حرية – (5/8/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
خلال السنوات الأخيرة، تصدرت الصين قائمة أقوى أسلحة البحرية عالمياً، وبعد تأسيس أول قاعدة بحرية خارج حدودها قبل 6 سنوات، تستعد بكين لبناء المزيد، فأين قد يحدث ذلك؟
كانت التقارير الغربية قد كشفت عن استراتيجية جديدة تعمل من خلالها الصين على بناء مدمرات وسفن حربية برمائية وحاملات وغواصات مُسلَّحة نووياً وقوارب هجوم سريع، إضافة إلى العديد من المنصات البحرية الأخرى ضمن جهد واضح لفرض هيمنتها إقليمياً وعلى البحار الدولية، وكذلك “استبدال الولايات المتحدة، الشريك المفضل لعدد من الدول في أنحاء العالم”.
يأتي ذلك بطبيعة الحال في سياق الحرب الباردة الجديدة بين بكين وواشنطن، والتي دخلت مرحلة خطيرة للغاية منذ تولي جو بايدن المسؤولية في البيت الأبيض وإعلانه عن “عودة أمريكا لقيادة العالم”، بينما ترفض الصين النظام العالمي الحالي وتريد استبداله بنظام متعدد القطبية.
أين قد تبني الصين قاعدتها البحرية الثانية؟
تناول تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية، عنوانه “بكين تنتشر في كل مكان.. وتبني قواعد بحرية”، يرصد المؤشرات والمعلومات المتاحة بشأن المكان المحتمل لاستضافة القاعدة البحرية الثانية بعيداً عن شواطئها الممتدة.
فقد اشتهرت الصين ببناء أول قاعدة خارجية لها، وهي منصة انطلاق لبحرية جيش التحرير الشعبي، في جيبوتي في عام 2017. أين إذن ستبني الصين القاعدة التالية؟ للإجابة عن هذا السؤال، اعتمد الباحثون على مجموعة بيانات معهد AidData لشفافية تكنولوجيا المعلومات والترميز الجغرافي، وتركز هذه البيانات على الموانئ وبناء البنية التحتية الممولة من قِبَلِ كياناتٍ مملوكة للدولة الصينية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بين عاميّ 2000 و2001، وبُنِيَت بالفعل بين عاميّ 2000 و2023. وتتضمن مجموعة البيانات التفصيلية 123 مشروعاً للموانئ البحرية في 78 ميناءً في 46 دولة، بقيمة إجمالية تبلغ 29.9 مليار دولار.
يتمثل الافتراض الأساسي لتحليل هذه البيانات في أن التمويل الصيني وبناء الموانئ والبنية التحتية ذات الصلة، الذي يجري إما من خلال المساعدات الأجنبية وإما عبر الاستثمار، هو أحد مؤشرات الموانئ أو القواعد التي قد تخدم خطط جيش التحرير الشعبي في أوقات السلم أو الحرب.
والسبب وراء ذلك هو أن القانون الصيني يفترض أن الموانئ المدنية اسمياً توفر دعماً لوجستياً للبحرية الصينية إذا لزم الأمر وعند الحاجة. فالعلاقات المالية التي أقيمت من خلال بناء وتوسيع الموانئ تدوم، مع دورة حياة طويلة الأجل. وتتطلع بكين أيضاً إلى ديونٍ غير نقدية مقابل نفقاتها؛ الاستثمار، زاد النفوذ الذي يتعين على الصين أن تطلبه من الخدمات.
تكشف البيانات التي فحصتها مجلة Foreign Policy الأمريكية أن الصين أصبحت قوةً بحريةً عظمى سواء على السواحل أو داخل البحار، ولديها علاقات غير عادية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في العالم.
إذ أقرضت البنوك الصينية المملوكة للدولة 499 مليون دولار لتوسيع ميناء نواكشوط في موريتانيا، الدولة التي يبلغ إجمالي الناتج المحلي فيها حوالي 10 مليارات دولار.
كما شهدت فريتاون، في سيراليون، تمويل مينائها بقيمة 759 مليون دولار، في حين يبلغ إجمالي الناتج المحلي للبلاد 4 مليارات دولار فقط. إنها محفظة عالمية تمتد حتى إلى منطقة البحر الكاريبي. رأس الجسر الرمزي هناك هو أنتيغوا وبربودا، حيث أنفقت الكيانات الصينية في أواخر عام 2022 ما يُقدَّر بـ107 ملايين دولار لاستكمال توسيع رصيف الميناء والجدران البحرية في ميناء سانت جون، وتجريف المرفأ، وبناء مرافق على الساحل.
