حرية – (5/4/2023)
اشتُهر “النمر كيني” الأبيض في مطلع الألفية الثانية على أنه مُصاب بـ”متلازمة داون”، وحصد تعاطفاً كبيراً حين أطلق عليه البعض لقب “أبشع نمر في العالم”، لكن الحقيقة كانت أكثر حزناً ومأساوية.
لو تساءلتَ إذا كانت هناك حيوانات مصابة بـ”متلازمة داون”، فالأرجح أن البحث السريع على الانترنت سيُعطيك نتائج إيجابية، وقد يظهر لك نماذج من بعض الحيوانات التي اشتهرت بإصابتها. لكنك ستُفاجأ بالحقيقة.
هل يُمكن للحيوانات أن تُصاب بـ”متلازمة داون”؟
من الناحية الطبية، لا، فهذا غير ممكن. قد يطوّرون أعراضاً مشابهة لأعراض المتلازمة، لا أكثر. لماذا؟
يُصاب الطفل بـ”متلازمة داون” عندما يولد مع 47 كروموسوماً، بدلاً من 46، مع وجود نسخة إضافية -كاملة أم جزئية- من الكروموسوم 21. فينتج عن ذلك ما يُسمّى بـ”التثلث الصبغي 21″، بسبب النسخة الثالثة الإضافية من الكروموسوم 21، من هنا جاء اسم Trisomy 21.
هذا بالنسبة إلى البشر، أما فيما يتعلق بالحيوانات، فإن معظمها -لاسيما السنوريات- لا يُمكنها أن تُصاب بهذه الحالة في الجينات. ووفقاً لموقع Wild Life، المختص بالحيوانات، فالنمور لا تملك أساساً الكروموسوم 21، لديها 19 فقط.
لذلك، فهي غير قادرة على تطوير “متلازمة داون”، وهذا الأمر ينطبق على النمر كيني أيضاً. فما هي قصته الحقيقية؟
الحقيقة المرة وراء النمور البيضاء
تزخر الطبيعة بحيوانات مُميّزة، مثل: الدببة البنية، والدببة السوداء، والباندا الحمراء؛ لكن، هل يوجد حقاً ما يُعرف بـ”النمور البيضاء”؟
تقول سوزان باس، من محمية “Big Cat Rescue” في ولاية فلوريدا الأمريكية، إن النمور البيضاء ليست نوعاً حيوانياً، وبالتالي هي غير مهدّدة بالانقراض، على عكس السردية التي يحاول مربّو الحيوانات أن يروّجوا لها.
وفي حديثٍ إلى موقع “The Dodo” الأمريكي، تؤكد باس أن النمور البيضاء غير موجودة في البرية، وأن هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة بشأنها. وتضيف: “لم تُسجّل مشاهدة لنمرٍ أبيض بري منذ خمسينيات القرن الماضي”.
ووفقاً لها، فإن هذا النمر الأبيض الصغير كان يعيش مع عائلة من النمور البرتقالية العادية، لكن الشخص الذي وجده كان مفتوناً جداً بهذا التباين في فرائه. فخطفه بعيداً عن أمه وأشقائه.
ما يعني عملياً أن جميع النمور البيضاء الموجودة حالياً تنحدر من نسل هذا النمر الصغير، الذي اكتسب لون فرائه المختلف نتيجة مزيجٍ من الجينات المتنحية.
تعتبر النمور البيضاء جميلة بكل تأكيد، لكن -وفقاً لسوزان- لا يستطيع مُرَبّو النمور الوصول إلى تلك التركيبة الجينية إلا من خلال استولادها مراراً وتكراراً، لزيادة فرص ظهور هذا المزيج الجيني.
يعني ذلك أن معظم النمور البيضاء هي نتيجة أجيال من التزاوج الداخلي، أي تزاوج العائلة الواحدة، الأمر الذي قد يسبّب تلقائياً عدداً من المضاعفات الصحية والجسدية. وليس النمر كيني، الذي كان والده ووالدته أشقاء، إلا مثالاً واحداً على نتيجة التزاوج الداخلي.
