حرية – (30/4/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
يمثل التسول ظاهرة منتشرة في العراق رغم الحملات التي تطلقها وزارة الداخلية والوزارات والجهات المعنية الاخرى في سبيل معالجتها والحد منها.
ويرجع مختصون استمرار هذه الظاهرة إلى عدة أسباب أبرزها الفقر الذي لم ترتفع نسبته عن 20 بالمائة منذ أكثر من 10 سنوات، على الرغم من الخطط والمبادرات التي تُطلق إلا أنها لم تعالج جذور المشكلة، وبالتالي هي باقية.
وتعد القضية الأخطر في التسول دخوله ضمن جرائم الاتجار بالبشر، حيث هناك عصابات تتاجر بالمتسولين، ومجاميع تمتهن التسول، لذا فهو متداخل مع جرائم أخرى تستهدف الفرد العراقي، وخاصة في المناطق الفقيرة التي تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية، بحسب المختصين.
مكافحة التسول
أطلقت وزارة الداخلية بالتعاون مع مجلس القضاء الاعلى والجهات القطاعية الساندة الاخرى مؤخراً حملة لمكافحة التسول في بغداد والمحافظات، إلا أن مكافحة التسول لا تتوقف عند هذه الحملة، وفق الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا.
ويضيف “بل يتعلق بالعديد من الجهات القطاعية منها وزارة العمل لتأمين الحماية الاجتماعية للمتسولين خاصة الذين يكونون في حاجة ماسة للمبالغ المالية من العاجزين والعاطلين عن العمل لتلبية احتياجاتهم اليومية”.
ويشير المحنا إلى أن “هناك من يتخذ من التسول مهنة، وتم تنفيذ عمليات لمكافحة عصابات الاتجار بالبشر وألقي القبض على ست مجموعات كبيرة في بغداد، وأحيلوا إلى المحاكم المختصة”.
وبينما يؤكد استمرار عمليات مكافحة تلك العصابات، أوضح أن “هناك متسولين اجانب، وهؤلاء مصيرهم بعد الإمساك بهم التسفير إلى خارج البلاد، وبالتالي تنتهي قضيته على عكس المتسول المحلي الذي قد يخرج بعد انقضاء فترة احتجازه ويعود مجددا إلى التسول”.
وبحسب احصائيات موثوقة، فإن نسبة الفقر في العراق العام الماضي 2022 تجاوزت 25%، وهي الأعلى منذ عام 2003، وبالتالي فإنّ أمام الحكومة تحد لمساعدة نحو 10 ملايين مواطن عراقي تحت خطّ الفقر.
من الواقع
تحدثت فتاة (12 عاماً) تمتهن التسول في محافظة كربلاء، يتيمة الأب وتركتها والدتها، تقول “اضطررت إلى البقاء مع زوجة أبي الثانية التي اهتمت برعايتي في أول الأيام، إلا أنها بعد فترة طلبت مني الخروج للتسول لكسب لقمة العيش، فقد كانت ربة بيت وليس لها معيل”.
وتوضح الفتاة التي رفضت الكشف عن هويتها أنها كانت تسكن في احدى المحافظات الجنوبية وجاءت إلى كربلاء بسبب الزخم السكاني فيها والزائرين الذين يأتون من مختلف المناطق.
وتكسب الفتاة من التسول ما بين 15 ألفاً الى 30 ألف دينار بمعدل يومي، وفي موسم الزيارات يصل إلى 100 ألف دينار، لافتة إلى أن هذه المبالغ “تأخذها زوجة أبي وتصرف جزءً منها عليّ”.
ويعد التسول في كربلاء ظاهرة سلبية يعاني منها اهالي المحافظة والسياح الذين يتوافدون إليها، في وقت تشير الإحصائيات إلى ان أكثر من 85 بالمائة ممن يمتهنون التسول ليسوا فقراء، وبعضهم من بلدان اسلامية وغير عربية، بحسب مدير المركز العراقي للدراسات والبحوث الإعلامية ماجد الخياط.