قد يبدو الربط بين الاستثمار التجاري الظاهري والقواعد البحرية المستقبلية أمراً غريباً لأولئك الذين ليسوا على دراية بطريقة ممارسة الأعمال التجارية الصينية. ولكن يمكن تداول شركة بناء أو تشغيل ميناء صيني في بورصة شنغهاي وأيضاً أن تكون كياناً حكومياً رسمياً.
من بين اللاعبين الرئيسيين في بناء الموانئ شركة تشاينا كوميونيكيشنز كونستركشن المحدودة، وهي شركة هندسية وإنشاءات متعددة الجنسيات مملوكة للدولة ومتداولة بشكل عام. إحدى الشركات التابعة لها في الموانئ هي شركة تشاينا هاربور إنجنيرينغ المحدودة. وكلاهما لاعبان رئيسيان في بناء الموانئ في الخارج. في عام 2020، فرضت وزارة التجارة الأمريكية عقوبات على الشركة الأولى لدورها في بناء جزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي.
استثمار الصين في الموانئ
ولتضييق نطاق البحث، طبق الباحثون معايير أخرى أيضاً، بما في ذلك الموقع الاستراتيجي، وحجم الميناء وعمق المياه، وعلاقات الدولة المضيفة المحتملة مع بكين -يمكن قياس ذلك على سبيل المثال من خلال التوافق في التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما تم الاعتماد على صور الأقمار الصناعية المتاحة للجمهور بالإضافة إلى مصادر وتقنيات رسم الخرائط الجغرافية.
ومن كل ذلك، توصلت المجلة الأمريكية إلى قائمةٍ مختصرة من ثمانية مرشحين محتملين لقواعد جيش التحرير الشعبي المستقبلية: هامبانتوتا (سريلانكا)، وباتا (غينيا الاستوائية)، وجوادر (باكستان)، وكريبي (الكاميرون)، وريام (كمبوديا)، ولوغانفيل (فانواتو)، وناكالا (موزمبيق)، ونواشكوط (موريتانيا).
يُعَد طرد الولايات المتحدة أو الالتفاف حولها في غرب المحيط الهادئ أولوية بالنسبة لبكين، تماماً مثلما أن تحدي الولايات المتحدة والهند وبقية ما يسمى بالتحالف الرباعي في المحيط الهندي أولويةٌ أيضاً. ويقع أكثر من نصف القائمة المختصرة في الواقع في موانئ موجهة نحو المحيطين الهندي والهادئ، مثل جيبوتي. والمثير للدهشة هو كثافة الاستثمار الصيني، بما في ذلك في الموانئ على الجانب الأطلسي من إفريقيا.
ستكون القاعدة في غرب أو وسط إفريقيا بمثابة استعراضٍ جريءٍ للبحرية التي لا تزال ترسِّخ أقدامها في المياه الزرقاء بعد 15 عاماً فقط من تعلُّم الابتعاد عن سواحل الوطن، حين كانت تخوض مهمة مكافحة القرصنة في خليج عدن. ستضع القواعد الأطلسية جيش التحرير الشعبي لى مقربة نسبية من أوروبا، ومضيق جبل طارق، وممرات الشحن الرئيسية عبر المحيط الأطلسي. والتحول إلى المحيط الأطلسي سيعكس مسار اللعب.
8 موانئ.. 5 منها في آسيا و3 في إفريقيا
1- هامبانتوتا، سريلانكا: أنفقت الصين في الإجمالي أكثر من ملياريّ دولار في هامبانتوتا -أكثر من أي ميناء في أي مكان في العالم، وفقاً لمجموعة البيانات لدينا. وتمارس بكين سيطرةً مباشرة على المنشأة. وإلى جانب موقعها الاستراتيجي، وشعبية الصين بين النخب والسكان، وتوافق سريلانكا مع الصين في التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن هامبانتوتا هي المرشحة الأولى لبناء قاعدة مستقبلية للصين.
2- باتا، غينيا الاستوائية
أثارت مصادر في وزارة الدفاع الأمريكية مخاوف بشأن اهتمام الصين بقاعدة في باتا، والتقطت وسائل الإعلام الرئيسي هذه المخاوف بعد ذلك. إن عدم وجود أي بيان رسمي من بكين بشأن القاعدة لا يحسم الأمر بالضرورة -كان هناك نفيٌ متكرر من الصين في السابق أي نوايا من هذا القبيل بالنسبة لجيبوتي، حتى وقت الإعلان عن وجود قاعدة قادمة. استُخدِمَ الاستثمار التجاري كمدخل، ولكن في غضون أشهر، بدأ البناء. سياسياً، غينيا الاستوائية، بالإضافة إلى الكاميرون وتوغو، كلها محكومة بسلالاتٍ عائلية أو أنظمة استبدادية لسنوات طويلة، مع وجود خططٍ للخلافة موضع النقاش أو التنفيذ الفعلي.
