملتزمة بشكل كامل بالتعليمات الجبرية لارتداء غطاء الرأس في الدولة الفارسية.
كان واضحاً أن نجوم الفن أخذوا بعض الوقت كي يتبينوا الوضع، ويحسموا موقفهم مما يجري، بخاصة أن التظاهرات التي تقابل بعنف شديد من قبل الجانب الأمني الإيراني تحاصر الجميع على الشاشات في كل أنحاء العالم.
الفتيات والتلميذات والسيدات اللاتي يقفن من دون سلاح إلا من صوتهن ضربن مثالاً بشجاعة نادرة لم يحسب حسابها النظام السياسي، الذي رد بآلة بطش مخيفة، فيما هن صامدات بإصرار تام على أخذ حق الراحلة، والمحاولة بكل استماتة كي لا تتكرر الواقعة، مطالبات بحريتهن في اختيار الزي الذي يخترنه طالما أنهن لا يؤذين أحداً.
وكان الوسط الفني الفرنسي الأكثر سرعة في إعلان موقف داعم بلا شروط للتظاهرات الاحتجاجية في إيران، ثم توالت الدعوات للتضامن، حيث أفاق كبار نجوم هوليوود، وبدؤوا في حث متابعيهم على الالتفات لما يحدث.
شعار انتفاضة إيران على ألسنة المشاهير
بداية وقع أكثر من 1000 فنان فرنسي على بيان يحمل شعار التظاهرات الإيرانية “المرأة، الحياة، الحرية” يؤكدون فيه مساندتهم الكاملة لمناضلي الانتفاضة الاحتجاجية التي تقودها المرأة الإيرانية.
ومثلما كان قص الشعر في الساحات العامة وعلى الملأ طريقة خاصة جداً اختارتها النساء للتعبير عن غضبهن وحزنهن على ما جرى لمهسا أميني ليؤكدن أنهن يسعين إلى التحرر وإلى رفض فرض السيطرة الكاملة على حياتهن من قبل الجهاز الأمني القوي، قامت بعض النجمات البارزات والحاصلات على كبرى الجوائز بإعلان تضامنهن معهن بالطريقة نفسها التي كانت وليدة الاحتجاجات وتميزت بالعفوية والذكاء، وبالفعل كانت ملخصة للموقف.
قصت كروز شعرها في فيديو جمع عشرات من زميلاتها (أ ف ب)
وظهر كثيرات منهن في فيديوهات نشرت عبر مواقع التوصل الاجتماعي بنظرات غاضبة، يحملن المقصات ويقصصن خصلات من شعورهن بشكل عشوائي، ويلقين بها، تلك الخصلات التي طالما اعتنين بها، ويفضلن دوماً ألا يقترب منها سوى مصفف متخصص، وبينهن بينلوبي كروز الحاصلة على أوسكار وبافتا وسيزار وأيضاً جائزة من مهرجان كان السينمائي، التي قدمت فيلمها “الجميع يعرف” عام 2018، وفرهادي بدوره كان عبر عن تضامنه مبكراً للغاية.
ثورة “قص الشعر”
بدت كروز بملامح جادة وهي تقص شعرها في فيديو جمع عشرات من زميلاتها فنانات إسبانيا، وبينهن ألبا فلوريس التي حققت شهرة كبيرة في العالم العربي بشخصية نيروبي بمسلسل “La Casa De Papel ـ البروفسيور”، وأرفقت النجمات الفيديو برسالة مكتوبة حملت إدانة قوية لشرطة الأخلاق، واختتمت بعبارة للمساندة مفادها “نحن معكم يا نساء إيران”.
ظهرت أيضاً نجمات فرنسيات بارزات في فيديوهات شبيهة، وبينهن جولييت بينوش الحاصلة على أوسكار وبافتا وسيزار، إضافة إلى تكريمات من مهرجانات السينما الأهم مثل كان وبرلين، إذ قصت خصلة كبيرة من شعرها، وباتت لا تأبه بالمرة وكل ما يهمها إعلان دعمها للمحتجات.
وكذلك ماريون كوتيار المتوجة بغولدن غلوب وأوسكار والحاصلة على وسام فارس ونيشان الفنون والآدب، كما حرصت أيضاً المغنية والعارضة الإيطالية الفرنسية كارلا بروني زوجة رئيس فرنسا السابق نيكولا ساركوزي على المشاركة في فيديوهات قص الشعر كذلك.
