حرية – (2/7/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
“الإبل أسلوب حياة” عبارة يحققها السعوديون في تعاملهم مع الجِمال، فعلى رغم ما يشهده المجتمع من تطور وحداثة، إلا أن الإبل التي كانت عماد العيش في المجتمعات البدوية القديمة، لا تزال تحتفظ بمكانتها، بل باتت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة السعودية.
الإبل تجدها في كل شيء حولك في السعودية، في المطبخ حيث تعد لحومها الطبق الأبرز، وبالملاعب إذ يُنظم سباق الهجن ويقام سنوياً في المملكة، وكذلك في تصميم الملابس والدعاية التجارية تجد الإبل حاضرة وبقوة، فهي من الناحية المعنوية تحمل أهمية ثقافية وتاريخية وتقليدية كبيرة للسعوديين، كرمز للفخر والشرف.
معلم سعودي
ساعد استخدام الإبل في الترويج للسياحة السعودية على تكوين صورة لثقافة البلاد التي قدر عدد الجمال فيها عام 2021 بما يقارب 1.3 مليون جمل بحسب إحصائية وزارة البيئة والمياه والزراعة، وربطت الأستاذة المساعدة في قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية الأساسية في جامعة الأمير محمد بن فهد، لورا ستراشان، الإبل بالسعودية في مقالة نشرت بموقع “روح السعودية” بقولها “واحدة من تلك اللحظات التي أتذكرها دائماً، فالإبل تذكرك على الفور أنك في السعودية”.
وأضافت ستراشان “إذا ذهبت في رحلة ما هنا، فيمكنك استئجار جمل لتركبه”، واصفة تلك التجربة بأنها “مثيرة ومدهشة”. وقالت “لطالما كان الإبل كائناً مثيراً للاهتمام بالنسبة لزوار السعودية، فإضافة إلى تجربة ركوبه، هناك أيضاً تجربة شرب حليبه، ويتصدر مواضيع فيديوهات الرحالة في منصة يوتيوب”.
وجود الثقافة العربية في الاسم التجاري هو أحد اهتمامات الشركة لسعيها إلى الانتشار عالمياً
كما دخلت صورة الإبل في بعض المشاريع السعودية التي اتخذتها هوية لها، من ضمنها مقهى “خطوة جمل” الذي نشأ في بداية 2013 وتم افتتاح أول فرع رسمي له بمدينة الرياض، أما في ما يخص ارتباط الإبل بهذا المقهى، يذكر قسم التسويق لـ”خطوة جمل” أن إثبات وجود الثقافة العربية في الاسم التجاري هو أحد اهتمامات الشركة لسعيها إلى الانتشار عالمياً وإبراز أحد أهم رموز الثقافة العربية.
وبما أن الإبل تعرف باسم “سفينة الصحراء” واستخدمت سابقاً كوسيلة للنقل والتجارة وحتى الغذاء على مدار قرون في المنطقة، استوحى منها بعض أصحاب تطبيقات التوصيل تلك الصفة لربطها بهوية تطبيقاتهم كرمز للقوة والصبر على الأحمال والمرونة في الظروف الصحراوية القاسية، وفي الوقت نفسه إبراز الأهمية الثقافية على رغم تحديث البلاد وتطورها، ومن بين أشهر العلامات التجارية التي توظف “الجمل” بغية الترويج لهويتها، تطبيق “نعناع” السعودي، المتخصص في توصيل الطلبات.
ولأنه لا يمكن إثراء التاريخ إلا بتوثيق كل ما يخصه، سواء أكان ذلك في صورة كتاب أو دراسة أو مستند، أطلقت مؤسسة الملك عبدالعزيز العامة للمكتبات أول موسوعة للجمل بعنوان “الجمل عبر العصور” في مايو (أيار) الماضي، استغرق العمل عليها عشر سنوات للتعريف بالثقافة الأصلية لكل ما يتعلق بالإبل وإبراز الخلفية التاريخية التي تحتلها منذ آلاف السنين.
