حرية – (27/8/2023)
كل ما حولنا يتغير بصعود الذكاء الاصطناعي، سواء في الشكل أو المضمون أو الطريقة التي يعمل أو ينجز بها، إذ لم ينج أي من القطاعات من التحولات التي فرضها على السوق، وفي ضوء هذا الوجود الآخذ في الاتساع، يبدو أن الحياة ستصبح أكثر سهولة مع الوقت، سواء على أصحاب العمل أو المستهلكين، إذ بات الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في صياغة استراتيجيات العلامات التجارية الناجحة والتنبؤ بسلوك المستهلك وتحليل اتجاهات السوق من خلال الاستفادة من أدوات التحليل وروبوتات الدردشة والحملات التسويقية المخصصة.
وبدأت كبرى الشركات مثل “تيسلا” و”غوغل” و”لينوفو” و”أمازون” و”مايكروسوفت” و”كوكا كولا” في استثماره لصياغة استراتيجيات التسويق الرقمي الخاصة بها، لذا يرى عدد من المتابعين في هذا المجال أن صعود الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة حقيقية في عالم العلامات التجارية.
أدوات عدة
ويمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تقديم رؤى وملاحظات مفيدة حول سلوك المستهلك وأنماط الشراء لديه وآرائه وتفضيلاته ومشاعره تجاه العلامة التجارية من خلال مراقبة منصات الوسائط الاجتماعية والمنتديات وتحليل بيانات المستهلك، بالتالي مساعدة المديرين في اتخاذ قرارات تتعلق بتطوير المنتجات وإنشاء محتوى جذاب واختيار نوع المحتوى الأفضل أداء والقنوات الأكثر فاعلية، بالتالي ضبط وتحسين الأداء العام للعلامة التجارية لتحقيق أقصى قدر من التأثير.
ويملك الذكاء الاصطناعي أدوات عدة تتطور وتنمو باستمرار، إذ يمكن له مثلاً التنبؤ بسلوك العملاء، فمن خلال تحليل البيانات من مصادر مختلفة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي وردود فعل العملاء، يمكن تحديد النماذج التي تظهر المنتجات أو الخدمات التي من المرجح أن تحظى بالنجاح الأكبر، ثم استخدام هذه المعلومات لتوجيه القرارات المتعلقة بالعلامة التجارية، بدءاً من تطوير المنتج وصولاً إلى الحملات التسويقية.
وكذلك تلعب أدوات الدردشة دوراً كبيراً في التواصل مع العملاء في الوقت الفعلي، إذ يمكن لروبوتات الدردشة محاكاة المحادثة البشرية من خلال استخدام معالجة اللغة الطبيعية (natural language processing)، وتزويد العملاء بإجابات فورية عن أسئلتهم واهتماماتهم.
ومن جهة أخرى يمكن استخدام تقنية التعرف إلى الصور المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحديد المحتوى المرئي وتحليله، بما في ذلك الشعارات وصور المنتجات ومنشورات الوسائط الاجتماعية، الأمر الذي يتيح المجال لمديري العلامات التجارية مراقبة كيفية تصوير علامتهم عبر الإنترنت وتحديد فرص التحسين.
أما أدوات إنشاء المحتوى المدعومة بالذكاء الاصطناعي، فيمكن استخدامها في التشغيل الآلي لعملية إنشاء المواد التسويقية بما في ذلك منشورات منصات الـ”سوشيال ميديا” ومقالات المدونات ونشرات البريد الإلكتروني من خلال تحليل بيانات تتعلق بالتركيبة السكانية للعملاء وتفضيلاتهم، وأيضاً يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتخصيص الرسائل التسويقية بناء على تفضيلات كل عميل وسلوكه وتحديد المنتجات أو الخدمات التي من المرجح أن تجذب كل عميل على حدة.
