حرية – (11/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
لعقود عدة بلغت ذروتها فترة الثمانينيات والتسعينيات، كانت شرائط الكاسيت تمثل قمة التكنولوجيا في عالم الموسيقى، وحققت نقلة كبيرة في نجاح وانتشار كثيرين من الفنانين بسهولة استخدامها وتوزيعها مما اعتبر وقتها نقلة نوعية في عالم صناعة الموسيقى، ويمكن القول إن قطاعات عريضة من البشر على مستوى العالم خلال هذه الفترة احتوت منازلها على جهاز الكاسيت وعلى مجموعات من الشرائط تنوع محتواها واختلف لتبدأ في السنوات الأخيرة من الألفية الثالثة في التواري شيئاً فشيئاً حتى صارت ركناً مهملاً في المنازل أو تم التخلص منها بالفعل مع بزوع نجم تكنولوجيات أخرى أكثر حداثة احتلت الصدارة في عالم صناعة الموسيقى.
بعض شرائط الكاسيت وصل توزيعها إلى أرقام غير مسبوقة، وبحسب التقديرات فإن ألبوم مايكل جاكسون Thriller الصادر عام 1982 يعد هو الأكثر توزيعاً في العالم حيث حققت مبيعاته ما يعادل أكثر من 100 مليون نسخة على مستوى العالم.
وبعد فترة من الركود عادت شرائط الكاسيت أخيراً للظهور في السنوات الأخيرة، فطبقاً لصحيفة “الغارديان” البريطانية، سجلت مبيعات الألبومات في عام 2018 زيادة تصل إلى 125 في المئة عن عام 2017 حيث تم بيع نحو 50 ألف ألبوم بحسب بيان صادر عن هيئة صناعة الصوتيات البريطانية.
بداية شريط الكاسيت
يعود اختراع شريط الكاسيت إلى المهندس الهولندي لو أوتنيس الذي ولد في عام 1926 والذي بدأ علاقته بهذا المجال عندما قام باختراع راديو صغير خلال فترة الحرب العالمية الثانية ليتمكن من الاستماع إلى البث الإذاعي، وفي حقبة الستينيات أعلن أوتنيس عن اختراع شريط الكاسيت الذي عد وقتها نقلة تكنولوجية كبيرة وشكلاً جديداً أحدث تأثيراً كبيراً في عالم صناعة الموسيقى وأنتجته وقتها شركة “فيليبس”.
وفي عام 2016 تم إنتاج فيلم وثائقي بعنوان Cassette: A Documentary Mixtape عن شريط الكاسيت، وظهر فيه أوتنيس الذي رحل عن العالم، عام 2021، عن عمر يناهز 94 سنة، قائلاً “توقعت أن يكون اختراعاً ناجحاً، لكن لم أتوقع أن تحدث ثورة تغيّر تاريخ الموسيقى ويكون لها هذا التأثير الثقافي”.
ظهور جهاز “ووكمان”
بعد ظهور الكاسيت وانتشاره في العالم كله جاءت طفرة أخرى مع ظهور جهاز “ووكمان” الذي كانت انطلاقته الأولى، عام 1979، عندما أنتجت شركة “سوني” اليابانية إصداره الأول عام 1979، وعدّ وقتها نقلة غير مسبوقة في عالم صناعة مشغلات شرائط الكاسيت حيث كانت المرة الأولى التي يستطيع فيها الناس الاستماع إلى موسيقاهم المفضلة أثناء المشي أو الركض وممارسة الرياضة أو أداء أي أعمال حركية، فلم يعد الفرد مرتبطاً بالجلوس بجوار جهاز الكاسيت، كما كانت الانطلاقة الأولى للاستماع بشكل فردي تماماً من دون مشاركة أحد بوجود السماعات المصاحبة له مما مكّن كثيرين من الاستماع في أماكن عامة مثل وسائل المواصلات أو مكاتب العمل وغيرها، ربما يعدّ هذا شيئاً مألوفاً حالياً ومثيراً للدهشة للأجيال الجديدة ولكنه وقتها كان شيئاً مبهراً وغير مسبوق.
