حرية – (9/4/2023)
أثار مشروع الربط السككي مع إيران لغطا كبيرا في الأوساط السياسية والاقتصادية لما له من مضار على ميناء الفاو وتهميش المشروع الكبير.
ويرى مختصون أنه في حال بقائه لنقل الركاب يجلب أرباحا كبيرة من خلال نقل المسافرين.
قبول مشروع الربط السككي مع إيران
وقع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في تناقض بشأن مشروع الربط السككي مع إيران، فبعد أن كان يعلن رفضه سابقا، تتجه حكومته هذه الأيام لتنفيذه.
وعلى الرغم من أن إعلان وزارة النقل عن اقتصاره على نقل المسافرين، إلا أن متخصصين ومراقبين، أكدوا تحوله مستقبلا إلى تجاري لنقل البضائع، مما سيقضي على ميناء الفاو الكبير.
وعزوا هذا التوجه إلى جماعات الضغط المقربة من إيران الساعية لتقوية نفوذها في العراق بكل الطرق.
ويقول مستشار وزير النقل السابق، حسن العبادي، إن “المشروع موجود في وزارة الخارجية والنقل وفي رئاسة الوزراء منذ حكومة الكاظمي، ويدعى مشروع خطة سكك حديد البصرة- الشلامجة بين العراق وإيران، وهذا المشروع مر بمراحل عدة في زمن حكومتي الكاظمي وعادل عبد المهدي، الذي كان قد أصدر توجيها للوزارات والجهات المعنية بالشروع في مفاوضات لتنفيذ المشروع”.
وكان وزير النقل رزاق محيبس، أعلن الخميس الماضي، عن عقد اتفاق مع الجانب الإيراني على تنفيذ سكة حديد لنقل المسافرين بين مدينتي الشلامجة والبصرة، خلال وجوده في إيران بزيارة رسمية، كما تضمن العقد البدء بعمليات إزالة الألغام المزروعة منذ حرب الثماني سنوات بين البلدين، في المناطق الحدودية، إلى جانب إنشاء جسر متحرك على شط العرب، على أن يجري إنجازه خلال عام ونصف.
إقرار المشروع منذ 4 سنوات
ويضيف العبادي، أن “المشروع تم إقراره سابقا بموجب جلسة اعتيادية في رئاسة الوزراء بتاريخ 27/8/2019 وقضى بتأجيل عرض مذكرة تفاهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحين انعقاد الاجتماع بين الجانبين العراقي والإيراني لغرض ترسيم الحدود البرية والنهرية بين البلدين، وبعد مجيء الكاظمي، وجه كتابا على أساسه تم إعطاء موافقة بتوقيع مذكرة تفاهم باسم وزارة النقل العراقية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد إنهاء عملية الترسيم البري فقط وليس البحري وحصل ذلك بموجب كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتاريخ 4/4/2021 إذ تمت عملية الترسيم البري في منطقة الشلامجةً بين العراق وإيران، وجرى خلالها تحديث وتحديد الحدود الطوبوغرافية البرية وتوقيع هذا المحضر المشترك”.
ويكمل: “هكذا تم تحديد المنطقة الصفرية التي يتم فيها التقاء سكتي حديد بين حدود الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحدود الجمهورية العراقية بموجب هذا المحضر وعلى اثر ذلك تم توقيع مذكرة تفاهم للتعاون المشترك وكانت المذكرة مابين وزارة النقل ووزارة الطرق وبناء المدن الإيرانية”.
لافتا إلى أن “موضوع المذكرة كان مذكرة تفاهم للتعاون المشترك لإنشاء مشروع سكة حديد البصرة شلامجة وجسر شط العرب وعلى إثرها يتم التفاوض بين الجانبين العراقي والإيراني بخصوص تحديد الآلية التي يتم بموجبها إحالتها إلى ربط مشروع سكة الحديد بما يخدم الطرفين”.
