حرية – (23/8/2023)
تتبادل روسيا وأوكرانيا الهجمات بالطائرات المسيرة، فيما كشف مسؤولون أميركيون عن توجيه انتقادات ونصائح لتحركات الجيش الأوكراني، أسفرت عن إعادة نشر القوات في الآونة الأخيرة.
وبالتزامن مع الهجوم المضاد داخل الأراضي الأوكرانية، تشن كييف هجمات بالطائرات المسيرة تستهدف الداخل الروسي، لا سيما العاصمة موسكو، لكن متحدثاً باسم وزارة الخارجية الأميركية قال، الأربعاء، إن بلاده لا تشجع أو تمكن أحداً من شن هجمات داخل روسيا.
وأضاف المتحدث أن الأمر متروك لكييف لتختار كيف تدافع عن نفسها في مواجهة الغزو الروسي، مشيراً إلى أن بوسع موسكو إنهاء الحرب في أي وقت بالانسحاب من أوكرانيا.
جاء ذلك بعدما قالت السلطات الروسية إنها أسقطت طائرات مسيرة حاولت مهاجمة العاصمة موسكو، الأربعاء.
في المقابل، قال الجيش الأوكراني، الأربعاء، إن روسيا هاجمت بطائرات مسيرة مدينة أوديسا في الجنوب ومناطق على نهر الدانوب الليلة الماضية.
وزودت الولايات المتحدة كييف بمساعدات ضخمة في شكل أسلحة ومعدات عسكرية أخرى بدعوى مواجهة الغزو الروسي، لكنها قالت مراراً إنها لا تدعم الهجمات داخل روسيا.
نصائح أميركية
من ناحية أخرى، بدأت قوات أوكرانيا نقل وحدات قتالية من جبهات القتال في الشرق إلى الجنوب حيث تطمح في اختراق خطوط الدفاع الروسي وقطع خطوط الإمداد الروسية الأساسية قبل حلول الشتاء، وفق توجيهات خبراء أميركيين في التخطيط الاستراتيجي، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
وأرجعت الولايات المتحدة إخفاقات الهجوم الأوكراني المضاد في كسر الدفاعات الروسية إلى “انتشار عدد كبير من القوات الأوكرانية في المواقع الخاطئة”، وفقاً لما أفاد به مسؤولون أميركيون وغربيون.
ويتمثل الهدف الرئيسي من الهجوم المضاد في قطع خطوط الإمداد الروسية في جنوب أوكرانيا من خلال قطع الجسر البري بين روسيا وشبه جزيرة القرم، لكن بدلاً من التركيز على ذلك، وزع القادة الأوكرانيون قواتهم والعتاد القتالي بالتساوي تقريباً بين الشرق والجنوب، بحسب الصحيفة.
نتيجة لذلك، أعادت أوكرانيا نشر قواتها ووضعت عدداً أكبر من القوات قرب باخموت ومدن أخرى في الشرق، مقارنة بعدد القوات التي تتمركز قرب ميليتوبول وبيرديانسك في الجنوب، وهما جبهتان ذوات أهمية استراتيجية، حسبما أفاد المسؤولون.
وقالت “نيويورك تايمز” إن مخططين استراتيجيين من الجانب الأميركي قدموا نصائح لأوكرانيا بالتركيز على الجبهة المتجهة نحو ميليتوبول، والتركيز على اختراق خط الدفاع الروسي الأول المتمثل في حقول الألغام وخطوط الدفاعات الدفاعات الأخرى، حتى وإن تسبب ذلك في خسارة المزيد من الجنود والمعدات.
تغيير تكتيك الحرب
وقال مسؤول أميركي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن إحداث تغيير في التكتيكات فقط يمكن أن يغيّر وتيرة الهجمات المضادة.
واعتبر مسؤول أميركي آخر أن الأوكرانيين منتشرون بشكل متباعد جداً ويلزمهم تجميع قوتهم القتالية في مكان واحد.
وقد تكون أوكرانيا بحاجة الآن لتأخذ النصائح الأميركية بجدية، بحسب “نيويورك تايمز”، خاصة مع استمرار الخسائر التي تكبدتها واستمرار تفوق روسيا من حيث عدد القوات والمعدات.
وأصبحت الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر إلحاحاً في طلب ذلك، إذ أن الجنرال مارك ميلي، رئيس أركان القوات المسلحة الأميركية، ونظيره البريطاني الأدميرال توني راداكين، والقائد العام لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) المشتركة في أوروبا الجنرال الأميركي كريستوفر كافولي، حثوا في مؤتمر عبر الفيديو، في 10 أغسطس، القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية الجنرال فاليري زالوجني على التركيز على جبهة رئيسية واحدة، حسبما أكد مسؤولان مطلعان على تفاصيل المكالمة.
