حرية – (16/4/2023)
رامي الشاعر
صدر فجر اليوم السبت 15 أبريل بيان من وزارة الخارجية السعودية في ختام الاجتماع التشاوري لدول مجلس التعاون الخليجي والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية وجمهورية العراق.
تضمن البيان ملامح أساسية لخارطة طريق نأمل أن تفضي إلى تسوية للأزمة السورية، فقد أكد البيان على أن “الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية”، وشدد على أهمية أن يكون هناك “دور قيادي عربي” في الجهود الرامية لتسوية الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لتفعيل هذا الدور، وتكثيف المشاورات بين الدول العربية بما يمكن أن يؤدي إلى أن تكلل هذه الجهود بالنجاح.
لا شك أن تلك الملامح الأساسية ضرورية وهامة وجيدة ومثمرة، لا سيما أن صدور هذا البيان فجراً يعني أن النقاشات امتدت بالسادة المسؤولين من الدول المذكورة إلى ساعات مبكرة من صباح اليوم، وهو أمر مفهوم ومنطقي. فمثل تلك القضايا المعقدة، والتي تتشابك فيها مصالح أطراف عدة، أصبح من الصعب حلها في جولة واحدة أو جولتين من المفاوضات، فما تعقد على مدار العقد الأخير لن تكفي أسابيع وشهور لحلحلته. لكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وقد خطا أصحاب الشأن تلك الخطوة، وهذا أمر محمود.
إلا أنني كنت أود عندما تعرض السادة المسؤولين لضرورة الدور القيادي العربي في الجهود الرامية لحل الأزمة السورية أن يتطرقوا لجهود مجموعة أستانا في التهدئة الحالية التي تسود على جميع الأراضي السورية، والبناء على تلك الجهود، واستكمالها، نظراً لارتباطها بالأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم 2254، ومخرجات مؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري، ومؤتمري دمشق الدوليين بخصوص قضايا اللاجئين واجتماعات اللجنة الدستورية المصغرة، وكذلك ما تقوم به وزارة الخارجية الروسية في الوقت الحالي من تنسيق لاجتماع وزراء خارجية روسيا وسوريا وإيران وتركيا، وبعدها لقاء القمة بين رؤساء هذه الدول.
بل إني كنت أتمنى أن يخرج عن اللقاء في الرياض إعلان رغبة للمجتمعين في انضمام المملكة العربية السعودية أيضاً للقاء وزراء الخارجية الرباعي في موسكو، ليصبح لقاءً خماسياً، وهي خطوة لا شك ستكون شديدة الأهمية للبدء فيما أطلق عليه البيان “الدور القيادي العربي” في حل الأزمة السورية، لا سيما وأن الرياض لها ثقل سياسي إقليمي ودولي يزداد وضوحاً وتميّزاً، في ظل السياسة الرشيدة التي يتبعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
في الوقت نفسه، لا شك أن الوضع الراهن صعب ومعقد جداً، وقد أعلن عن ذلك وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، برفض بلاده أي شروط لبدء المفاوضات، في الوقت الذي نرى فيه محاولات وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أثناء جميع زياراته ولقاءاته الأخيرة التأكيد على أن “المدخل لإعادة التواصل بين الجانبين” السوري والتركي هو “إعلان تركيا رسمياً، وبشكل لا لبس فيه، أنها ستسحب قواتها من الأراضي السورية كافة، وستبدأ فعلياً بالانسحاب”، ليعود تشاووش أوغلو ليؤكد من جديد، منذ أيام، على أن “الاتصالات مع سوريا ممكنة في المستقبل، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن القيام به. ونحن لن نقبل بأي شروط مسبقة، ولن نقبل بشرط انسحاب قواتنا من أراضي سوريا من أجل التفاوض، إذا أننا سنغادر لتبدأ التهديدات ضدنا من جديد”.
إن الحديث يدور هنا عن مصير ما لا يقل عن 7 ملايين مواطن سوري غالبيتهم من المعارضة السورية، والوضع في مناطق شمال شرقي سوريا شديد الصعوبة لتداخل القضايا الأمنية التركية وقضية السيادة الوطنية السورية ووحدة الأراضي، وكذلك مصالح ومطالب العديد من الأطراف بما في ذلك الأكراد، الذين دافعوا عن أراضيهم، التي هي بالقطع أراضٍ سورية، ضد “داعش” ومن تحالف معها من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وضحوا في سبيل ذلك بخيرة أبنائهم، وبالتالي فإن “الدور القيادي العربي” سوف تبرز أهميته تحديداً في تفكيك خيوط هذه الأزمة، ربما من خلال قوات حفظ سلام عربية، أو أي خطوات أخرى من شأنها تسوية الكثير من القضايا بين السوريين، بما في ذلك، قضية المفقودين التي تم ذكرها في البيان.
