حرية – (23/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
يمارس الكرملين ضغوطاً خلف الكواليس على حكومات عدة من بينها الهند، مهدداً بإنهاء اتفاقات في مجالات الطاقة والدفاع، ما لم تساعد نيودلهي روسيا على مواجهة خطوة مرتقبة لوضعها في “القائمة المالية السوداء”، وتهدد بدفع الاقتصاد الروسي نحو مزيد من العزلة.
ووفقاً لوثيقة اطلعت عليها “بلومبرغ” ومقابلات أجرتها الوكالة مع مسؤولين في دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مطلعين على الأمر، فإن روسيا بدأت في استهداف شركائها التجاريين قبيل اجتماع مرتقب في يونيو، لمجموعة العمل المالية (FATF) ومقرها باريس، والتي تستهدف غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب.
ومجموعة العمل المالية هي منظمة رقابية تضم عدداً من المنظمات الحكومية، وتقوم بوضع معايير مكافحة الأموال القذرة. وعلقت المجموعة عضوية روسيا فيها في فبراير الماضي، فيما تدفع أوكرانيا الوكالة لفرض قيود إضافية على موسكو بوضعها على “القائمة السوداء”، أو “القائمة الرمادية”.
وسيؤدي نقل روسيا إلى “القائمة السوداء”، إلى ضمها لناد صغير يضم كوريا الشمالية، وإيران، وميانمار، وهي الدول الوحيدة المصنفة تحت هذه القائمة.
ومن شأن تصنيف كهذا أن يؤدي إلى عزل أعمق للاقتصاد الروسي، الذي يواجه عزلة متزايدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.
وإذا تم تمرير هذا القرار، فإن الدول الأعضاء وكذلك البنوك ومؤسسات الاستثمار، وشركات معالجة المدفوعات المالية، ستكون ملزمة بفرض إجراءات تدقيق أكثر صرامة على المعاملات الروسية، وفي بعض الحالات القصوى، سيكون عليها اتخاذ إجراءات لحماية النظام المالي العالمي.
وبقيت دول كثيرة ضمن ما بات يطلق عليه “الجنوب العالمي” وبينها الهند، محايدة إلى حد كبير من النزاع في أوكرانيا.
وقالت مجموعة العمل المالية، إنه رغم تعليق عضوية موسكو إلا أنها تظل ملزمة بمعايير المنظمة بعد تعليق عضويتها، وأنها ستنظر فيما إذا كانت سترفع أو تعلق القيود المفروضة عليها في اجتماعاتها التحضيرية.
ورحبت أوكرانيا بتعليق عضوية موسكو، وقالت إنها ستواصل الدفع في سبيل وضع روسيا على القائمة السوداء.
وحذر السفير الروسي في واشنطن أناتولي أنتونوف من خطورة الخطوة، قائلاً إنها قد تؤدي إلى “تقويض النظام العالمي لمكافحة تمويل الإرهاب”.
لقاء مودي وزيلينسكي
وهذا الموقف الذي سعت الهند من خلاله إلى “موقف متوازن” من النزاع في أوكرانيا، خضع للاختبار في اجتماع “مجموعة السبع” في اليابان عبر نهاية الأسبوع الماضي، حين التقى رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شخصياً للمرة الأولى منذ اندلاع الغزو.
وفي حين أنه لا توجد أي إشارة على تغير فوري في موقف الهند من النزاع، فإن الاجتماع أثار عدم ارتياح في موسكو على الأرجح، وخاصة لدى الرئيس فلاديمير بوتين، الذي تم الحد من تنقلاته العالمية، بفعل مذكرة للمحكمة الجنائية الدولية بحقه صدرت في مارس الماضي.
وعلى النقيض، التقى زيلينسكي في قمة السبع بعدد كبير من قادة الدول التي سعى الرئيس الروسي لاستمالتها وإظهارها على أنها حليفة لروسيا، وهو ما اعتبره مسؤول بريطاني كبير “أهم من أي توتر آخر على هامش القمة”، وفق ما نقلت “بلومبرغ”.