وقال المسؤولان لـ”نيويورك تايمز” إن زالوجني وافق على الطلب خلال المكالمة، مشيرين إلى أن دور راداكين خصوصاً كان مهماً في إقناعه.
ويتحدث ميلي إلى زالوجني كل أسبوع تقريباً بشأن الاستراتيجية واحتياجات الجيش الأوكراني، فيما تمنع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الضباط الأميركيين الكبار من زيارة أوكرانيا لأسباب أمنية ولتجنب زيادة التوتر مع موسكو.
غير أن بريطانيا لم تفرض أي قيود من هذا النوع، وعمل راداكين على تطوير علاقات وثيقة مع نظيره الأوكراني خلال رحلاته المتعددة إلى البلاد.
إعادة انتشار
ويقول المسؤولون الأميركيون إن هناك دلائل على أن أوكرانيا بدأت نقل بعض قواتها القتالية الأكثر خبرة من الشرق إلى الجنوب، غير أن معظم تلك الوحدات أُعيد تشكيلها مرات عديدة بعد تكبدها خسائر كبيرة في المعارك التي خاضتها خلال الهجوم المضاد شرقي أوكرانيا.
وبعد إعادة الانتشار الجديد، اخترقت القوات الأوكرانية خط دفاع روسي واحد على الأقل جنوبي أوكرانيا، بحسب مسؤولين أميركيين وأوكرانيين أشاروا إلى أن القوات الأوكرانية باتت قريبة جداً من استعادة السيطرة على قرية روبوتين الاستراتيجية جنوب شرقي البلاد، والتي كانت تحتلها قوات روسية، معتبرين أن استعادة القرية سيكون مؤشراً جيداً.
وتمكنت القوات الأوكرانية في الأيام الأخيرة من تحقيق بعض النجاح في الجنوب واستهداف بعض خطوط الإمداد الروسية، لكن تحقيق المزيد من التقدم قد يكون عملية بطيئة وصعبة نظراً للتحديات التي تواجهها.
وقال مسؤولون أميركيون للصحيفة إن أوكرانيا أمامها نحو شهر أو 6 أسابيع لمواصلة هجومها المضاد، قبل أن تضطر إلى وقف هجومها بحلول الشتاء.
وفيما لا يؤكد المسؤولون الأميركيون أن القتال لن يتوقف بشكل نهائي خلال موسم الأمطار، فإنهم يتوقعون أن تواجه القوات الأوكرانية صعوبات أكبر بكثير من الوقت الحالي لاختراق خطوط الدفاع الروسية.
ولفت مسؤولون أميركيون إلى أن الهجوم الأوكراني المضاد ليس محكوماً عليه بالفشل، لكنهم يقرون بأن الأوكرانيين قد لا يحققون الأهداف الرئيسية التي كانت تتوقعها كييف وحلفاؤها الغربيون.
الطريق إلى بحر آزوف
وبينما أظهرت القوات الروسية الصغيرة والمحصنة بشكل أفضل في الجنوب أداءً أقوى مما كان يتوقعه المسؤولون الأميركيون والمحللون، ما زالت روسيا تعاني من مشكلات منهجية، بحسب مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى قال إن “الجنود الروس يعانون من خطوط إمداد ضعيفة ومعنويات منخفضة ولوجستيات سيئة”.
ومع ذلك، تواصل روسيا اتباع “طريقتها التقليدية في خوض الحروب البرية في أوروبا، إذ تبدأ الحرب بشكل سيء في الأشهر أو السنوات الأولى، قبل أن تتكيف وتستمر في القتال بشكل أفضل مع مرور الوقت”، وفق الصحيفة.
على الجانب الآخر، واجهت القوات الأوكرانية بداية صعبة عندما شنت هجومها المضاد الأخير، ما استغرق أكثر من شهرين لاختراق خطوط الدفاع الروسية الأولى، بدلاً من أسبوع واحد كما كان يعتقد المسؤولون مبدئياً.
وتوقع مسؤولون أميركيون أن تصل القوات الأوكرانية إلى منتصف الطريق نحو بحر آزوف بحلول الشتاء، عندما قد يمنع الطقس البارد مواصلة القتال، وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى إن هذا سيكون “نجاحاً جزئياً”.
غير أن بعض المحللين يتوقعون أن تفشل المعركة المضادة حتى في تحقيق هذا الهدف المحدود، بحسب “نيويورك تايمز”.
وحتى إذا فشل الهجوم المضاد في الوصول إلى سواحل بحر أزوف، يقول المسؤولون والمحللون إنه في حال استطاعت القوات الأوكرانية التقدم بما يكفي لوضع الطريق الساحلي في نطاق مدفعية أوكرانيا والهجمات الأخرى، فقد يسبب ذلك المزيد من المشاكل للقوات الروسية في الجنوب التي تعتمد على هذا الطريق للإمدادات.