دعمت أنجلينا جولي المرأة الإيرانية ووصفتها بالشجاعة والجريئة
وفي حين لفتت الناشطة السياسية وعضو البرلمان الأوروبي عبير السهلاني الأنظار بعد أن وجهت رسالة تضامنية شديدة اللهجة من خلال فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، قامت فيه بقص خصلات من شعرها لتعبر عن غضبها مما يتعرض له المعارضون الإيرانيون على أيدي قوات النظام، حاول المشاهير مجاراة الوضع، بخاصة أن موقف الإيرانيات يبدو جديراً بالتسجيل أكثر من أي سيناريو فني محكم، بعد أن خطفن الكاميرا عن جدارة بقوتهن، وأثبتن أنهن الأولى بالبطولة في هذا الميدان.
وبين النجوم الذين انتبهوا لأهمية هذا الحدث أنجلينا جولي التي نشرت صوراً عدة من تظاهرات الشوارع في المدن الإيرانية، موجهة تحياتها واحترامها للمرأة الإيرانية الشجاعة والجريئة كما وصفتها جولي، وبالطبع للراحلة مهسا أميني.
ولم تنس نجمة الأوسكار وغولدن غلوب المقاومين في إيران على مدار عقود وكل من نزل إلى الشارع، وتابعت “لا تحتاج النساء إلى مراقبة أخلاقهن أو إعادة تثقيف عقولهن أو التحكم في أجسادهن، إنهن بحاجة إلى الحرية في العيش والتنفس من دون عنف أو تهديدات. نحن نراكم”. وأرفقت جولي الرسالة بهاشتاغ الحركة الاحتجاجية أيضاً “المرأة ـ الحياة ـ الحرية”.
النجمة شاكيرا حرصت أيضاً على أن تعطي رأيها في القضية، ووجهت المغنية اللاتينية الحاصلة على عدة جوائز غرامي وإم تي في كامل مساندتها للإيرانيات، كما وجهت مواساتها لعائلة مهسا أميني، وذلك من خلال رسالة قصيرة، لكنها معبرة، وقالت فيها “قلبي مع عائلة مهسا أميني ومع النساء وتلميذات إيران وجميع أولئك الذين يناضلون من أجل حرية التعبير”.
تضامن عربي خافت
كان هناك أيضاً مجموعة من الفيديوهات التي يظهر بها سام أصغري العارض والممثل ومدرب اللياقة البدنية الشهير، إذ يحاول شرح ما يجري في وطنه بصورة واضحة، مؤكداً أنه يقف بجانب من يناضل لأجل حريته.
وسام أصغري الذي تزوج قبل أشهر من النجمة العالمية بريتني سبيرز، يحمل الجنسية الأميركية في حين أنه من أصول إيرانية، ويحث متابعيه دوماً على معرفة الحال في بلاده، إذ شدد في عدة رسائل سياسية مباشرة على أن الاحتجاج على النظام الحالي لا يعني أبداً أن شعب بلاده لم يتعرض للظلم إبان حكم الشاه.
شهدت الاحتجاجات الإيرانية تضامناً في عواصم غربية عدة (أ ف ب)
أما التضامن العربي فحتى الآن هو على استحياء، إذ كانت المذيعة اللبنانية ديما صادق من أوائل الإعلاميات اللاتي أبدين تعاطفهن مع الفتيات الإيرانيات، وأعلنت موقفها مبكراً، أما الفنانة المصرية ياسمين رئيس فقامت أخيراً بنشر تدوينة مختصرة عبر حساباتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي باللغتين العربية والإنجليزية تقول “أؤيد النساء في إيران”.
من اللافت أنه على رغم القبضة الحديدية فإن التظاهرات التي تتصدرها النساء لم تنطفئ في العاصمة الإيرانية وضواحيها، وبعد مرور شهرين على اندلاع الانتفاضة لا تزال المرأة الإيرانية صامدة في شجاعة فاجأت بها المسؤولين السياسيين في إيران، وأيضاً جذبت من خلالها أنظار مشاهير العالم الذين كان يفضل عدد منهم غض الطرف والصمت عن اتخاذ موقف واضح.