حرية – (24/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
يمكننا القول بسهولة، إن زمننا الحالي هو عصر اختصاص الاختصاص. أثناء بحث سريع كنت أجريه قبل بضعة أيام عن أنشطة ورحلات خلال فصل الصيف الذي بات على الأبواب، صادفتني عطلات مخصصة للعائلات التي لديها أطفال، وأخرى لمن لديهم كلاب لا يستطيعون تركها وحيدة في المنزل أثناء الإجازة، وثالثة للكبار فقط الراغبين بالاستمتاع بوقتهم من دون صخب الصغار وإزعاجهم، وغيرها توفر مرافق مناسبة لذوي الحاجات الخاصة، وإجازات للمثليين وغيرهم من أبناء مجتمع الميم (الذي يشمل المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً). استوقفني الخيار الأخير قليلاً، وجعلني أتساءل عن سبب وجوده أساساً، في حين أن توفر أماكن مناسبة لذوي الحاجات الخاصة أو الأطفال أو الحيوانات الأليفة أمر مفهوم، لماذا قد يرغب أبناء مجتمع الميم بمرافق لهم حصرياً، هل لأن لديهم حاجات وطلبات خاصة لا تلبيها الأماكن التي تخدم بقية الناس، أم لأنهم ما زالوا يشعرون بأنهم أفراد غير مرحب بهم رغم الحملات الواسعة لدعمهم وتضمينهم في المجتمع وتطبيع وجودهم؟
للمثليين حاجات خاصة
في الواقع، الإجابة هي الاثنان معاً. الاحتياج الأهم بالنسبة إلى السياح المثليين هو السلامة، بخاصة عند سفرهم إلى وجهات معروفة بعنفها وتمييزها ضدهم. تاريخياً، كان أبناء مجتمع الميم مضطرين إلى الالتقاء وممارسة أنشطتهم في الخفاء خوفاً من الاضطهاد والملاحقة –وهو أمر ما زال قائماً إلى يومنا هذا في بعض الدول التي تجرم المثلية الجنسية– حتى في قلب نيويورك التي تعد حالياً عاصمة مجتمع الميم في العالم وتضم أكبر تجمع للمثليين، حيث تجاوز عددهم 700 ألف شخص في نهاية عام 2021. نادي “ستوديو 54” الشهير في برودواي في منهاتن، الذي تأسس عام 1927 كدار للأوبرا، كان يستقبل زواره من المثليين ويقيم حفلات جنسية ساخنة في قاعة رقص خاصة مخفية ويستقطب نجوم الموسيقى والتمثيل من أبناء مجتمع الميم أو المناصرين لهم، ولم يتم الإعلان عن هويته كناد للمثليين إلا في نهاية سبعينيات القرن الماضي. كانت المرافق التي تؤوي المثليين حتى تلك الفترة تتعرض لمداهمات متكررة من الشرطة التي كانت تكافح ما يسمى “الترفيه المنحرف”. من أشهر تلك الحوادث الهجوم الذي تعرض له نادي “ستونول أن” في نيويورك عام 1969 فيما يعرف بانتفاضة ستونول، عندما رد أكثر من ألف شخص من أبناء مجتمع الميم على مداهمة الشرطة بتظاهرات استمرت لمدة ثلاثة أيام، فيما يعتبر اليوم أهم حدث تاريخي في مسيرة تحرير المثليين والنضال الحديث من أجل حقوق المثليين في الولايات المتحدة. تجمع في النادي في ليلة 27 يونيو (حزيران) نحو 300 شخص لإحياء مناسبة مرور أسبوع على وفاة نجمة السينما والمطربة الشهيرة جودي غارلاند التي كانت مدافعة عن الحقوق المدنية وضد التمييز العنصري، وتعرضوا للضرب والتعنيف من قبل الشرطة التي اقتحمت المكان.
أدت حاجة المثليين إلى التواصل الاجتماعي والقيام بأنشطتهم بعيداً من الأعين المنتقدة والمعادية والكارهة إلى نشوء حانات ومطاعم وفنادق وحياة ليلية، وأماكن ترفيه وغيرها التي تقدم خدماتها بكل رحابة صدر لأبناء مجتمع الميم وتكون معروفة بينهم وبشكل غير مباشر للأشخاص الذين لا ينتمون إلى هذا المجتمع الذين يودون تجنبها.
ركزت الحركة المثلية على إقامة فعاليات سنوية بارزة في قلب المدن الكبرى التي صارت ترى في ما يسمى مهرجانات الفخر مصدر جذب وربح مهماً (أ.ف.ب)
قرى المثليين
تدريجاً أدى هذا إلى تشكل ما يسمى “قرى المثليين”، المعروفة أيضاً بـ”أحياء المثليين”، وهي عبارة عن مناطق يعيش فيها أو يتردد عليه كثيرون من أبناء مجتمع الميم والمناصرين لهم. غالباً ما تضم هذه القرى عدداً من المنشآت الموجهة للمثليين، مثل المسابح ومحلات الملابس والمكتبات إضافة إلى المرافق المذكورة سابقاً. من أشهر قرى المثليين في العالم حي سوهو في لندن، والقرية المثلية في مانشستر، وحي تشيلسي بمنهاتن في نيويورك، وكاسترو في سان فرانسيسكو، وشويكا في مدريد، وشارع لوماريه بباريس وحي وشونبيرغ في برلين الذي كان أول قرية رسمية للمثليين في العالم، تطورت في عشرينيات القرن الماضي.