وعن أسباب قدوم بعض المتسولين من مناطق اخرى إلى كربلاء يوضح الخياط ان ذلك يأتي “بهدف عدم معرفتهم في هذه المحافظة، وكذلك لوجود السياح الاجانب”، مؤكدا أن “هؤلاء المتسولين معظمهم لديهم رواتب الحماية الاجتماعية إلا أنهم تعودوا على الكسب السهل للأموال من خلال التسول”.
وتقف الباحثة الاجتماعية رغد صبار على مسافة قريبة مما ذهب إليه ماجد الخياط حول امتهان التسول، وبينما تطالب الجهات المعنية بتشديد العقوبة لتشكل رادعاً للمتسولين، حددت أسباب التسول المنتشر إلى عاملين رئيسيين هما الوضع الاقتصادي والتفكك الأسري.
وتنبه خلال حديثها إلى أهمية “عدم إلقاء اللوم دائما على الحكومة، حيث هناك مافيا مستفيدة من المتسولين، كما ان بعضاً منهم اعتاد على جمع المال دون عمل”، داعية المتسولين إلى ضرورة إيجاد عمل يحفظ كرامتهم وفي الوقت ذاته يؤمّن قوت يومهم.
معالجة التسول
يدعو عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان السابق علي البياتي إلى ضرورة اتخاذ اجراءات حقيقية ترقى إلى خطورة المشكلة، والتي دائماً ما تلقى حلولاً وردود فعل جزئية من قبل مؤسسات الدولة، التي تقتصر على زج بعض المتسولين في مراكز احتجاز ومن ثم إطلاق سراحهم، دون البحث عن الاسباب التي دفعتهم إلى التسول والتواجد في ساحة الاتجار بالبشر، ومعالجة هذه الأسباب، فضلا عن توفير فرص حياة كريمة لهم من مأوى ومصدر عيش وحمايتهم من عصابات الاتجار بالبشر.
ويؤكد أن على مؤسسات الدولة ووزارات الداخلية والعمل والتخطيط والصحة وغيرها، إشراك منظمات المجتمع المدني والإعلام لمكافحة التسول، وتعزيز امكانيات اجهزة انفاذ القانون، وبدون تلك الإجراءات لا يمكن حل هذه المشكلة.
عقوبة التسول
يوضح الخبير القانوني علي التميمي عقوبة تجنيد الأطفال لأغراض التسول وقانون مكافحة الاتجار بالبشر بالقول “يعاقب قانون العقوبات العراقي في المواد 390 .391 .392 منه بالحبس البسيط والغرامات على التسول أو الإيداع في دور الدولة في حالة التكرار”، منوها إلى أنه عند التمعن في نص المواد أعلاه تجدها تجيز التسول لمن لا عمل له، هكذا يفهم النص، مؤكدا “لست مع العقوبات، لكن عند إيجاد البدائل يمكن إيقاع العقاب”.
ويضيف “عاقب قانون الاتجار بالبشر 28 لسنة 2018 بالحبس إلى الإعدام والغرامات من 5 إلى 10 ملايين دينار على الاتجار بالبشر”، وأجاب على تساؤل هل يمكن اعتبار تجنيد الصغار والاستجداء بهم كإتجار بالبشر؟، “اتفق مع ذلك لانه تجارة بأدوات صغيرة غير قابلة لاتخاذ القرار وهو قتل لمستقبلهم وهذه لو طبقت لأنهت مافيا التسول”.
ويشير إلى أن “قانون رعاية الأحداث العراقي 76 صدر عام 1983 وهو يحتاج إلى تعديل بهذا الجانب لمعالجة مشكلة الطفولة التي تحتضر في العراق”، لافتا إلى أن “تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر يحتاج الى جهد استخباري عالي وتعاون مجتمعي وتفعيل البلاغات، ويحتاج الى تعديل بهذا الجانب”.