حرية – (11/4/2023)
حالة من التوتر المتصاعد تسيطر على مجريات العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، بعد التحالف المميّز الذي جمع بينهما لعقود. من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الرياض وفشله في إقناع القيادة السعودية بزيادة الإنتاج النفطي لتعويض النقص العالمي جرّاء العقوبات على روسيا، وصولاً إلى قرار أوبك + تخفيض كميات الإنتاج مليون برميل يومياً، بعكس الرغبة الأميركية، فإن العلاقة تمرّ في أسوأ مراحلها، والرياض توجّه الضربة تلو الأخرى إلى واشنطن، بحسب تقرير لجريدة “النهار” اللبنانية.
وأضاف التقرير (11 نيسان 2023): إلّا أن تردي العلاقة ليس مرتبطاً بالحدثَين المذكورين سلفاً فحسب، بل إنّ ذلك المسار كان قد بدأ منذ العام 2019، وتحديداً منذ هجمات الحوثيين على منشآت “أرامكو” في ذلك العام، والأضرار الجمّة التي تسبّبت بها، وكان لها أثرها على الإنتاج النفطي آنذاك. في ذلك الحين، سقط شعار أميركا الذي كانت من خلاله تبرّر وجودها العسكري في الخليج، وتجبي منه مليارات الدولارات، وهو ضمان أمنه في وجه إيران وجماعاتها، خصوصاً مع تكرار هجمات الحوثيين على السعودية والإمارات.
قيادة سعودية جديدة ذات سياسة مختلفة
وفي سياق متصل، كان لقيادة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أيضاً تأثيراتها على مجريات العلاقة بين واشنطن والرياض. سياسات ابن سلمان تختلف عن أسلافه، وهو لا يرى في السعودية شريكاً للولايات المتحدة فحسب، ولا يرى أن الرياض تحتاج إلى واشنطن، بل على العكس، يعتبر أن السعودية قوّة إقليمية قادرة على وضع سياساتها الخاصة، وهي حاجة للشرق والغرب وليس العكس، وما من شيء مجّاني لتمنحه السعودية لأي دولة. وهذه الرؤية تندرج في مشروع “السعودية 2030”.
زيارة بايدن إلى السعودية في تمّوز العام 2022 حملت من الإشارات ما يكفي للدلالة على مدى تردّي العلاقات بين الطرفين. لم يُرسل بايدن موفداً عنه ليتوسّط لدى السعوديين لرفع الإنتاج النفطي، بل خصّص زيارةً إلى الرياض ليطلب هذه الزيادة، فاصطدم برفض سعودي وخيبة، وبدا للأميركيين وكأن السعودية تقف في صف روسيا بوجه الغرب، خصوصاً وأن قرار عدم زيادة الإنتاج حينها كان ولا يزال يصب في مصلحة موسكو، ويُضاف إلى هذا الواقع محاولات الرياض التوسّط بين كييف وموسكو، في خطوة غير منسّقة مع البيت الأبيض.
أما المستجد الذي كان من شأنه أن ينقل تراجع العلاقات بين الطرفين إلى مستوى آخر كلياً، كان التقارب السعودي الصيني الحاصل، والذي نتج عنه التقارب السعودي مع إيران. زار الرئيس الصيني شي جينبينغ الرياض في كانون الأول الماضي، وبعكس لقاءات بايدن، كانت الزيارة مثمرة وتكلّلت بعقد اتفاقيات بقيمة مئات المليارات، وبعدها بأشهر قليلة، حصل الاتفاق السعودي الإيراني، بالرعاية الصينية.
هذا التقارب السعودي الصيني يُغضب الأميركيين لأسباب عدّة، يُمكن تلخيصها بثلاث نقاط أساسية. أولاً، إن هذا التقارب أقحم الصين سياسياً في منطقة الشرق الأوسط المحسوبة على الولايات المتحدة تاريخياً. ثانياً، إن لهذا التقارب أبعاداً اقتصادية واستثمارات مالية ضخمة، ما يعني نمواً اقتصادياً لدول بعيداً عن الولايات المتحدة. ثالثاً، إن التقارب السعودي الإيراني والهدوء العسكري المفترض في الخليج والمنطقة، بضمانة صينية، سيُحيل دور واشنطن الأمني إلى التقاعد، وبذلك تكون الولايات المتحدة خسرت أوراقاً سياسية، اقتصادية وأمنية.