وأشارت سوزان إلى أن معظم عيون النمور البيضاء مُصابة بالحول، حتى لو لم يكن ذلك واضحاً عند النظر إليها. بالإضافة إلى ذلك، “هم لا يعيشون طويلاً، لأنهم يولدون مع مشكلات في الكلى والعمود الفقري”.
وأعطت مثالاً على نَمِرة بيضاء موجودة في محمية Big Cat Rescue، وكيف تعاني -مثل كثيرين غيرها- من حنكٍ مشقوق، يجعلها تبدو وكأنها مبتسمة دائماً.
النمر كيني كشف مجال صناعة الترفيه وتربية الحيوانات
الإساءة القاسية التي تتعرّض لها النمور البيضاء لا تبدأ وتنتهي عند التزاوج الداخلي والتشوّه الخلقي فحسب؛ فهي -إضافةً إلى ذلك- وبالنسبة للعاملين في مجال تربية النمور وتوليدها (على الأقل) عامل يجذب الناس المستعدة لدفع المال من أجل رؤيتها.
وما لا يعرفه كثيرون أن تلك النمور البيضاء كانت أحد العناصر الأساسية للترفيه، في عروض لاس فيغاس الشهيرة، على مدار عقود. والحقيقة أن تلك العروض لم تكن لتُشرك في عروضها شوى النمور البيضاء “مثالية الشكل” فقط، وليس تلك التي تعاني من تشوهاتٍ خلقية.
ووفقاً لسوزان، فإن نمراً واحداً من أصل 30 يمكن أن يحمل شكلاً مثالياً، فـ”مَن يدري ما يحدث للنمور الـ29 الآخرين. هل يتمّ التخلص منهم بالموت الرحيم، أم يُتركون ليموتوا تدريجياً”؟
كان النمر كيني -الذي توفي في العام 2008- أحد الحالات النادرة، التي نجحت في الوصول إلى عالم الشهرة رغم إصابته بتشوهات خلقية، لكن الحقيقة أن وضعه السابق كان أكثر مأساوية.
فقد أُنقذ في العام 2000 من قِبل إحدى المحميات، من داخل مزرعة نمور أمريكية، كان وُلد فيها عام 1998. ووفقاً لتقريرٍ نشرته صحيفة The Mirror البريطانية، عاش كيني في القذارة والوحل خلال أول عامين من حياته، وكاد يموت أثناء الولادة.
كان النمر كيني، الذي وُلد نتاج زواج أب وأم شقيقين، واحداً من نمرين صغيرين استطاعا البقاء على قيد الحياة. وُلد شقيقه ويلي، برتقالي اللون بعينين مصابتين بحولٍ شديد. أما بقية النمور، فوُلدت إما ميتة، أو ماتت أثناء الولادة.
زعم المُرَبّي أن تشوهات كيني نتيجة ارتطام وجهه في الحائط مرات متكررة، واعترف أيضاً بأنه كان سيقتل كيني عند ولادته، لو لم يشعر ابنه أنه كان “لطيفاً للغاية”. وبعدما أدرك بأنه لن يحقق ربحاً من عائلة النمور تلك، اتصل بإحدى المحميات عام 2000.
عندما وصل مسؤولو المحمية إلى المزرعة، وجدوا النمور في أقفاصٍ مليئة بالبراز وبقايا الدجاج الميت. لم يخجل الرجل من مسؤولي المحمية، بل كان وقحاً كفاية ليطلب منهم نحو 8 آلاف دولار مقابل النمور. وعندما رفضوا، سلَّمهم النمور مجاناً.
انتشرت صور كيني بعد ذلك مصحوبة بأقاويل، غير دقيقة، تزعم أنه مصاب بـ”متلازمة داون”، لكن المحمية أشارت إلى أن “عقل كيني سليم وأنه كان يتصرف مثل بقية النمور. يأكل العشب ويتحرّك في مكانه”.توفي كيني عام 2008 بعد معركة مع سرطان الخلايا الصبغية (الميلانوما)، وهو نوع خطير من سرطان الجلد يتطور في الخلايا المنتجة لصبغة الميلانين المسؤولة عن لون الجلد. كان عمره 10 سنوات فقط، أقل من نصف متوسط العمر المتوقع للنمر في الأسر.