من الصحاري إلى عالم الأزياء
في السنوات الأخيرة دخلت الإبل عالم الأزياء السعودي، بخاصة بعد إقرار “يوم التأسيس” وهو اليوم الذي يحتفل فيه السعوديون بذكرى قيام الدولة السعودية الموافق 22 فبراير (شباط)، ويحرصون على ارتداء الأزياء التراثية أو ما يرمز للثقافة السعودية، لذلك يحرص المصممون وأصحاب المتاجر على استلهام أزياء حديثة مطعمة بالرموز الثقافية لتصبح مناسبة لأي يوم في السنة، كونها جمعت بين الحداثة وإبراز الهوية في الوقت ذاته.
تقول سلمى المطلق، مصممة عبايات “سين”، إنها بعد أن أطلقت تصميمها الخاص بيوم التأسيس، وشمل تطريزاً بصورة إبل، اعتقدت أنه سيصبح تصميماً لتلك المناسبة فقط، لكن ما أدهشها أنها فوجئت بالإقبال الكبير عليه بعد انتهاء المناسبة، قائلة “تميزنا بهذا التصميم وأعجب الناس، والحمدلله لا يزال الطلب عليه حتى الآن”.
أما بالنسبة لشهد الساير، صاحبة المتجر الإلكتروني “براونز” الذي يتضمن عدداً من التصاميم التي تحمل صورة الإبل، فتشرح مدى إقبال الفئة الشبابية في السعودية على ذلك النوع من التصميم بقولها “في الآونة الأخيرة مالت فئة الشباب إلى الأزياء التي تحمل طابع الثقافة السعودية بشكل كبير وملحوظ”. وتتابع “تم اختيار الإبل شعاراً للهوية التجارية لمتجري كونه أهم رموز الثقافة السعودية”.
مكانة مرموقة منذ القدم
كانت الإبل حاضرة في كل تفاصيل تاريخ شبة الجزيرة العربية، وأبرزها الرحلات التجارية لأهل قريش، فكانت وسيلتهم في رحلة الشتاء من مكة إلى اليمن، وفي رحلة الصيف إلى الشام، وكذلك كانت حاضرة في معارك القبائل العربية قبل الإسلام، بخاصة كما ذكرت الباحثة في التاريخ سمر سعود، في المعركة التي دارت بين الأوس والخزرج، وهم قبائل عربية أصلهم من اليمن وهاجروا إلى المدينة بعدما تهدم سد مأرب.
ورافقت الإبل النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) في الرحلة النبوية إلى يثرب، بل هي التي حددت موقع مسجده، عندما قال الرسول “دعوها فإنها مأمورة”، وذكر نادي الإبل السعودي دورها في توحيد السعودية مع مؤسس الدولة الملك عبدالعزيز آل سعود.
إلى وقتنا الحالي لا يوجد حيوان في ماضي وحاضر أرض جزيرة العرب كتب حوله الأدب وضرب فيه الأمثال ووضع رمزاً للغنى والجاه مثل الإبل، حتى إنها كانت حاضرة في أبيات شعرية كثيرة، منها قول الشاعر طرفة بن العبد: “وأشد ما ألقاه من ألم الجوى/ قرب الحبيب وما إليه وصول… كالعيس في البيداء يقتلها الظما/ والماء فوق ظهورها محمول”.
أيضاً كانت الإبل تسمى بالمال، فإذا أطلقت الأخيرة في كلام العرب أريد بها الإبل. ويقال لمن يجهلها “ما هكذا تورد الإبل”، وكانت في الوقت نفسه تشاركهم في الأفراح، فمهر العروس من النياق، وكلما زاد عدد النوق زاد قدر العروس، كما في قصة عبلة حين اشترط والدها على عنترة بن شداد مئة من النوق المغاتير.