“عواقب سلبية”
وحذرت وكالة حكومية روسية لم تحددها “بلومبرغ” نظيرتها الهندية من موجة من العواقب السلبية “غير المتوقعة” على التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة، والنقل، إذا تبنت مجموعة العمل المالية قراراً جديد ضد روسيا، وفقاً للمسؤولين الذين تحدثوا إلى “بلومبرغ” وطلبوا عدم ذكر هوياتهم.
وحضت الوكالة الروسية الهند في مايو، على معارضة أي تحرك من جانب أوكرانيا لإضافة روسيا إلى القائمة السوداء للدول عالية المخاطر في الاجتماع، وقالت إن وضع روسيا على “القائمة الرمادية”، الأقل تشدداً سيسبب صعوبات أيضاً.
وقالت “بلومبرغ” إنها لم تستطع التحقق مما إذا كانت الهند قد ردت على تلك التحذيرات. ولم يرد مسؤولون في الهند وروسيا على طلب الوكالة للتعليق.
وأظهرت وثيقة، أن الوكالة الروسية وصفت قرار مجموعة العمل تعليق عضوية روسيا بالقرار “السياسي وغير المشروع”.
ومن بين المشروعات التي حذرت روسيا الهند من أنها ستكون في خطر، التعاون بين عملاق النفط الروسي روسنيفت وشركة نايارا الهندية للطاقة.
وكذلك صادرات روسيا من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الهند، والتعاون التقني في مجال الدفاع.
موسكو تلجأ لبكين ونيودلهي
ورغم أن الولايات المتحدة وحلفاؤها حولوا روسيا إلى أكثر دولة مفروض عليها عقوبات عالمياً، إلا أن الكرملين خفف من وطأة تلك العقوبات على اقتصاده بتعميق العلاقات مع الصين والهند، ودول أخرى ظلت على الحياد.
ولكن وضع روسيا في القائمة السوداء، سيصعب على تلك الدول بشكل كبير مواصلة ممارسة الأعمال مع روسيا، وسيزيد من أوجاع روسيا الاقتصادية، وفق “بلومبرغ”.
والقطاعات التي حددتها روسيا كقطاعات معرضة لخطر انقطاع التعاون فيها مع الهند، هي في قلب الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وذات حساسية خاصة.
وروسيا هي أكبر مورد للأسلحة إلى الهند، رغم تعطل الواردات بسبب غياب آلية للمدفوعات لا تنتهك العقوبات الأميركية.
واشترت الهند أيضاً النفط الروسي الرخيص، بعدما فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها سقفاً لأسعار النفط الروسي، ورفضت أوروبا الواردات الروسية.
وتضم القائمة الرمادية 23 دول أخرى بينها ألبانيا، وتركيا، وجنوب إفريقيا.
خفض تدفق رؤوس الأموال
وقال تقرير لصندوق النقد الدولي في 2021، إن الوجود على القائمة الرمادية والذي يأتي مع متطلبات رقابة لصيقة على التعاملات المالية يؤدي إلى “تقلص كبير” في حجم رؤوس الأموال الداخلة إلى البلدان الموجودة على القائمة.
وطلب مسؤولون روس كبار من نظرائهم في بلدان أخرى معارضة أي طرح كهذا، وفقاً لمسؤولين تحدثت إليهم “بلومبرغ”.
وحذرت روسيا من أن وجودها على “القائمة الرمادية”، سيصعب من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه صادرات الأسلحة ومشروعات أخرى إلى الهند، وفقاً لمسؤول مطلع على الأمر. وطلبت موسكو من الهند المساعدة مراراً في اجتماعات المجموعة منذ الغزو، وفق المسؤول نفسه.
وأشارت روسيا في الوثيقة المؤرخة في مطلع مايو بأن الهند لديها “مصداقية كبيرة” في مجموعة العمل المالية، وأنه “من المؤسف أن دلهي لم تتحدث لمعارضة تعليق عضوية روسيا”.