حرية – (13/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
الرعي حرفة امتهنها الأنبياء واتصف الملوك بسماتها
تقول العرب إن الراعي يأخذ من أخلاق البعير التي يرعاها ويعطيها من أخلاقه، لذا تكون شخصية راعي الإبل مختلفة عن راعي الغنم، فالإبل تتمتع بمجموعة من الخصال كالغيرة الشديدة على الإناث، والخوف والترقب من أي شيء يقترب منها عدا صاحبها الذي تعرفه من صوته ورائحته، وهي معروفة بغضبها وشراستها، ولا يمكن إبعاد الأنثى عن صغيرها بسهولة، ويشتهر الجمل الذكر بالانتقام، إذ يتذكر من آذاه ولو بعد سنوات لينتقم منه، ولكن الإبل تتمتع بخصال حسنة مثل العاطفة الكبيرة تجاه صاحبها أو مربيها وراعيها، فتحميه من المطر والحر، وتسمع أوامره من همهماته أو من حدائه، بل ومعطاءة لا تقطر في العطاء.
تشترك الأغنام والخراف في الصفات الحسنة مع الإبل، فهي معطاءة من دون جهد كبير، بالتكاثر أو بالألفة، فهي حيوانات أليفة جداً، كما يقول عنها الرعيان الذين يستفيدون من لحمها وحليبها وصوفها وأكلها للأعشاب الضارة من دون أن تتعدى على الأشجار كما يفعل الماعز، إلا أنها تمنح راعيها صفات يقال إن الأنبياء تحلوا بها والدعاة والمبشرين والبراهمن والرهبان، وإن رعي الغنم في صغرهم يكون تحضيراً لهم من أجل تولي رعاية قومهم ورعيتهم.
والحاكم العادل هو الراعي في النظم السياسية، ومعظم الأنبياء في الأديان السماوية الشرقية على رأسهم أنبياء اليهود ودعاة وقديسون مسيحيون، وكذلك نبي الإسلام محمد بن عبدالله، ومثلهم المبشرون والدعاة في الأديان الطبيعية في أقصى آسيا وإثيوبيا والقرن الأفريقي كانوا من رعاة الغنم، إذ تربط هذه الديانات راعي الأغنام بالنبي الذي يرعى رعيته أو قومه، فهو يدلهم إلى طريق الصواب أو يعيدهم إلى مكان الأمان ويمنع عنهم الأعداء والذئاب والأشرار، ويدلهم إلى المراتع الخصبة والماء الكافي وفعل الخير والتضامن، كما يمنحه قطيعه الهدوء والسكينة.
وكلمة “قس” هي رتبة دينية في المسيحية تعني الراعي، وهي من اللاتينية اليونانية، ويتغنى التراث الديني اليهودي بأن موسى وهارون كانا مع اليهود كراعي الغنم مع غنمه، وكذلك كان الملك أو النبي داود يرعى الغنم قبل تملكه، وجاء في كتاب “لاويين” اليهودي المقدس أنه “ليس جميع ملوك إسرائيل أخذوا شعبهم إلى المراعي الخضراء بل بعضهم إلى الأراضي القاحلة، لذلك شتت الله قطيعه بين الأمم كعقاب على خطاياهم”، ثم جاء في إرميا أن الرب سيعيد ثروات شعبه، وسيكون لديهم رعاة يعتنون بهم ويعولونهم ويحميونهم. أضف إلى ذلك أن السيخية تسمي المؤمنين بالرعية، ويكون الكاهن أو الخوري أو رجل الدين الذين ينير دربهم هو الراعي.
رعاية الغنم أسهل كثيرا عن العناية بالإبل
وتشبيه راعي الغنم بالوالي ورجل الدين والحاكم والداعين إلى الصلاح ليس اعتباطياً، وربطه بالأنبياء تحديداً ليس من دون سبب معين، فصاحب الغنم متصف بالسكينة والهدوء والاطمئنان بخلاف راعي الإبل، لأن أصحابها في الغالب في شدة وغلظة، وكذلك الإبل فيها الشدة والغلظة.