3- جوادر، باكستان
العلاقات بين الصين وباكستان استراتيجية واقتصادية. باكستان هي الدولة الرئيسية لمناورة الصين الكبرى للبنية التحتية لخطة الحزام والطريق، وهي أكبر عميل منفرد لبكين للصادرات العسكرية. في باكستان، تعتبر السفن الحربية الصينية بالفعل عنصراً أساسياً: مع تحديثها، أصبحت البحرية الباكستانية أكبر مشتر أجنبي للأسلحة الصينية، حيث تقوم بتشغيل السفن الحربية والغواصات السطحية الصينية. تقع جوادر نفسها في موقعٍ إستراتيجي في أقصى غرب باكستان، وتوفر غطاءً لمضيق هرمز. تحظى الصين بشعبية كبيرة لدى الجمهور الباكستاني مقارنةً بالولايات المتحدة.
4- كريبي، الكاميرون
يأتي ميناء كريبي تالياً على هامبانتوتا فقط من حيث حجم الاستثمار الصيني. إنه المنافس المحتمل لبوتا، لكن الموانئ لا يفصل بينهما سوى حوالي 100 ميل (1600 كيلومتر) فقط. من المرجح أن تختار الصين واحدةً فقط منهما. يتماشى تصويت الكاميرون في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وموقعها الجيوسياسي العام، بشكلٍ جيد مع الصين. وفي أماكن أخرى، ستكون كايو في أنغولا، وفريتاون في سيراليون، وأبيدجان في كوت ديفوار كلها احتمالات أساسية لبناء قواعد صينية فيها، بناءً على حجم استثمارات بكين هناك.
5- ريام، كمبوديا
في حين أن الاستثمار الرسمي حتى الآن كان صغيراً، فمن المرجح للغاية أن تكون ريام، كمبوديا، مقراً لقاعدة بشكلٍ أو آخر لجيش التحرير الشعبي. بينما تحظى الولايات المتحدة والغرب بشعبية في كمبوديا، فإن رئيس الوزراء هون سين حليف قديم لبكين، وهذا هو المهم. ورغم أنه يخطط للتنحي في أغسطس/آب ليحل ابنه محله، فمن المتوقع أن يستمر في اتخاذ القرارات. لقد كان أداء النخبة في كمبوديا جيداً في إطار مبادرة الحزام والطريق وهم متحالفون بشكل وثيق مع الصين.
6 – لوغانفيل، فانواتو
أمضت بكين عقوداً في محاولة كسر أول سلسلة جزر تطوقها. يبدو بناء قاعدة لجيش التحرير الشعبي -حتى لو لم تكن كبيرةً للغاية- منطقياً في مكانٍ ما في جنوب أو وسط المحيط الهادئ. بينما تُظهر بياناتنا استثمارات صينية محدودة فقط في البنية التحتية للموانئ في المنطقة حتى الآن، فإن فانواتو هي أحد المواقع التي مُوِّلَ البناء فيها، في بورت لوغانفيل في جزيرة إسبيريتو سانتو. ليس استثمارٌ بقيمة 97 مليون دولار صغيراً، لأنه يضع فانواتو في قائمة أفضل 30 استثماراً على مستوى العالم، وفقاً لبياناتنا.
7- ناكالا، موزمبيق
في حين أن استثمارات الصين في الموانئ في موزمبيق لم تكن على نفس النطاق كما هو الحال في المواقع الأخرى، إلا أنها لم تكن ضئيلة. لم تشهد موزمبيق أيضاً رد فعل عنيفاً على القروض والاستثمارات الصينية التي شهدتها دول أخرى في شرق وجنوب إفريقيا، مثل كينيا وتنزانيا. وتحظى الصين بشعبية بين النخب وعامة السكان، وهي ترعى قدراً كبيراً من المحتوى الإعلامي في البلاد.
8- نواكشوط، موريتانيا
تقع نواكشوط على بُعد أكثر من ألفيّ ميل غرب باتا، على سبيل المثال. الدولة الواقعة في غرب إفريقيا هي أيضاً أقرب كثيراً إلى أوروبا ونقاط الاختناق مثل مضيق جبل طارق -ما يقرب من يومين فقط من الإبحار بسرعة 20 عقدة.