التأثيرات الجانبية لمشروع الربط السككي مع إيران
ويؤكد العبادي أن “هذا الربط سيؤثر على الموانئ التجارية بصورة عامة ومشروع ميناء الفاو الكبير بصورة خاصة، إذا استخدم لنقل البضائع، أما إذا بقي لنقل المواطنين، فيساهم في زيادة الدخل القومي من خلال تنمية السياحة الدينية ما بين البلدين”.
موضحا أن “طول خط سكة حديد الشلامجة بصرة يبلغ 32 كيلومترا”.
وكان رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، أعلن في أيار مايو 2021، وصول المفاوضات مع إيران لبناء خط سكة حديد بين البصرة والشلامجة لمراحلها النهائية.
وتسعى إيران إلى إحياء مشروع الربط السككي بين ميناء الإمام الخميني (ماهشهر) والبصرة، بهدف نقل البضائع للعراق عن طريق البر، بدلا من أن يستقبل العراق البواخر ويكون هو الجهة الرئيسة لاستقبالها، الأمر الذي قد يمنع ميناء الفاو الكبير من تحقيق أية نقلة نوعية في الاقتصاد العراقي المعتمد على النفط فقط بشكل رئيس.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، سبق وأن أبدى رفضه للربط السككي مع إيران، وأكد قبل توليه منصبه: “لا أجد حاليا أي مصلحة للعراق في أي ربط سككي مع دول الجوار قبل أن ننشئ ميناء الفاو الكبير”.
تناقضات السوداني
وحول هذا الأمر، يوضح المحلل السياسي، نزار حيدر، أنه “بعد 6 أشهر من تشكيل الحكومة، بات واضحا أن كل ما يقوله رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، يتناقض مع ما قاله سابقا، بدءا من عودته لاتفاق العراق والأردن ومصر وقضية مبيعات البنك المركزي التي وصفها بالكبيرة عندما كانت 300 مليون دولار، والآن عادت لنفس المستوى، وصولا إلى قضية إخراج القوات الأمريكية، وانتهاء بالربط السككي مع إيران”.
ويتابع أن “مشاريع الربط السككي والقناة الجافة وغيرها، هي مشاريع استراتيجية بعيدة المدى، ولن تستطيع الحكومة الحالية أن تنجز أي منها، حتى وأن أكملت دورتها بالكامل، بالتالي هي قرارات للاستهلاك الإعلامي فقط”.
وبشأن الآثار المترتبة على الربط السككي بين البصرة وإيران، يلفت حيدر إلى أن “هناك مؤامرة على البصرة، ويبدو أن قرارا سياسيا صدر من جهات عليا في البلد، بمنع العراق من الاستفادة من نافذته البحرية، في ظل توجه دول العالم إلى الاهتمام بمدنها البحرية لما تشكله من أهمية كبيرة”.
وفي تموز يوليو 2019، طلبت طهران من بغداد الإسراع في تخصيص قطع الأراضي اللازمة لإقامة المشروع، وتفريغها من أية عوائق قبل البدء به، وحددت في وقتها مدة 90 يوما لإنجاز المشروع.
تاريخ مشروع الربط السككي مع إيران
وبدأ مشروع الربط السككي بين البصرة وإيران، يأخذ صداه في العام 2014، خلال تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة العراقية، حيث طرحت طهران مشروع ربط سككي بين البصرة وميناء الإمام الخميني جنوبي إيران على الخليج العربي، وتضمن المشروع في وقته ربط ميناء الإمام الخميني بمنفذ الشلامجة والبصرة، وصولا الى ميناء اللاذقية في سوريا، ويبلغ طول الربط السككي من البصرة الى منفذ الشلامجة الحدودي مع إيران 32.5 كليومتر فقط، ومن المفترض أن تستخدم هذه السكة لنقل المسافرين والبضائع.