والغنم خلال رعيها العشب في المراعي الشاسعة تنظر إلى الأرض في مشيها، وهذا يؤثر في راعيها، فيدفعه إلى التواضع والسكينة والوقار والطمأنينة، عكس الإبل التي تنظر للسماء فيتميز الراعي بالكبر والفخر والخيلاء، وعلى رغم أن الجمال تستحسن التعامل الطيب وتستجيب للرعاية والمداعبة، ولكنها ربما تتهيج وتخشن طباعها ويتغير سلوكها في حال شعرت بقلة الاهتمام أو إذا عوملت بقسوة، وسلوك ذكورها في موسم التلقيح عدوانية في مهاجمة البشر أو الحيوانات.
فوائد اقتصادية
تختلف رعاية الغنم عن الإبل من حيث سهولة رعيها، إذ يمكن للمزارعين الصغار والعمال الذين لا يملكون أرضاً أن يؤسسوا مشروعاً منتجاً من تربية الأغنام ذات المنفعة متعددة الجوانب من صوفها ولحمها وحليبها وجلدها وسمادها، إذ تعتبر الأغنام أو الخراف مكوناً مهماً للاقتصاد الريفي.
ولا يزال الصوف مستخدماً حتى اليوم في صناعة الملابس والمفارش والأثاث وكعازل للكهرباء في المنازل، وفقاً لشركة (Good Shepherd Wool) يعد الصوف من الألياف الفائقة للعزل، ومقاوم للاشتعال بشكل طبيعي وغير مسرطن، كما يساعد في امتصاص السموم من المنزل وقابل لإعادة التدوير، إضافة إلى أنه مانع طبيعي للصوت.
ولحم الغنم مفضل في معظم أنحاء العالم بسبب طراوته وكمية الشحم العالية فيه، وبات معروفاً أن حليب الأغنام يحتوي على ضعف كمية الكالسيوم في حليب البقر، ومن طرق تحقيق الأرباح المعروفة للرعيان من تربية الغنم هو تكاثرها فصلياً، وارتفاع سعر الصغير منها خلال أشهر بعدما يكتنز بعض الوزن.
ويقال إن الأغنام باتت تستخدم في ملاعب غولف كثيرة حول العالم لجز العشب، فأكل الأغنام للعشب يؤدي إلى زيادة في كثافته ونموه، كما تقوم بتسميد الأرض في الوقت نفسه من مخلفاتها، ولا تتعدى على الأشجار في الملعب، ويربح في هذه العملية الأغنام وصاحبها وأصحاب الملاعب.
الخبر الذي يبدو أكثر غرابة بخصوص تربية الأغنام، هو قيام أفراد ومجتمعات كثيرة في أوروبا وأمركا الشمالية بتربية الأغنام كحيوانات أليفة كما القطط والكلاب.
إبل جزيرة العرب
بحلول السيارات في شبه الجزيرة العربية محل الإبل في التنقل والأسفار وحمل الأثقال، وبانتهاء دورها في رفع المياه من الآبار لسقي المزارع، واستبدالها بمكائن الضخ والآبار الارتوازية، طويت صفحة البداوة في المنطقة، خصوصاً مع عزوف غالبية الناس عن حليب الإبل ولحومها.
وكتب سعد الصويان تحقيقاً في مجلة القافلة بعنوان “الإبل عطايا الله”، ويقول إن ابن الصحراء كان يسميها “عطايا الله” تعبيراً عن شدة تعلقه بها،وتقديره لدورها المهم في حياته، والعلاقة المتبادلة بينهما عملية نفعية تولدت عنها علاقة عاطفية، إذ لا الإنسان يستطيع العيش في البادية من دونها، كما أن استئناس الإبل جعل العيش في الصحراء أمراً ممكناً وضرورياً في الوقت نفسه.
والعلاقة بين الإبل ومالكها تتعدى كونها تجارة فقط أو حتى هواية، وهو ما علق عليه أحد مربي الإبل في منطقة العلا بالسعودية في تحقيق موسع أجرته قناة “سكاي نيوز عربية” قائلاً “كل ناقة أو جمل لديه شخصية مختلفة نميزها، كما أننا نميز أشكالها وأسماءها، وهي بدورها تستجيب للاسم الذي نطلقه عليها وتعرف أصحابها وأصواتهم، وتصبح مع الوقت كفرد من العائلة، تقضي مع الراعي وقتاً طويلاً وتسافر معه، بل وتحرص على تدفئته في البرد بالجلوس قربه وتغطية جسمه لحمايته من المطر”.