حرية – (23/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
بينما كانت رحى المعارك تدور في ربوع مصر أثناء الحملة الفرنسية على مصر بعد وصول الجيش الفرنسي للبلاد عام 1798، كان الجنرال كليبر أحد أهم جنرالات الجيش الفرنسي آنذاك يقتطع بعض الوقت بشكل مستمر ليكتب يومياته فيما يشبه المذكرات الشخصية.
حرص الجنرال الشهير على وضع خريطة المنطقة التي تدور الحرب فيها، ثم كتابة الملاحظات واليوميات على جوانبها.
ثم تدور عجلة الزمن وتنقضي قرون لتقع مذكرات كليبر في يد ماكس ديباني، أحد هواة جمع المقتنيات والكتب التاريخية في مدينة الإسكندرية.
ومنه تواصل عجلة الزمن دورتها حتى تبلغ الوثائق مكتبة الكتب النادرة بالجامعة الأميركية بالقاهرة لتصنع مع مثيلاتها من الوثائق والمخطوطات والمقتنيات التاريخية عقدا فريدا من نوادر أزمنة وعصور مضت كاشفة الكثير من الجوانب الاجتماعية والتاريخية والسياسية لها.
وفي أروقة المبنى الذي تحمل كل زاوية منه عبقا فريدا، تمتلئ القاعات والغرف بالمقتنيات التي قلما وجد مثيلها في أي مكان في العالم في مشهد يستعيد قرونا فائتة، وأحداثا جساما مرت بها مصر والعالم.
وقالت إيمان مرجان، المدير المساعد للمشروعات الخاصة والوسائط الإلكترونية بالجامعة الأميركية لموقع “الحرة”، إن كل قطعة في المكتبة يتم تصنيفها حسب نوعها في القسم المخصص لها، سواء كانت في الخرائط أو الكتب أو الأرشيف المعماري أو الشخصيات.
وتحصل مكتبة الجامعة على تلك المقتنيات التاريخية بطرق عدة، لكن أغلبها يكون عن طريق الإهداءات أو باعة “الأنتيكات” والأشياء القديمة في القاهرة وغيرها من المحافظات.
وتوضح مرجان، “تخضع القطع لإجراءات حفظ صارمة حتى لا تتعرض للتلف ويكون التعامل معها من قبل الباحثين والدارسين بمنتهى الحرص، كما أن هناك فريقا علميا متخصصا لترميم تلك القطع عند الحصول عليها، فيما يعرف داخل المكتبة بمختبر الصيانة”.
ويستخدم فريق الصيانة، أوراق خالية من الأحماض، وتتم إزالة البقع والعفن عند الضرورة، ويتم تنظيف المواد الهشة مثل الخرائط المعمارية والرسومات ثم فردها وإصلاحها ثم تغليفها بحافظات أرشيفية من البوليستر لتعيش للأبد عن طريق تغليف الورقة البالية في بلاستيك مرن يجعلها آمنة في التعامل معها.
ويتم إجراء عمليات صيانة وحفظ واسعة النطاق للصور الفوتوغرافية، عن طريق التنظيف الكيميائي والإصلاح وإزالة واستبدال بطانات الصور القديمة وتغليفها بحافظات من البوليستر خالية من الأحماض وحفظها في ألبومات أرشيفية وصناديق مغلقة بغطاء لتضمن بقاء المحتويات الأصلية، واستمرارها لتكون وثيقة فريدة.
في إحدى القاعات توجد آلة عرض نادرة، للصور ثلاثية الأبعاد تضم 800 شريحة زجاجية عليها لقطات مصورة لأحداث مصرية وإقليمية هامة وقعت بين عامي 1913 و1928 مثل ثورة 1919 وماحدث في الشوارع وقتها، وكذلك أول عرض جوي في مصر الجديدة، وموكب تتويج ودفن السلطان حسين كامل ولقطات توثق مرور الجنود بمصر أثناء الحرب العالمية الأولى.
