حرية – (30/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
كلمة أسترولوجيا اليونانية وتعني علم التنجيم انحدرت إلينا من اليونانية القديمة وهي مؤلفة من كلمة (أسترو) وتعني نجماً و(لوغوس) وتعني حديثاً أو علماً، وهذا ما أعطى بعض الأدلة على أصل علم التنجيم. أما في العربية فيعني علم التنجيم التنبؤ بالحوادث قبل وقوعها ومعرفة مستقبل المواليد من خلال مواقع النجوم والكواكب ومطالعها.
كان الإنسان الأول حين تختفي الشمس ليلاً وراء الأفق وتظهر العتمة وتنام الطبيعة ينظر إلى السماء ويراقب القمر، أكبر جرم سماوي مرئي، كما راقب النجوم المذنبة التي أثارت الفزع في قلبه، إضافة إلى بقية النجوم في مجموعات أو فرادى، وأصبح يفكر في شأنها وعلاقتها بأمور الطبيعة على سطح الأرض.
فمن أين بدأ علم التنجيم وإلى أين وصل؟ وهل يمكن أن تعتبر الأبراج علماً، أم أنها مجرد خزعبلات وخرافات؟ وماذا عن المتخصصين أو الخبراء به هل هم علماء أم دخلاء؟
رصد منجمو بابل اقتران القمر والكواكب ببعضها بعضاً ومواضعها في منازل البروج
من المراقبة إلى الربط والاعتقاد
ولقد عرف البابليون علامات ورموز الأبراج الـ12، واستنتجوا من حركات الأجرام السماوية التي رصدت منذ زمن سحيق موعد حدوث الزوابع والأعاصير وهطول الأمطار والحظ السيئ والحسن والخير، الذي كان يمكن أن يعم البلاد ويصيب الأمم والملوك بمن فيهم الأفراد، وقالوا إن عماد الحياة الذي يدفئ ويحيي جسم الإنسان هو نفس أثيرية مثل نيران السماء، وهذه النفس ستستسلم لقدرها وميلادها وستقرر النجوم مصيرها على الأرض. ومن هذا الاعتقاد يقول الكاتب عبود قرة في كتابه “التنجيم وأسراره وأوهامه”، تبين لدينا مفاتيح التنجيم.
إن أسس التنجيم التي وضعها البابليون القدماء منذ أكثر من خمسة آلاف عام هي الأسس نفسها التي يعتمدها منجمو اليوم. فالمنجم ينظر إلى الكون على أنه كيان واحد يخضع كل ما فيه إلى تأثيره المباشر في جميع الموجودات من مخلوقات وجماد، والإنسان جزء من هذا الكون الواسع لذلك فهو يخضع لهذا التأثير. ومع ذلك يعتبر علم التنجيم أن مستقبل الإنسان ومسار حياته يعتمدان على لحظة ميلاده وعلى موقع وحركة النجوم والكواكب في السماء، مع أنه ليس هناك من تفسير لكيفية حدوث ذلك.
أسياد التنجيم في العالم القديم
كان البابليون الأوائل سادة العالم في التنجيم، وهم أول الشعوب التي أقامت صرح الديانة الكونية على قاعدة العلم، تلك القاعدة التي ربطت النشاط الإنساني والعلاقات الإنسانية بآلهة النجوم ضمن تناغم عام للطبيعة، لأنها وضعت خطة ذات صلة ومنهجاً للعلاقات بين ظواهر السماء والحوادث الجارية على الأرض. وأصبحت شعوب بابل “الأم التنجيمية العظيمة السيادة في العالم القديم”، والتي انتشرت عبر العالم لتؤثر في ثقافة مصر القديمة وفي الوثنية القديمة للإغريق والرومان كذلك.
لاحظ البشر القدامى في السماء أشكالاً وهمية لوحوش وحيوانات مقدسة وأجساماً غريبة
لقد رصد منجمو بابل اقتران القمر والكواكب بعضها ببعض وموضعها في منازل الأبراج، ونسبوا تأثيراً قوياً خاصاً بالنجوم التي رصدوها والمتحركة باستمرار من دون انقطاع فوق القبة السماوية التي تخيلوها قبة سماوية صلبة قريبة جداً من سطح الأرض. وقد سببت هذه الأجرام السماوية المتألقة بأسرارها ومجموعاتها لديهم مخاوف وتوجسات، فلاحظوا أشكالاً وهمية لوحوش سماوية متعددة وشاذة وأشكالاً لحيوانات وأشخاصاً وهميين وأجساماً غريبة بعضها يعيش في ظاهر كرتنا الشمسية الحالية، بحسب خبراء في هذا الشأن.
وسيط بين عالمين
لقد كانت مهمة المنجم قديماً رصد حركات الكواكب والنجوم، والتنبؤ بحوادث خسوف القمر وكسوف الشمس وكشف طالع الأشخاص، أي التنبؤ بشخصية ومستقبل الشخص من طالعه، ومن الأوضاع النسبية للشمس والقمر والكواكب والنجوم عند مولده أو عند الحمل فيه أو في أي وقت يراد لها التنبؤ، فالمنجم يسعى إلى ربط وجود الإنسان ومصيره بالسماء أي معرفة قدره ومصيره من النجوم والكواكب.
هذا الأمر كان يحوط المنجم بجو من الرهبة والخشوع، ويجعله محل قدسية لاتصاله بعالم الغيب الغامض، ومعرفته بهذا الغيب تجعله وسيطاً بين العالمين، لأن الإنسان بسعيه الدائم إلى استقراء المستقبل واكتشاف آفاق المجهول يغذي غريزة كامنة في أعماق النفس الإنسانية، فكان التنجيم وقراءة المستقبل يعززان هذه الغريزة، ويجعلان الإنسان يحلق في آفاق الكون المتناهية عبر الزمان والمكان من دون النظر إلى حقيقة ما يثبته الطالع من أغلاط وأوهام.
الأبراج ما بعد القرن الـ21
وقد أخذ علم التنجيم صفة العلم لاعتماده على رصد الأجرام السماوية وحساب أوقاتها وربطها بظواهر الطبيعة، لتكثر التساؤلات حول ما إذا كانت هذه التفسيرات علمية واقعية أم خيالية؟
وفي هذا العصر ومع دخول القرن الحادي والعشرين عاد الاهتمام بكثرة بعلم التنجيم وقراءة المستقبل، إذ خرج للعامة ما عرف بخبراء الأبراج أو الفلك، ونشروا قراءاتهم عبر شاشات التلفزيون، كما عمدوا إلى طباعة كتب خاصة بالأبراج وتسويقها لتلبي تطلعات وتروي استفسارات كل الأشخاص على اختلافهم. ويعتبر هؤلاء الفلكيون أنه يجب على كل شخص أن يستعين بما يقوله له برجه وطالعه لاتخاذ قراراته وتوجهاته اليومية.
وعن سؤال هل الأبراج خرافة أم حقيقة؟ تقول عبير فؤاد وهي خبيرة أبراج مصرية، إنها أجابت عن هذا السؤال الذي يتردد دائماً على ألسنة الناس في كتابها، إذ أوردت عدداً من الحقائق العلمية الخاصة بالأبراج والموجودة أساساً في الفضاء ونراها بالتليسكوب، كما نوهت بأن القدماء قد عرفوا هذه الحقائق من خلال رؤيتهم لها بالعين المجردة.
أما بعض الباحثين في علم الفلك فيقولون “إن لدى الأبراج نسبة جيدة في التأثير في الأشخاص وقد تصل إلى 50 في المئة، كما أن هناك بعض القواسم المشتركة التي تجمع بين الأشخاص من البرج نفسه، ولكن هذا لا يعني أن ملايين الأشخاص في العالم من البرج ذاته يعيشون التفاصيل نفسها”.
وهذا هو مأخذ الدين الأساسي، إذ يعتبر الدين أن الله يسمح بحدوث أشياء لأسباب معينة، وأن النجوم تجري بتدبير وأمر منه وحده، لذلك لا يستطيع الإنسان أن يعرف علماً مقروناً بقوة وعظمة إلهية، ومن هنا أتى الحديث “كذب المنجمون ولو صدقوا”.
ولكن على رغم هذا كله فإن انتشار المنجمين تحت أسماء فلكيين وخبراء أبراج ازداد مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي سهلت وجودهم وحضورهم، إذ استطاعوا التغلغل في عقول الناس على اختلاف توجهاتهم، ولم يعد يهم في هذا العالم الافتراضي إذا ما كان الخبير خبيراً حقيقياً أم يدعي الخبرة والدراسة لأجل الحصول على المال والمتابعين، ومعه أصبح من الصعب التفرقة بين الحقيقة والوهم.