حرية – (20/4/2023)
رامي الشاعر
استقبل الرئيس السوري بشار الأسد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله يوم الثلاثاء.
وتم خلال اجتماعهما مناقشة الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية بما يحافظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها وهويتها العربية وسلامة أراضيها، بما يحقق الخير لشعبها، كما بحث الجانبان الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية شاملة للأزمة تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي.
وهذا ما أعدّه فرصة ذهبية لسوريا لبدء الخروج من الأزمة، سيتبعها خلال الأيام الأولى من مايو اجتماع وزراء خارجية روسيا وسوريا وإيران وتركيا في موسكو، فيما أصبح كل شيء معدّاً لمثل هذا الاجتماع المرتقب، ولم تبق هناك سوى مبادرة دمشق للتعافي من المأزق الراهن.
نعم، أقولها وبكل ثقة، إنها بحق “فرصة ذهبية”، ولا بد أن تنتهز القيادة السورية في دمشق هذه الفرصة، وقد ذكرت ذلك فيما سبق في عدة مقالات، أن المبادرة لا بد وأن تأتي من دمشق، وتحديداً من الرئيس السوري الشرعي بشار الأسد المعترف به وفقا لجميع القوانين الدولية، وهو من تقع عليه المسؤولية الرئيسية لإنقاذ الشعب السوري وسوريا والحفاظ على عودة سيادتها الكاملة على جميع أراضيها، والحفاظ على وحدتها.
لا أحد ينكر أن الوضع ليس سهلاً، ولكن، وفي ضوء الجهود والدور العربي، الذي يتعاضد ويكمّل ما تم إنجازه في صيغة أستانا (روسيا وإيران وتركيا)، وكذلك الجهود المبذولة للإعداد للقاء الرباعي لوزراء الخارجية (روسيا وسوريا وإيران وتركيا)، لم يعد مقبولاً أن يعتبر التجاوب “انهزامية” أو “رضوخ” أو “تراجع” عن مواقف أو سياسات استمرت على مدار عقد أو يزيد، بل هي شجاعة وإقدام وإعلاء للمصلحة العامة، وقبلها وفوقها مصلحة الشعب السوري الأبي، ورفع المعاناة عنه، وتيسير أمور حياته ومعاشه.
ربما تكون هناك مواقف تختلف فيها الأطراف في تقييمها، وهو ما ظهر بشكل واضح خلال اجتماع وزراء الخارجية في المملكة العربية السعودية قبل ثلاثة أيام، إلا أن الأهم هو المبادرة التي قامت بها تركيا، الدولة الإقليمية الكبرى، والتي تربطها مع سوريا حدود تبلغ أكثر من 900 كيلومترا، للتخلي عن الماضي وفتح صفحة جديدة لمساعدة سوريا في تجاوز أزمتها، ومساعدة السوريين بجميع مكوناتهم وأطيافهم السياسية للعودة بهدوء ومراجعة ما حلّ ببلادهم وشعبهم والتخلي عن أوهام “الانتصار” و”فرض الإرادة”.
إن المطلوب الآن وفوراً هو خطوات عملية من قبل الرئيس بشار الأسد كي يتجاوب مع رغبة تركيا ومجموعة أستانا والدول العربية بالدعوة لبدء حوار سوري سوري، لمعالجة التداعيات التي حلّت بسوريا خلال العشر سنوات الأخيرة، وتفهّم أن ما يتم السعي إليه من قبل الأمم المتحدة وشتى القرارات التي اتخذت لمساعدة سوريا، بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2254، تعترف بنظام دمشق طرفاً أساسياً لحل الأزمة السورية، مسؤولاً عن قيادة مرحلة انتقالية يشارك فيها جميع السوريين، وتسمح بالتعددية السياسية، ومنح سلطة الاختيار للشعب السوري كاملاً غير منقوص. وأنا على ثقة تامة من أن الرئيس بشار الأسد سيتخذ هذه الخطوة الجريئة، لتعود سوريا فوراً إلى الحضن العربي، ويتم تسوية العلاقات التركية السورية، لا سيما بعد التوصل إلى تسوية للعلاقات بين السعودية وإيران، ويتم فوراً اتخاذ قرارات تجاوز الحصار وقانون “قيصر” المشؤوم الذي يستهدف الشعب السوري بأسره، وستخرج القوات الأمريكية من الأراضي السورية مكللة بالهزيمة كما خرجت من أفغانستان، لتنتصر الوحدة والسيادة السورية على كل التراب السوري، بعد أن يتم الاتفاق بين دمشق وأنقرة على تسلم الجيش العربي السوري مهامه في حماية الحدود السورية كاملة، وكذلك ضمان الأمن القومي السوري ومراعاة مخاوف الجانب التركي.