باعت شركة سوني 30 ألف قطعة في الأشهر الثلاثة الأولى بعد إصدار أول جهاز “ووكمان”، ولاحقاً، في عام 1983، أصدرت جهاز “ديسكمان” المحمول كمشغل لأسطوانات CD، ومع حلول عام 1992 ظهر “ميني ديسك ووكمان”، لتعلن، في عام 2010، توقف إنتاجها من هذه الأجهزة مع ظهور تكنولوجيات أخرى بعد أن وصل عدد الأجهزة التي بيعت خلال العقود الثلاثة التي كان يتم إنتاجه فيها إلى 220 مليون جهاز.
جيل جديد من أشرطة الكاسيت
في عام 2020، أعلنت شركة “مولان” الفرنسية أنها ستبدأ في إنتاج الجيل الجديد من أشرطة الكاسيت وأنها الشركة الوحيدة في أوروبا التي لا تزال تنتج أشرطة الكاسيت حتى الآن، وستكون مشغلات الكاسيت من الجيل الجديد يمكن شحن بطارياتها مثل الهاتف المحمول ويمكنها الترابط مع السماعات من خلال تقنية “البلوتوث”.
الصحوة النسبية الأخيرة لشريط الكاسيت بزيادة مبيعاته ماذا يمكن أن تعني؟ وهل من الممكن أن تزداد باعتبار أنها قد تمثل شيئاً جديداً بالنسبة لجيل ما بعد الألفية الذي لم يمرّ بالتجربة من الأساس واعتماده الأساس على التطبيقات الإلكترونية الشهيرة في الاستماع للموسيقي، إضافة إلى حال الحنين التي يثيرها شريط الكاسيت لأجيال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات التي شهدت ذروة انتشاره؟
وقال الناقد الموسيقي أمجد جمال “عودة البعض للاستماع إلى شرائط الكاسيت هي حالة من الحنين لتلك الفترة واستحضار هذه الحالة، وغالباً سترتبط بالأجيال التي شهدت العصر الذهبي للكاسيت وكانت جزءاً منه، وربما يقبل عليها بعض الأجيال الجديدة من باب الفضول والاستكشاف، والشيء نفسه ينطبق على من يسعى للاستماع إلى الأسطوانات الموسيقية على الغرامافون، فهدفه الأساس هو استحضار الحالة ومعايشة التجربة بتفاصيلها”.
أضاف “لا أعتقد أن الكاسيت يمكن أن يعود بصورة كبيرة لأسباب متعددة من بينها اختلاف تقنيات الإنتاج والتسجيل الموسيقي ذاتها، فحالياً الاعتماد الكامل على الديجيتال والأمر ذاته بالنسبة لشرائط الفيديو، فالتقنيات اختلفت بشكل كامل ولم تعد متوافقة مع هذه المشغلات، فالكاسيت، ولا شك في ذلك كان طفرة في عصره بمقاييس تلك الفترة، فهو كان سبباً لزيادة الإنتاج الموسيقي وتحقيق الانتشار وظهرت معه فكرة النسخ واختيار المضمون المفضل إضافة إلى سهولة الانتقال بالكاسيت من مكان لآخر”، وأشار أيضاً إلى أن “الفكرة ذاتها ليست عملية، مثل الحاجة إلى نقل الشرائط وتخزينها، إضافة إلى عدم وفرة المشغلات وصعوبة الحصول عليها، فعلى سبيل المثال السيارات حالياً لم تعد بها أجهزة الكاسيت ولا حتى مشغلات أل سي دي، فهي أمور تخطاها الزمن بوجود التطبيقات الموسيقية المختلفة السائدة حالياً، والتي تمثل نقلة أخرى في مجال صناعة الموسيقى ولكنها ملائمة لطبيعة العصر”.