الربط السككي مع إيران يضر بميناء الفاو
من جانبه، يؤكد الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن “مسألة الربط السككي مع إيران موضوع غير مجد ومضر اقتصادياً، حتى وان كان بداية لنقل الأفراد، لكن وجود هذه السكة التي سيتم ربطها مع السكة الوطنية فانه قد تتحول إلى نقل البضائع، وموضوع نقل البضائع عن طريق السكك سيقلل من أهمية ميناء الفاو”.
ويضيف المشهداني أن “الربط السككي سواء كان مع إيران أم الكويت فهو غير صحيح ما لم ينجز ميناء الفاو الذي يمكننا بعد إكماله التفكير في إنشاء خط السكك”.
الآمال معقودة على ميناء الفاو
ويتابع أن “الآمال معقودة على ميناء الفاو فهو الخطوة الأساسية في طريق الحرير إذ نشهد الآن عمليات تأخير مقصودة في إكماله، فعمليات إنشائه بدأت منذ 2010 ولغاية اليوم لم ينجز، وإذا فقد أهميته يصبح ميناء اعتياديا ومحليا بعد أن كان مخططا له أن يكون ميناء إستراتيجيا وواحدا من أهم عشرة موانئ في العالم”.
ولم تقتصر مساعي الربط السككي على إيران فقط، بل طرحت الكويت مرارا مشروعا مشابها لربط البصرة بميناء مبارك الكويتي عبر خط سكك حديد لنقل البضائع، مستخدمة كل السبل لتنفيذه، ما أثار ردود أفعال شعبية ورسمية رافضة.
دور جماعات الضغط
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي بسام القزويني، أن “واقع الحال في العراق، أن المتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي هي جماعات الضغط بفرعيها، التشريعي والفرع الآخر الذي يمتلك قوة السلاح والنفوذ، وبالرغم من أن رئيس الوزراء يمتلك صلاحيات ويتجه لتفعيل بعض المشاريع، لكن أي مقترح أو رؤية يريد رئيس الوزراء التحرك بشأنها ستصطدم بجماعات الضغط وتوقفها اذا كانت ضد مصالحها”.
ويتابع أن “السوداني حاول سحب البساط من تحت هذه الجماعات، وذلك عبر استثمار الغاز، الذي يهدد مصالح الجماعات القريبة من إيران، لكن بالمجمل فإن السوداني هو مرشح الإطار التنسيقي القريب من إيران، أي أن هذه الجماعات هي من شكلت الحكومة ولديها تفاهمات تراعي مصالح إيران”.
تمرير مشاريع
وبشأن الربط السككي مع إيران، يوضح القزويني أن “إيران تسعى لتمرير كل المشاريع التي تؤطر تواجدها في المستقبل، كما لا يمكن تمرير أي مشروع في العراق دون أن تكون هناك حالة من الاطمئنان لإيران أو لنفوذها بالعراق، وهذا بات واضحا حاليا، خاصة بعد انسحاب التيار الصدري والهدوء الأمريكي والتصالح مع السعودية، فكل هذه العوامل أدت إلى أن تكون هذه الفترة هي الذهبية لإيران، وفيها تسعى لتثبيت نفوذها بشكل كبير”.
وكان عامر عبدالجبار، وزير النقل العراقي الأسبق (2008- 2010)، من أوائل الشخصيات التي رفضت مشروع ربط العراق بإيران عبر خط سكك حديد.
وكشف في العام 2018، أن الربط السككي مع الكويت وإيران سيلحق الضرر بالموانئ العراقية من خلال حرمانها من أجور وعوائد السفن والوكالات والخدمات البحرية، لكنه رآها ورقة رابحة بيد المفاوض العراقي إذا أحسن استخدامها، وذلك عبر التفاوض مع إيران على منحها الربط السككي، على أن تعيد منطقة شط العرب للعراق كما كان الحال قبل اتفاقية 1975، وفتح منافذ المياه التي أغلقتها، وكذلك مع الكويت لإعادة النظر في قضايا ترسيم الحدود.