حياة أسهل ولكن
أما من ناحية المستهلك، فجاء الذكاء الاصطناعي حاملاً معه ميزة المساعدة في الاختيار من بين عدد لا حصر له من الخيارات، إذ كان يعتمد المستهلك في السابق على حدسه الذي قد يصيب مرة ويخطئ مرات، أما اليوم فأصبحت حياة المستهلكين أسهل واتخاذ القرار أسرع من خلال تقديم توصيات مخصصة متعلقة بالأفلام التي يجب مشاهدتها والاستثمارات اللازمة والمنتجات التي يجب شراؤها وانتقاؤها من بين خيارات أخرى كثيرة.
وتبعاً لطريقة التفكير هذه قد تغير هذه الآلية الجديدة من كيفية تفاعل المستهلكين مع العلامات التجارية فتضع أمامهم تحديات جديدة إلى جانب الفرص التي توفرها لهم لفهم المستهلكين المعنيين واستهدافهم بشكل أفضل، إذ يفكر عدد من أصحاب العلامات التجارية اليوم في الآثار التي قد تترتب على اختيار المنتج من قبل الذكاء الاصطناعي مباشرة الذي من المحتمل أن يقلل من قيمة دور العلامة ويغير الطريقة التي ينظر بها المستهلكون إليها.
خوارزميات الذكاء الاصطناعي ستعمل باستمرار على تقديم اقتراحات منتجات مخصصة باستخدام التحليلات التنبؤية، لتتسلم زمام عملية اختيار المنتج أثناء التسوق عبر الإنترنت بشكل كامل، وهنا يمكن أن نذكر عدداً لا نهائياً من سيناريوهات التسوق التي يمكن أن تتم من دون تدخل العملاء، كأن يصلك منتج إلى باب بيتك بعد أن تكتشف ثلاجتك نفاده قبل أن تدرك أنت ذلك، أو أن يقوم جهازك المنزلي الذكي بالاستجابة لطلب ما من خلال جمع البيانات حول عادات الشراء السابقة من منصة التجارة الإلكترونية المتصلة بك واتخاذ قرار الشراء من دون أي تدخل منك.
وبذلك ستستخدم الأجهزة المنزلية الذكاء الاصطناعي من أجل تبسيط عملية الشراء، لكن في الوقت ذاته ستقلل إلى حد كبير من مشاركة المستهلك في قرار الشراء، وكل هذا يعني تفاعلاً بشرياً أقل مع العلامة التجارية من جهة، وصعوبة أكبر بالنسبة إلى الشركات الجديدة التي تحاول كسب حصة في السوق من خلال استهداف عملاء المنافسين المباشرين.
تحديات من نوع آخر
إضافة إلى ذلك ظهرت تحديات من نوع آخر تتعلق بالأدوات ذاتها، فمثلاً استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد محتوى صوت خاص بالعلامة التجارية يطرح بحد ذاته بعض التحديات الخاصة به، أحدها ضمان جودة ودقة ووضوح المحتوى، فقد لا تلتقط أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل دائم الفروق الدقيقة والعواطف والسياقات المرتبطة بالاتصال البشري، مما ينتج أخطاء أو تناقضات أو عدم دقة يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بمصداقية العلامة التجارية وسمعتها.
ويتمثل التحدي الآخر في التعامل مع القضايا الأخلاقية، إذ في كثير من الحالات قد لا تعكس أدوات الذكاء الاصطناعي قيم العلامة التجارية ومعتقداتها وآراءها، وقد تنشئ محتوى غير مناسب أو مسيئاً أو مضللاً يمكن أن يثير هواجس أخلاقية ومسؤوليات قانونية، ويؤثر من جهة أخرى في ثقة العملاء وولائهم.
علاوة على ذلك، قد يفضل بعض العملاء التفاعل مع بشر حقيقيين بدلاً من ممثلي الذكاء الاصطناعي، وقد يشعرون بالخداع أو النفور بسبب ذلك، لذا يبقى الرهان دائماً على استخدام الذكاء الاصطناعي بحكمة وإبداع للاستفادة من قوته في دفع الابتكار والنمو في عالم العلامات التجارية.