حرية – (30/8/2023)
من المعروف أن الثقوب السوداء تمتلك جاذبية هائلة لدرجة أنها تستطيع ابتلاع النجوم، والكواكب، وحتى الثقوب السوداء الأخرى. لكن هل يستطيع ثقبٌ أسود أن يلتهم الكون بأسره قطعةً تلو أخرى؟
كيف يتكون الثقب الأسود؟
قبل أن نعرف ما إذا كان بإمكان الثقوب السوداء ابتلاع الكون بأكمله أم لا، دعونا نتعرف عن كثب على هذه الوحوش الكونية.. ببساطة شديدة، الثقب الأسود عبارة عن نجم ميت.
كي نفهم أكثر، كيفية تشكل الثقب الأسود ينبغي لنا تتبع دورة حياة النجوم من البداية، وسأشرح لكم الأمر هنا بشكل مبسط:
تحدث تفاعلات نووية داخل النجوم، مما يجعلها متوهجة ونابضة بالحياة، ويعتبر الهيدروجين وقوداً لهذه التفاعلات، فاحتراقه يضمن توهج النجم من جهة ويمنع انهيار النجم تحت تأثير جاذبيته من جهة أخرى.
لكن من المؤسف أن هذا الهيدروجين لا يدوم إلى الأبد -مع أنه يستمر في الاحتراق لملايين أو مليارات السنين- وعندما ينفد الهيدروجين أخيراً يبدأ النجم بالانهيار تحت تأثير قوة جاذبيته نفسها.. بمعنى آخر، يأكل النجم نفسه تحت تأثير جاذبيته، ثم.. يموت.
عند موت النجوم قد تتحول إلى واحد من ثلاثة أشكال مختلفة، تبعاً لكتلتها:
- إذا كانت كتلة النجم صغيرة، فستتحول إلى ما يسمى “القزم الأبيض” عندما تموت، والقزم الأبيض هو نجم ذو سطوع خافت وحجم صغير -تقريباً بحجم كوكب الزهرة- أطلق عليه اسم قزم، لأن حجمه صغير جداً مقارنة بأحجام النجوم.
- وإذا كانت كتلة النجم متوسطة، فستتحول إلى ما يسمى بـ”النجم النيوتروني”، وهو جرم سماوي ذو قطر متوسط يقدر بنحو 20 كم، وكتلته تتراوح بين 1.44 و3 كتل شمسية.
- أما إذا كان النجم عملاقاً ذا كتلة كبيرة، فإنه يتحول إلى ثقب أسود عند موته.
والثقب الأسود هو منطقة في الفضاء ذات كثافة مهولة (أي تحوي كتلة بالغة الكبر بالنسبة لحجمها) تفوق غالباً مليون كتلة شمسية.
وإضافة إلى كثافته الشديدة يتمتع الثقب الأسود بجاذبيته العالية أيضاً، حيث له القدرة على ابتلاع كل المواد المحيطة به، والجاذبية عظيمة لدرجة أنه حتى الضوء لا يستطيع الإفلات منها، ولهذا تسمى ثقباً أسود.
هل من الممكن أن يلتهم الثقب الأسود الكون بأكمله؟
الإجابة المختصرة هنا هي لا. لا توجد طريقة يستطيع الثقب الأسود التهام الكون بها، ولا حتى التهام مجرةٍ كاملة، بحسب وكالة ناسا. وإليكم الأسباب.
وتأتي فكرة ابتلاع الثقوب السوداء للكون من الاعتقاد الخاطئ بأنها تعمل مثل المكنسة الكهربائية وفقاً لغاوراف خانا، عالم فيزياء الثقوب السوداء في جامعة رود آيلاند. لكن الوضع ليس كذلك في الواقع.
وأوضح خانا: “لا تبتلع الثقوب السوداء سوى الأشياء شديدة القرب منها”. وفي الواقع، لا تبتلع الثقوب السوداء سوى الأجسام التي تدخل أفق الحدث الخاص بها، أي نقطة اللاعودة بالنسبة للثقب الأسود، والتي لا مجال للهرب بعد اجتيازها.
وإذا كانت كتلة الثقب الأسود تساوي كتلة الشمس على سبيل المثال، فلن يتجاوز أفق الحدث لذلك الثقب الأسود مسافة الميلين (3 كيلومترات). أما بالنسبة لثقب أسود له كتلة تساوي الأرض، فلن يتجاوز أفق الحدث بضع بوصات فقط، أي ما يعادل “حجم إبهامك”، وفقاً لما ورد في موقع Live Science الأمريكي.