نادي الكاسيت
حينما تذكر كلمة شريط الكاسيت تنتاب الجيل الذي شهد العصر الذهبي للكاسيت حالة من النوستالجيا تعود به إلى ذكريات تحملها أغنيات هذه الفترة بكل اختلافها عن الوقت الحالي، وكاستجابة لهذا الحنين ظهر في القاهرة “نادي الكاسيت” وهو تجمع لعشاق الموسيقى يلتفون فيه حول جهاز الكاسيت للاستماع إلى واحد من الشرائط الشهيرة التي صدرت في العصر الذهبي قبل ظهور تطبيقات الموسيقى المختلفة في حالة تشبه أجواء الثمانينيات والتسعينيات.
وعن التجربة قال حسين رحبانى مؤسس “نادي الكاسيت” “تقدم التجربة لمشاركيها حالة تشبه أجواء الكاسيت في عصره الذهبي، فيلتف الجميع حول الجهاز للاستماع من دون أي مؤثرات خارجية، ويقبل على المشاركة من عايشوا التجربة سابقاً كنوع من استعادة الذكريات، والأجيال الجديدة تعتبر الأمر تجربة جديدة تماماً وشيئاً غريباً، والبعض يشاهد جهاز الكاسيت للمرة الأولى، فنسعى من خلال هذه الحالة إلى الإبقاء على جزء من ماضينا باستعادته حتى ولو كل فترة”، مضيفاً “يمكن القول إن الكاسيت أضاف كثيراً للموسيقى، وقدم أفضل جودة صوت، وأصوات المطربين الحقيقية من دون تدخل وتعديلات مثلما يحدث حالياً، وبالنسبة لإمكان عودة الكاسيت وانتشاره مرة أخرى، ففي العالم العربي يمكن أن يقبل عليه الناس سواء المطربين أو بعض الجمهور، بينما في الخارج سيكون أكثر انتشاراً بسبب الاهتمام بكل ما يتعلق بالفنون بدليل المبيعات التي ارتفعت بالفعل لشرائط الكاسيت في الفترة الأخيرة”.
حنين إلى الماضي
لا تقتصر زيادة المبيعات فقط في الفترة الأخيرة على شرائط الكاسيت لكنها تمتد إلى أسطوانات “الفينيل” التي ازداد الإقبال عليها هي الأخرى أخيراً، كشكل من أشكال الحنين للماضي الأبعد من حقبة الكاسيت، فطبقاً لبيانات صادرة عن جمعية التسجيلات الأميركية، فإن مبيعات الأسطوانات، في عام 2022، فاقت مبيعات الأقراص المدمجة (سي دي) للمرة الأولى، منذ عام 1987، حيث بلغ عدد الأسطوانات المباعة، عام 2022، في الولايات المتحدة 41 مليوناً مقابل 33 مليون “سى دي”.
وفي محاولة للجمع بين العراقة والتكنولوجيا، طورت أجهزة على شكل “الغرامافون”، التقليدي ولكنها مزودة بتقنيات إلكترونية حديثة ليتمكن المستمع من تشغيل الموسيقى بشكل “ديجيتال” يتناسب مع العصر عبر جهاز يحمل طابع أوائل القرن الـ 20.
وأطلقت شركة “سوني” إصداراً تذكارياً من جهاز “ووكمان” في ذكراه الـ 40 ولكنه يعمل بنظام “الأندرويد”، ويعتمد على ذاكرة داخلية وليس على شريط الكاسيت التقليدي ولا يأخذ من الماضي إلا الشكل التقليدي للجهاز، فالكاسيت أصبح جزءاً من التاريخ الموسيقي وشكّل واحداً من التغييرات الكبيرة في مجال المحتوى الثقافي على مستوى العالم، والحنين إليه لن ينقطع باعتباره جزءاً من تجربة أجيال وارتبط معها بكثير من الأحداث والذكريات.