وعلى الرغم من صعوبة الوضع في شمال شرقي سوريا على وجه التحديد، إلا أن الإدارة الذاتية الكردية قد أصدرت يوم أمس مبادرة جيدة، أعتقد أنه من الممكن أن تكون مدخلاً للنقاش، وأرى من الضروري أن توضح القيادات الكردية بما لا يدع مجالاً للبس أو للشك أو حتى للتفكير في أنهم يعتمدون على دعم الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق طموحاتهم، أو أن لهم أي نوايا انفصالية أو كونفدرالية، وأن يركّزوا بشكل أساسي على الحوار مع السلطة المركزية في دمشق لحل جميع مشكلاتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية في إطار الدولة السورية، وهو ما سيصب أيضاً في تسوية العلاقات السورية التركية بلا شك.
إنها شمس الحل تشرق بعد ليل الصراع الدامي الطويل، وأتمنى أن تستفيد الدول العربية من التجربة السورية، وتتخذ خطوات فورية للتهدئة العامة ووقف الاقتتال بين الأشقاء السودانيين ووقف إطلاق النار على كامل الأراضي السودانية، بنفس الآلية التي قامت بها مجموعة أستانا بفرض نظام التهدئة على كامل الأراضي السورية، والشروع فوراً في العمل على دور عربي مراقب لنظام وقف إطلاق النار، وصياغة قرار عربي يهدف لبدء الحوار بين الأطراف المتنازعة للتوصل إلى حلول وسط ترضي الأطراف المتصارعة.
وأعتقد أن سوريا وتجربتها ستكون بمثابة نموذجاً حياً لما يمكن أن يصيب البلاد والعباد حينما تتمسك جميع الأطراف بما تراه من تصوّرات سياسية عن مستقبل البلاد، بصرف النظر عن “تمسّح” أي من الأطراف بالإرادة الشعبية، التي يمكن التوصل إليها دائماً من خلال انتخابات شفافة ونزيهة تعلي إرادة الشعب، وتنقل بصدق تلك الإرادة الشعبية من الشارع إلى البرلمانات وأروقة السلطة.
وبعد تجربة مجموعة أستانا في سوريا أرى بضرورة إنشاء مجموعة عربية ولتكن “مجموعة القاهرة” أو “مجموعة الرياض” أو “مجموعة الدوحة”، ليبدأ فوراً الدور العربي المكوّن من عدة بلدان لحلحلة المسائل المعقدة والمتشابكة، ولنا نحن العرب تجربة عريقة من خلال ما مرت وتمرّ به سوريا واليمن وليبيا والعراق للاستفادة من هذه التجارب ومساعدة السودان في تجاوز أزمته التي تنذر بعواقب وخيمة.
إن أمن منطقتنا العربية، وأمن الشرق الأوسط لن يتحقق من خلال أطراف خارجية، والتي ربما تساعد، لكنها لن تضمن الأمن على المدى الطويل، ولن تنفعنا أي قواعد عسكرية أمريكية، أو صداقة إسرائيلية، وإنما هو أمننا الداخلي وشأننا العربي الشرق أوسطي، ومنطقتنا، مهد الحضارات والديانات، هي الأغنى والأعرق، وبها من الموارد ما يؤهلها لتكون أغنى منطقة في العالم بأسره، لدى منطقتنا كل ما تحتاجه من الطاقة والماء والإنسان. ولا أرى أي عائق لرفاهية ورخاء الإنسان في منطقتنا سوى نزاعات زرعها الغرب زرعاً، تماماً كما زرع بيننا الكيان الصهيوني، الذي يأبى إلا أن يكون جرثومة ضارة بين الأخوة، لا عاملا مساعدا على التنمية والرخاء للمنطقة كلها.
نحن أمام فرصة ذهبية أمام سوريا الحبيبة ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها آمل أن ينتهزها الجميع.