الدكتور مارك بيتر، المتخصص في دراسات الشرق الأوسط بالجامعة،قال لموقع “الحرة”: “حصلت على هذه الآلة الفريدة من بائع روبابيكيا – أشياء قديمة – في منطقة المعادي، كنت هناك أبحث فيما لديه ورأيت أحد الدواليب به شيء ما، وحين فحصته وجدت الآلة التي عرفتها فهي تعمل بتقنية عرفت في منتصف القرن 19، وكانت هناك شركات معينة تنتج هذا النوع من الكروت التي استخدمها البعض بديلا للسفر والسياحة لأنها توثق الأماكن والمناطق بلقطات فريدة.
وتابع: “الأرجح أن هذه الآلة المميزة كانت لشخص يتحرك بين القاهرة وفرنسا لأن اللقطات التي على الكروت يغطي جزء منها فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى وما بعدها”.
خرائط نادرة وفرمانات الدولة العثمانية
بين الخرائط الهامة التي توجد بالمكتبة، أول خريطة مأخوذة من موسوعة وصف مصر، التي تمت بقرار من نابليون بونابارت وكذلك أول خريطة نادرة للوجه البحري في مصر بعد تعديل الأخطاء التي وجدت في الخريطة التي رسمها علماء الحملة الفرنسية.
وأمر الخديوي إسماعيل، محمود بك الفلكي برسم خريطة جديدة بالتصحيحات المطلوبة ونظرا لعدم توفر أدوات رسم الخرائط اللازمة في ذلك الوقت استخدمت الإحداثيات الفلكية في صنع تلك الخريطة، التي تم الانتهاء منها في عام 1287 هجريا، وتمثل الزراعة والتوسع العمراني الذي تم تنفيذه بأوامر من الخديوي في ذلك العام.
مجموعة الفرمانات الصادرة إلى ولايات مصر وخديويها بين عامي 1597 و 1904 في عهد ما قبل محمد علي، واحدة من بين المخطوطات القيمة داخل المكتبة، والتي كتبت بالخط الهمايوني، واللغة العثمانية، والتي تعد نسخة نادرة الوجود، بالإضافة لمصحف تاريخي مكتوب بخط اليد في القرن 13 في العصر المملوكي ومكتوب بالخط الكوفي، صفحاته غير مرقمة وكذلك الآيات.
وتتيح المكتبة محتوياتها لجميع الباحثين والدارسين بشكل مطلق وفقا لإيمان مرجان، إذ يساعد فريق متخصص الباحثين والطلاب والدارسين على تلبية متطلباتهم العلمية وتوفير المعلومات والوثائق والكتب التي يحتاجونها وفقا للإجراءات المتبعة حفاظا على تلك المواد النادرة من التلف أو الضياع.
وتشير إلى أن “مجموعة كبيرة من الوثائق والصور ومحتويات المكتبة تم تحويلها إلى نسخ رقمية لإتاحتها للجميع في كل مكان من العالم للإطلاع عليها واستخدامها بطريقة سهلة”.
والعام الماضي تسلمت الجامعة الأميركية بالقاهرة جائزة اليونسكو لذاكرة العالم لعام 2022 تقديرا لما تقدمه بشأن التراث الوثائقي من خلال مكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة.
وجائزة اليونسكو/جيكجي لذاكرة العالم، تم إنشاؤها عام 2004، بالتزامن مع ذكرى إدراج بولجو جيكجي سيمكه يوجيول في سجل ذاكرة العالم، وهو كتاب كوري يعتبر أقدم كتاب طبع باستخدام الأحرف المعدنية المتحركة.
وتمنح تلك الجائزة لأي فرد أو مؤسسة يساهمون في الحفاظ على التراث الوثائقي وإتاحته، وهي المهمة الأساسية لمكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة بالجامعة الأميركية بالقاهرة.