“انتهاء عصر أميركا في المنطقة”؟
إلّا أن الكاتب ديفيد إغناتيوس ذهب أبعد من ذلك في تحليله الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، معتبراً أن “عصر الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط قد انتهى”، وقرار السعودية بخفض إنتاج النفط ورفع الأسعار، حمل رسالة بسيطة: “إن الولايات المتحدة لا تتحكم في الخليج الفارسي أو سوق النفط بعد الآن”، وبرأي الكاتب، فإن القرار السعودي كان بمثابة “لكمة في عين” أميركا.
ويتطرّق الكاتب إلى العلاقة المميّزة التي جمعت ابن سلمان بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ويعتقد أن الرئيس الصيني شي جين بينغ هو البديل عن ترامب، فهو “الرجل الكبير الذي يشجّع طموحات القائد السعودي كقوة إقليمية”. ويذكّر الكاتب بزيارة شي جين بينغ المملكة العربية السعودية في كانون الأول الماضي، حينما نظّم بن سلمان قمة خليجية حضرتها دول أخرى للتعهّد بالتعاون في القضايا الاقتصادية والطاقة والأمن.
ووفق المقال نفسه، فإن ابن سلمان أبلغ قادة سعوديين أن الولايات المتحدة لا تزال شريكاً للرياض، ولكن ليس شريكها الوحيد. وينقل كاتب المقال عن مصادر قول ابن سلمان “في حين كان أسلافي سيُلبّون فوراً طلبات الولايات المتحدة، فأنا قطعت ذلك لأنني أريد أشياءً مقابل تلبية الطلبات”. كما يلفت إلى أضرار خفض الإنتاج النفطي وانعكاساته على الولايات المتحدة التي تعاني من نسب تضخم مرتفعة.
إلى ذلك، يتطرّق الكاتب في مقاله أيضاً إلى وجهة النظر الإسرائيلية من سياسات ابن سلمان، إذ وفي حين تسعى إسرائيل لتطبيع العلاقات مع السعوديين، قام ولي العهد السعودي بالتوصّل إلى اتفاق مع إيران، “عدو إسرائيل اللدود”، برعاية الصين، “أقوى منافس للولايات المتحدة”.
“أزمة ثقة”
في الإطار، يرى محلّلون أن أزمة السعودية والولايات المتحدة أعمق من مجرّد إجراءات نفطية، بل إنها “أزمة ثقة”، وبحسب مقال آخر نشرته “واشنطن بوست”، فإن مسؤولين سعوديين يشتكون من أن الولايات المتحدة أصبحت “حامياً غير موثوق به”، ويشيرون إلى الفشل في أفغانستان، والتراجع عن دعم حسني مبارك قبل عقد من الزمن، ويعتبرون أن واشنطن “لم تفعل ما يكفي لاحتواء توسع نفوذ إيران” في المنطقة.
وعلى صعيد الأزمة النفطية، يلفت المقال إلى أن مشرّعين أميركيين دعوا إلى إحياء ما يُسمّى بـ”NOPEC”، وهو مشروع قانون يواجه “OPEC”، ذات إسم يرمز إلى رفض ممارسات كارتيلات منتجي ومصدري النفط، والهدف منه محاكمة الدول التي تنضوي تحت لواء التحالف النفطي “أوبك”، من خلال منح وزارة العدل الأميركية سلطة رفع دعاوى، في حين دعا مشرّعون آخرون لوقف إمدادات السلاح إلى السعودية. كل هذه الإجراءات هدفها محاسبة السعودية.
ويعود المقال إلى تاريخ العلاقة الذي شهد صعوداً وهبوطاً. ففي عام 1973، قادت السعودية مقاطعة نفطية عربية ضد الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي دعمت إسرائيل في حربها مع العرب في ذلك العام، ما ساهم في حدوث ركود اقتصادي في الغرب. وتوترت العلاقات مجدداً في عام 2001 علي خلفية هجمات 11 أيلول.
في المحصّلة، فإن العلاقة بين الطرفين ليست في أحسن أحوالها، لا بل على العكس، فإنها تشهد تردياً متسارع النمط، إلّا أن الرياض وواشنطن تعيا مدى أهمية الحفاظ على التوازن، ومن الواضح أن السعودية لا تسعى من خلال ممارساتها لأن تكون جزءاً من محور ضد آخر، بل تحاول حفظ موقعها كقوّة إقليمية دولية تتمتّع بعلاقات مع الجميع، على قاعدة مصالح السعودية العليا.