تعد هذه القرى ملجأ آمناً ومريحاً لمجتمع الميم على وجه الخصوص عندما توجد في مدن معادية لهم، فقد تكون قائمة في المدن الكبيرة أو الصغيرة على حد سواء، وتمكن مرتاديها من الاستفادة من المساحات الخاصة التي توفرها كوسيلة لعكس قيمهم الثقافية وخدمتهم كأفراد لهم حاجات لا يلبيها المجتمع الأوسع.
اكتسبت هذه الأماكن سمعة طيبة، ليس فقط بين أوساط المثليين، لكن بين الأشخاص غير المتوافقين جنسياً لأن الحفلات التي تقام فيها أكثر إمتاعاً وتتمتع بأجواء وموسيقى ورقص أفضل. في مسح أجرته شبكة “فايس” الإعلامية بداية السنة الماضية، تبين أن الحفلات المثلية مفضلة لدى غير المثليين أيضاً لأنهم يشعرون بأنهم مرحب بهم ولا يتم التعامل معهم بأحكام مسبقة ولا إلصاق وصمة عار بهم لسعيهم وراء إرضاء ملذاتهم.
مع زيادة الدعم لحقوق المثليين الذي انطلق في تسعينيات القرن الماضي ويتكاثف بشكل متسارع منذ بداية الألفية، صرنا نعثر على هذه القرى في أرقى مناطق المدن الكبرى، كما هي الحال في مانهاتن وسوهو، مقترنة بما تحمله هذه المراكز من قيم جمالية وتاريخية وثقافية، ولم تعد تجمعات المثليين في مناطق نائية ومعزولة وناجمة عن النبذ الاجتماعي والسياسي والتعرض للعنف أو التهديد به. يأتي هذا التوجه إلى مراكز المدن الحيوية والمهمة ضمن حملة تحسين الصورة وهي ظاهرة يبذل فيها المثليون جهداً كبيراً منذ سنوات لا يقل عن العمل على تطبيع وجودهم وتغلغلهم في النسيج الكلي للمجتمعات.
ركزت الحركة المثلية على إقامة فعاليات سنوية بارزة في قلب المدن الكبرى التي صارت ترى في ما يسمى مهرجانات الفخر مصدر جذب وربح مهماً (أ.ف.ب)
قرى المثليين
تدريجاً أدى هذا إلى تشكل ما يسمى “قرى المثليين”، المعروفة أيضاً بـ”أحياء المثليين”، وهي عبارة عن مناطق يعيش فيها أو يتردد عليه كثيرون من أبناء مجتمع الميم والمناصرين لهم. غالباً ما تضم هذه القرى عدداً من المنشآت الموجهة للمثليين، مثل المسابح ومحلات الملابس والمكتبات إضافة إلى المرافق المذكورة سابقاً. من أشهر قرى المثليين في العالم حي سوهو في لندن، والقرية المثلية في مانشستر، وحي تشيلسي بمنهاتن في نيويورك، وكاسترو في سان فرانسيسكو، وشويكا في مدريد، وشارع لوماريه بباريس وحي وشونبيرغ في برلين الذي كان أول قرية رسمية للمثليين في العالم، تطورت في عشرينيات القرن الماضي.
تعد هذه القرى ملجأ آمناً ومريحاً لمجتمع الميم على وجه الخصوص عندما توجد في مدن معادية لهم، فقد تكون قائمة في المدن الكبيرة أو الصغيرة على حد سواء، وتمكن مرتاديها من الاستفادة من المساحات الخاصة التي توفرها كوسيلة لعكس قيمهم الثقافية وخدمتهم كأفراد لهم حاجات لا يلبيها المجتمع الأوسع.
اكتسبت هذه الأماكن سمعة طيبة، ليس فقط بين أوساط المثليين، لكن بين الأشخاص غير المتوافقين جنسياً لأن الحفلات التي تقام فيها أكثر إمتاعاً وتتمتع بأجواء وموسيقى ورقص أفضل. في مسح أجرته شبكة “فايس” الإعلامية بداية السنة الماضية، تبين أن الحفلات المثلية مفضلة لدى غير المثليين أيضاً لأنهم يشعرون بأنهم مرحب بهم ولا يتم التعامل معهم بأحكام مسبقة ولا إلصاق وصمة عار بهم لسعيهم وراء إرضاء ملذاتهم.
مع زيادة الدعم لحقوق المثليين الذي انطلق في تسعينيات القرن الماضي ويتكاثف بشكل متسارع منذ بداية الألفية، صرنا نعثر على هذه القرى في أرقى مناطق المدن الكبرى، كما هي الحال في مانهاتن وسوهو، مقترنة بما تحمله هذه المراكز من قيم جمالية وتاريخية وثقافية، ولم تعد تجمعات المثليين في مناطق نائية ومعزولة وناجمة عن النبذ الاجتماعي والسياسي والتعرض للعنف أو التهديد به. يأتي هذا التوجه إلى مراكز المدن الحيوية والمهمة ضمن حملة تحسين الصورة وهي ظاهرة يبذل فيها المثليون جهداً كبيراً منذ سنوات لا يقل عن العمل على تطبيع وجودهم وتغلغلهم في النسيج الكلي للمجتمعات.