ربما يحتاج الاجتماع التشاوري لدول الخليج والأردن ومصر والعراق للقاءات متعددة وموسّعة من أجل التوصل لتوافق بشأن دعوة نظام الأسد لحضور مؤتمر القمة للجامعة العربية، إلا أن جهود السعودية والدعوة لهذا الاجتماع لم تكن تنصب على تلك القضية بشكل رئيسي، وإنما تسعى لإيجاد حل لعودة سوريا مع الوضع في الاعتبار أن التمثيل السوري يجب أن يشمل جميع أطياف السوريين، وعلى سلطات دمشق، التي تمثل السلطة الشرعية في سوريا أن تجد الصيغة الملائمة لفتح المجال أمام جميع السوريين للمشاركة في السلطة، حتى تعود سوريا لموقعها الاعتيادي في جامعة الدول العربية، وهو ما تسعى إليه جميع الدول العربية التي استقبلت وزير الخارجية السوري بكل حفاوة.
لكن، وما أن انتهى الاجتماع، سمعت أحد ممثلي المعارضة البارزين، والذين لا أشك في وطنيته قيد أنملة، وقد أصدر حكما بفشل الاجتماع، ولهذا أود توضيح أنه ليس من مصلحة أي سوري أن تفشل أي جهود ترمي لتسوية الأزمة السورية أيا كانت وأيا كان توجهها، فالهدف في نهاية المطاف لا يتعلق بتقاسم السلطة، قدر تعلقه بمصير الدولة السورية، التي يحاول الجميع إنقاذها، ولم شملها، والحفاظ على وحدة أراضيها وسيادتها على تلك الأراضي كافة. والهدف يتعلق برفع المعاناة عن الشعب السوري الأبي الذي تتفاقم معاناته جراء الصراع السياسي والعسكري تارة، ومن الكوارث الطبيعية تارة أخرى.
لهذا أتمنى من جميع السوريين عدم التسرّع في الحكم على نتائج الاجتماع وتقييم نجاحه أو فشله، لأن فشل تلك الجهود لن يفيد أحداً، ويجب أن يستوعب الجميع أن جهود مجموعة أستانا والجهود الراهنة للدول العربية كلها موجهة نحو حل عادل يضمن تسوية الأزمة السورية، وهو الحل الذي لا يمكن التوصل إليه دون مراعاة رغبات جميع السوريين، وهو الشكل الوحيد الذي يمكن من خلاله تعزيز السيادة السورية ووحدة الأراضي، واستدامة الاستقرار الذي يضمن بدء عملية إعادة الإعمار.
مرة أخرى، وحتى لو ظن بعض المعارضين بأن الاجتماع لم ينجح في حسم قرار عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية، إلا أنه وبالتأكيد تم التشاور وتبادل وجهات النظر حول الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية لينهي كافة تداعياتها، فيما اتفق الوزراء على أهمية حل الأزمة الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق السورية.
ختاماً، لن يقبل أحد أن تنتهي الأزمة السورية بانتصار جزء من الشعب السوري على جزء آخر، وهذا موقف روسيا وموقف مجموعة أستانا وموقف السعودية وجميع الدول العربية والمجتمع الدولي ممثلا بهيئة الأمم المتحدة مجتمعين، فالحل الوحيد تماماً كما نص البيان هو “الحل السياسي”، وسوف يكون الدور القيادي العربي والتشاور بين الدول العربية هو المسار المؤكد لإمكانية الحل.
ولا يسعني في نهاية هذا المقال إلا أن أتوجه بالشكر العميق للسادة الوزراء في تأكيدهم على ضرورة احترام الوضع التاريخي والقانوني القائم في الأماكن المقدسة، وتأكيدهم كذلك على أن الحرم القدسي الشريف هو مكان عبادة خاص بالمسلمين، وأن إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى الأردنية هي الجهة المخولة صاحبة الاختصاص الحصري بإدارة شؤون المسجد وتنظيم الدخول إليه في إطار الوصاية الهاشمية التاريخية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس إلى أن يتم إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فيما يأتي ذلك بالتزامن مع “يوم القدس” الذي يحل في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان.