حرية – (7/6/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
في عصرنا الحديث، يقوم معظم الناس بمهام متعددة بسبب استخدام الهواتف الذكية والاتصال شبه الدائم بمواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت.
فينخرط الشخص بشكل يومي متكرر في نشاطات مختلفة في آنٍ واحد، مثل ممارسة الألعاب الإلكترونية، وتصفح البريد أو مواقع التواصل الاجتماعي، وتبادل الرسائل مع الأهل والأصدقاء، وربما حتى قد يتزامن كل ذلك مع تلفاز أو مذياع يعمل في الخلفية على بث الأخبار أو الموسيقى، وحديث جانبي مع شخص قريب.
إذ أصبحت عادة تعدد المهام جزءاً منتظماً من حياتنا اليومية لدرجة أن الغالبية العظمى من الناس باتوا يؤمنون أنها مهارة إيجابية تعزز الإنجاز وتحقيق المهام في وقتٍ قياسي.
في الواقع، الحقيقة هي عكس ذلك تماماً؛ إذ لا يدرك الكثيرون مخاطر تعدد المهام ومدى تأثير السلوك على الصحة النفسية والقدرات العقلية بشكل خطير.
1- يسبب مشاكل الدماغ والذاكرة:
وجدت دراسات علمية أن الأشخاص الذين يمارسون مهام متعددة بشكل متكرر لديهم انخفاض في المادة الرمادية في أدمغتهم، وتحديداً في مناطق الدماغ المسؤولة عن المجالات المتعلقة بالتحكم المعرفي وتنظيم التحفيز والعاطفة.
كما وجدت دراسة منشورة عام 2016 أن تعدد المهام المزمن أظهر ضعفاً في كل من الذاكرة العاملة (وهي المسؤولة عن تخزين المعلومات ذات الصلة أثناء العمل على مهمة معينة) والذاكرة طويلة المدى (القدرة على تخزين المعلومات واسترجاعها على مدى فترات زمنية أطول).
2- تعزيز تشتت الانتباه وضعف التركيز
كذلك اختبر الباحثون مدى تأثير تعدد المهام التي يقوم بها الأشخاص في المنزل على مدار 7 أيام، ووجدوا أنه كلما زاد عدد المهام المتعددة خلال اليوم، زادت احتمالية تعرض الشخص لإلهاء سلوكي أو تشتت الذهن. فيفقد الشخص قدرته على الاستجابة للعديد من المشتتات، ويفقد القدرة على التمييز بين الالتزامات المهمة وغير المهمة.
3- أضرار أكاديمية وضعف التحصيل العلمي
وجدت دراسة علمية أخرى نشرها موقع “سيكولوجي توداي” (Psychology Today) لعلم النفس، حول تعدد المهام في الفصل الدراسي، أن الطلاب الذين قاموا بمهام متعددة على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم أثناء الاستماع إلى محاضرة سجلوا درجات أقل في امتحاناتهم.
4- مخاطر تهدد العلاقات الشخصية والرسمية
تخلق الهواتف الذكية مثل هذا التهديد الفوري المتمثل في تعدد المهام والتشتت، لدرجة أنها مرتبطة بمشاكل العلاقات في العقدين الماضيين، فيساهم تعدد المهام في أن يشعر شركاء الحياة بانخفاض كبير في الرضا عن العلاقة.
هذا التأثير يمتد للعلاقات المهنية أيضاً، إذ فحص الباحثون ما إذا كان تعدد المهام يجعلنا أكثر إنتاجية وكفاءة في بيئة العمل. وكانت النتائج هي عكس ما يعتقده معظم الأشخاص من مروجي أهمية مهارات المهام المتعددة، حيث كشفت أن هذا التشتيت للطاقة جعل المشاركين أقل كفاءة وإنتاجية، وأكثر عرضة لارتكاب الأخطاء.
5- مخاطر الإصابة بالاكتئاب والإجهاد المزمن (الاحتراق)
ومن بين أبرز النتائج المترتبة على الانخراط في العديد من المهام في وقت واحد، أن هذا السلوك يعزز شعور الشخص بالضغط النفسي، ما يجعله أكثر عرضة للمعاناة من التوتر المزمن والقلق، وهي الحالات النفسية التي تؤثر على قيمة حياة الشخص اليومية، ما يهدده بالإجهاد العام والاكتئاب والشعور بالاحتراق النفسي.
6- تعدد المهام يقلل من معدل الذكاء
كشفت الأبحاث أيضاً، وفقاً لمجلة “فوربس” (Forbes) العالمية، أنه بالإضافة لما سبق، فإن تعدد المهام يخفض معدل الذكاء بشكل ملحوظ، كما لو كان الشخص قد تعاطى المخدرات.
وجدت دراسة أجرتها جامعة لندن أن المشاركين الذين قاموا بمهام متعددة أثناء الانخراط في عملية إدراكية مثل القراءة أو الاستماع لمحاضرة، عانوا من انخفاض في درجة الذكاء العام بمعدل متقارب مع هذا الذي يمكن تسجيله عند تدخين المخدرات أو في حالة إذا ظلوا مستيقظين طوال الليل.
وأدى انخفاض معدل الذكاء بمقدار 15 نقطة للرجال البالغين الذين يقومون بمهام متعددة إلى خفض درجاتهم إلى متوسط معدل ذكاء طفل يبلغ من العمر 8 سنوات.
كيف يمكن تقليل تأثير تعدد المهام؟
هناك حالات محدودة يمكن فيها تعديد المهام وممارسة أكثر من نشاط واحد في الوقت نفسه، وهي أن تكون إحدى تلك المهام مؤتمتة وآلية بشكل كامل، مثل المشي أثناء الاستماع لمقطع فيديو تعليمي، أو طي الملابس وكيها أثناء الحديث في الهاتف، أو استخدام إبر الكروشيه أثناء مشاهدة التلفاز.
في المقابل، يجب تقليل “تعدد المهام السيئ” للحد من المخاطر التي يتعرض لها العقل والمزاج العام. ويتمثل هذا النوع السلبي من السلوك في القيام بمهمتين تستدعيان الانتباه الكامل في الوقت نفسه، مثل سماع محاضرة مسجلة أثناء كتابة بريد إلكتروني، أو تبادل الرسائل النصية أثناء إجراء نقاش مع شخص قريب.
ولتعزيز التركيز الكامل على مهام بعينها دون تشتت، هناك عدد من الاستراتيجيات الفعالة التي يمكنها المساعدة في تقليل عادة تعدد المهام، مثل التالي، وفقاً لموقع “لايف سبان” (Life Span) للصحة النفسية:
- التدرُّب على إنجاز مهمة واحدة فقط في فترة زمنية محددة، مثلاً لمدة 20 دقيقة فقط بشكل مركّز، ثم التبديل إلى مهمة أخرى لتجنُّب التعرُّض للتشتت والملل.
- ترتيب الوقت جيداً وتحديد مواعيد محددة للمهام المتكررة التي قد تتداخل مع مهام اليوم المعتادة، مثل التحقق من البريد في ساعة معينة عوضاً عن مراجعته على مدار اليوم.
- تقليل مصادر الإلهاء يُعد كذلك من أهم الخطوات التي يجب اتباعها، وذلك عبر إيقاف تنبيهات البريد الإلكتروني أو التنبيهات الهاتفية أثناء الانخراط في مهمة تستدعي التركيز.
- ترتيب مساحة العمل الخاصة والحصول على الهدوء والسكون، وذلك لأن الفوضى المرئية تشتت العقل بشكل كبير، كما أن الضوضاء تضعف التركيز.
- ممارسة اليقظة وتمارين التأمل، ما يعني الانتباه إلى ما تفعله في الوقت الحالي بكل حواسك، ويمكن تحقيقها إما عبر تطبيقات التأمل والاسترخاء المتخصصة، أو حتى عبر الصلاة والعبادات وممارسة الأنشطة ببطء وباستغراق ووعي كامل.
تساعد تلك التقنيات في إعادة ضبط سلوك تعدد المهام اللاإرادي الذي يتم الانخراط فيه دون انتباه بحُكم العادة والشعور المتلاحق بالتوتر، ما سيساهم بلا شك في تحقيق سلام نفسي وعقلي لك ولمن حولك.