حرية – (12/4/2023)
يبدو النظام المصري على أعتاب أزمة جديدة مع الإدارة الأميركية، إذا صدقت تسريبات نشرتها صحيفة واشنطن بوست أشارت فيها إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي أمر الصناعات الحربية بإنتاج صواريخ في السر لصالح روسيا، لكن من غير المعروف ما إذا كان الأمر قد دخل نطاق التنفيذ أم لا.
ونشرت وسائل إعلام مصرية نفيا صريحا الثلاثاء، على لسان مصدر أمني مسؤول، اعتبر أن هذا الحديث “عبث، وليس له أساس من الصحة”، مشددا على أن مصر تتبع سياسة “متزنة مع جميع الأطراف الدولية وأن محددات هذه السياسة (هي) السلام والاستقرار والتنمية”.
كما نفى المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الثلاثاء التقارير الإعلامية الغربية التي أفادت بأن مصر تواطأت مع موسكو لتزويد روسيا سرا بالصواريخ.
ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عنه قوله للصحافيين “يبدو أن هذه أحدث كذبة، وهذا أمر نتعامل معه كثيرا في الآونة الأخيرة. هذه هي الطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع مثل هذه التقارير”.
وأوضح رئيس جهاز الاستطلاع بالجيش المصري سابقا اللواء نصر سالم لـ”العرب” أن “مصر ليست ساذجة كي تقوم بتزويد روسيا بصواريخ بالتزامن مع حربها ضد أوكرانيا، وليس في عقيدة جيشها أن يمارس هذه اللعبة، أو يقف مع طرف على حساب آخر، لاسيما إذا كان الطرفان المتنازعان تربطهما بالقاهرة علاقة طيبة وقوية”.
وأضاف سالم، وهو أيضا أستاذ للعلوم الإستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية التابعة للجيش، أن هذه الوثائق غير دقيقة، مع أن القدرات العسكرية لمصر قوية على مستوى الإنتاج والتصنيع، لكن الدولة غير مستعدة لتقوم بتصدير أسلحة يمكن استخدامها في ضرب دولة أخرى، ما يضعها تحت طائلة عقوبات دولية ومضايقة في استيراد الأسلحة والحصول على مساعدات عسكرية متباينة من الغرب.
وتوقع أن تؤثر هذه المزاعم على التعاون العسكري بين مصر والولايات المتحدة، إذا صدّقت واشنطن ما أسماه بـ”الأكاذيب” الصحفية، مشيرا إلى أن بلاده من الصعب أن تخسر روسيا أو أوكرانيا، أو تتأثر علاقات القاهرة بهما بسبب هذه الادعاءات.
وتابع اللواء نصر سالم “مصر لا تنحاز إلى طرف على حساب آخر، ولا تضع نفسها تحت رحمة أحد، لا الولايات المتحدة ولا روسيا، وتتمسك بالتوازن بينهما على الرغم من أنها تبدو متناغمة بشكل أكبر مع موسكو، ولن تخرج التسريبات عن كونها بالون اختبار أو محاولة لغلق الباب مبكرا أمام مصر لتقديم أي دعم لروسيا في المستقبل”.
وتعد مصر أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وتحصل على مساعدات عسكرية واقتصادية سنوية منذ نحو خمسة وأربعين عاما، وترتبط معها بعلاقات أمنية وثيقة في مجال مكافحة الإرهاب، وتعاونها بهذه الطريقة مع روسيا التي تحشد واشنطن عسكريا ضدها يضع علاقة الشراكة الأميركية معها على المحك.
وقال مسؤول أميركي تحدث لصحيفة واشنطن بوست “لسنا على علم بأي تنفيذ لتلك الخطة ولم نر ذلك يحدث”، وهي إشارة تصب في صالح القاهرة، والتي تملك مصانع حربية متعددة وتنتج أسلحة تخدم الجيش المصري.
ودرجت الحكومة المصرية على التشكيك في تقارير تنشرها وسائل إعلام أميركية، خاصة بشأن حقوق الإنسان والحريات العامة والإصلاح السياسي، وتتهمها بالمبالغة في تضخيمها وتجاهل خصوصية الحالة المصرية في معالجة هذه الملفات.