لكن جاذبية الثقب الأسود تستمر في التأثير على النجوم والكواكب المحيطة، وربما تتسبب في دورانها داخل مدار كما يفعل الثقب الأسود في قلب مجرتنا، درب التبانة. لكن الثقوب السوداء لا تبتلع الكواكب والنجوم.
وفي مقال نشره موقع جامعة يورك، كتب أستاذ الفلك بول ديلاني: “إذا تحولت شمسنا (بأعجوبة) إلى ثقب أسود بالكتلة نفسها، فلن يشهد كوكبنا أي تغيير في قوى الجاذبية الموجودة عليه، وسيواصل الدوران في مداره. ولا شك في أن الكوكب سيصبح مظلماً وبارداً بشدة، لكن جاذبية الثقب الأسود على هذه المسافة لن تكون مشكلة”.
كما تجدر الإشارة إلى أن الثقوب السوداء صغيرة الحجم نسبياً بحسب تصريح أليكسي فيليبينكو، خبير الثقوب السوداء في جامعة كاليفورنيا بيركلي، لموقع Live Science الأمريكي. وأوضح أن الثقب الأسود يحتاج لمواجهة نجمٍ ما بصورة مباشرة حتى تكون هناك فرصة كبيرة نسبياً لالتهامه. وقد نشهد مثل هذه الأحداث الكونية بمرور الوقت. لكن التهام الثقب الأسود في مركز مجرتنا للشمس مثلاً يحتاج إلى “فترةٍ طويلة للغاية من الوقت”، وذلك حتى يصطف مدار النجم أمام الثقب الأسود مباشرةً، على حد قوله.
وإذا تحدثنا عن أكبر الثقوب السوداء المعروفة في الكون، مثل تي أو إن 618 الذي يزن نحو 40 مليار كتلة شمسية؛ فسنجد أنه يبدو قريباً من الحد الأقصى النظري لأكبر حجم يمكن أن يبلغه ثقب أسود كبير. وينبع هذا الحد الأقصى من فكرة أن الثقوب السوداء تنبعث منها أطنان من الإشعاعات، وذلك عندما تلتهم المواد المختلفة. وتؤدي الإشعاعات إلى تسخين وتأيين المادة المحيطة، ما يزيد صعوبة تبريد الغاز والغبار وسقوطهما في الثقب الأسود. ويسفر هذا في النهاية عن إبطاء وتيرة التهام الثقب الأسود للأجسام. ويُمكن القول إن عملية التنظيم الذاتي المذكورة هي التي تمنع الثقوب السوداء من التهام مجرات كاملة، فضلاً عن الكون بأسره.
ومن ثم يأتي دور التمدد المتسارع للكون، حيث أوضح خانا أن زيادة تباعد الأجسام في الفضاء تعني تقليل احتمالات اصطدامها بالثقوب السوداء، أو التهامها بواسطتها. وإذا كان أحد الثقوب السوداء سيبتلع الكون بأكمله، فسوف يتطلب الأمر حدوث تحولٍ هائل في المسار الذي يبدو أن الكون يسلكه الآن.
ولهذا يمكنك أن تنعم بالطمأنينة، وذلك في ما يتعلق بالثقوب السوداء العملاقة التي تبتلع الأكوان على الأقل. إذ قال خانا: “لا داعي للقلق حيال هذا الأمر”، إلا في حال كان الكون بأكمله يقع داخل ثقب أسود بالطبع.
لكن، هل من الممكن أن يدمر ثقبٌ أسود كوكبَ الأرض؟
الإجابة أيضاً هي لا.. لا تتجول الثقوب السوداء في الفضاء لتأكل النجوم والأقمار والكواكب. لن تسقط الأرض داخل ثقب أسود، لأنه لا يوجد ثقب أسود قريب بشكلٍ كافٍ من النظام الشمسي الذي تتبع له الأرض ليحدث هذا.
وحتى لو افترضنا وجود ثقب أسود بحجم الشمس، وحل محل الشمس، فلن تسقط الأرض بداخله، رغم ذلك. قد يحظى الثقب الأسود بجاذبية تماثل جاذبية الشمس.
لذا، فإن الأرض والكواكب الأخرى تدور حول ثقب أسود، بدورانها حول الشمس الآن.