وأعادت وسائل إعلام مصرية نشر أخبار عن لقاء عقد في 24 مايو 2020 وجمع رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان مع مدير مكتب صحيفة واشنطن بوست بالقاهرة سوداسان راجافان في مقر الهيئة، وأطلعه الأول على ما تعتبره القاهرة “تجاوزات مهنية تتصف بها تقارير الصحيفة عن مصر”.
وتؤكد مصر منذ بدء الحرب الروسية – الأوكرانية في فبراير 2022 على أنها تقف على مسافة واحدة بين طرفي النزاع وتسعى لإقامة حوار بينهما ووساطة لإنهاء الحرب وتداعياتها، والتي كانت مصر من أكثر الدول تضررا منها اقتصاديا.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد أبوزيد في تصريح لـواشنطن بوست إن موقف بلاده يقوم على عدم التدخل في هذه الأزمة والالتزام بالمحافظة على مسافة متساوية بينها وبين الطرفين، مع التأكيد على دعم مصر لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
وكشفت الصحيفة، نقلا عن وثائق وزارة الدفاع الأميركية ( البنتاغون) التي جرى تسريبها مؤخرا ووصلت إلى بعض وسائل الإعلام، أن الرئيس السيسي “أمر سرا بإنتاج وتسليم 40 ألف صاروخ إلى روسيا، في إطار حربها في أوكرانيا”.
وتعود الوثيقة إلى 17 فبراير الماضي وتشير إلى محادثات أجراها الرئيس السيسي مع كبار المسؤولين في الجيش المصري، أمرهم فيها بالحفاظ على سرية الإنتاج والتصدير “لتجنب المشاكل مع الغرب”.
ونقلت الوثيقة عن مسؤول عسكري مصري أنه “سيأمر موظفيه بالعمل بنظام الورديات إذا لزم الأمر لأنه كان أقل ما يمكن لمصر أن تفعله لسداد روسيا مقابل مساعدة غير محددة في وقت سابق”.
ولم توضح الوثيقة ماهية المساعدة الروسية السابقة لمصر، لكن مصادر أخرى تحدثت لـ”العرب” عن مرونة موسكو في تسهيل وصول الحبوب، والقمح بشكل خاص، إلى مصر، وزيادة وتيرة التعاون على أصعدة مختلفة، من بينها مفاعل الضبعة.
وتجاهلت الوثيقة الإجابة على سؤال كيف علمت الولايات المتحدة تفاصيل المداولات المصرية حول صفقة الصواريخ مع روسيا؟ لكن الصحيفة لفتت إلى أن بعض المعلومات الواردة في الوثائق التي تم تسريبها تأتي من “استخبارات الإشارات”، وتعتمد على وسائل تقنية مثل اعتراض الاتصالات.
وعلقت واشنطن بوست على الوثيقة المسربة بالقول “إن توفير الأسلحة لروسيا في حربها على أوكرانيا يمثل مناورة غير محسوبة لمصر، وهي دولة لها علاقات تاريخية وطيدة مع الولايات المتحدة وهناك أوجه مختلفة للتعاون والتنسيق بينهما”.
وقال السيناتور الديمقراطي كريس مورفي “مصر هي أحد أقدم حلفائنا في الشرق الأوسط. إذا كان صحيحًا أن السيسي يبني سرًا صواريخ لروسيا يمكن استخدامها في أوكرانيا فنحن بحاجة إلى حساب جاد بشأن حالة علاقتنا”.
ولفتت سارة مارغون، مديرة السياسة الخارجية الأميركية في مؤسسات المجتمع المفتوح ومرشحة إدارة بايدن لمرة واحدة لمنصب حقوق الإنسان الأعلى في وزارة الخارجية، إلى أن “بيع وتسليم الصواريخ إلى موسكو يتجاوزان الحدود، خاصة بالنسبة إلى حليف مقرب مثل مصر للولايات المتحدة”.
وما تم الكشف عنه في الوثيقة (إذا تم التثبت من صحته) يثير تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين واشنطن والقاهرة في الفترة المقبلة، في ظل الضغوط الداخلية التي تتعرض لها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والانتقادات التي وجهت إليها على صعيد السياسة الخارجية ومكانة واشنطن على الخارطة العالمية وسوء تقديراتها العسكرية.