حرية – (10/9/2023)
كان آخر ما يدور في ذهن القائمين على مشروع ترميم الجزء السلفي من (دار القنصل) في البلدة القديمة للقدس، اكتشاف “كنز أثري” يعود لحقبة تاريخية متلاحقة، ترجع إلى أكثر من 2000 عام، وتعكس التنوع الحضاري للمدينة.
وإثر بدء برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية أعمال الترميم في المبني التاريخي، عثرت طواقمه على آثار تاريخية تعود إلى الحقب الرومانية والبيزنطية والإسلامية.
ويقع المبنى في الحي الإسلامي بالقدس القديمة على مفترق طريق يصل إلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وتبلغ مساحة طابقه السفلي أكثر من 1200 متر مربع.
مبان تاريخية
وتقع البلدة القديمة للقدس فوق سبع طبقات أرضية، تضم كل واحدة منها حقبة تاريخية مرت على المدينة.
وفي عام 1856، اتخذ قنصل بروسيا فريدريك روزين من الدار مسكناً له، ومقراً لقنصلية بلاده، حيث استخدمت الطوابق الأرضية للمبنى كمكاتب سياسية وثقافية للقنصلية.
ويضم (دار القنصل) الذي تعود ملكيته إلى (حراسة الأراضي المقدسة) التي تنتمي إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، تجمعاً سكنياً فيه 40 شقة مأهولة بالفلسطينيين.
وبعد أسابيع على بدء إزالة النفايات والأنقاض من الطابق السفلي في الدار، اكتشف العاملون قنوات وآباراً للمياه، وحمامات، ومعاصر للزيتون والسمسم ومرابط للخيل، وبقايا أعمدة، وسراديب في الأسفل.
وتضمنت أعمال الترميم أكثر من 2400 متر مربع في الطابق السفلي والطوابق العلوية، التي تضم نحو 40 شقة تقع في ستة مبان تاريخية.
وأشرف برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وجامعة القدس على عملية ترميم الدار بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي في عملية استغرقت نحو ثمان سنوات.
وتحول الجزء السفلي من المبنى إلى ما يشبه المتحف الأثري للسياحة الداخلية والخارجية، وإلى مقر لتنظيم الفعاليات التعليمية والثقافية لخدمة الفلسطينيين في مدينة القدس.
أصبح الجزء السفلي للمبنى منارة تاريخية وثقافية في القدس
لمسات جمالية
ولإبراز العناصر الأثرية في المبنى والحفاظ عليها، زود بأنظمة تشغيل إلكترونية ذكية، وأجهزة استشعار حسية، وأنظمة آمنة لمكافحة الحرائق، وفتحة سقف لإدخال الضوء والهواء، كما أدخلت لمسات تصميم جمالية على الممرات الرئيسة للمبنى.
وبعد أن كان مكباً للنفايات، أصبح الجزء السفلي للمبنى منارة تاريخية وثقافية في المدينة مجهز بأحدث طراز، وذلك بعد عملية إعادة التأهيل.
هذا وأشار منسق المشاريع في برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية أمجد طه إلى اكتشاف “كنز أثري في المبنى يضم قطعاً تاريخية تعود للحقب الرومانية والبيزنطية والإسلامية المتنوعة”.
تم تزويد المبنى السفلي بنظام تدفئة أرضي وآخر لمكافحة الحرائق مربوط ببئر مياه
وتابع طه بأن “عمليات الترميم بدأت في نحو 700 متر مربع من الجزء السفلي قبل أن تتوسع لتصل إلى 1200 متر مربع، وكان من الممكن أن تزيد أكثر لولا الخشية من الانهيارات في المبنى”.
وأوضح أن مشروع الترميم تضمن تقوية الأعمدة التي يقوم عليها الجزء السفلي من المبنى، خشية حدوث انهيارات مسقبلية، وللحفاظ على سلامة السكان فيه.
وتم تزويد المبنى السفلي من دار القنصل وفق طه، بنظام تدفئة أرضي وآخر لمكافحة الحرائق، مربوط ببئر مياه في المبنى.
مشروع الترميم تضمن تقوية الأعمدة التي يقوم عليها الجزء السفلي من المبنى
وبحسب طه الذي ما زال يشرف على دار القنصل حتى بعد تشغيله، فإن المبنى كان يستخدم قبل مئات السنين مكاناً لربط الخيل، ومعصرة للزيتون والسمسم.
“كل زاوية في المبنى تعكس حقبة تاريخية تعاقبت على القدس” قال طه، مضيفاً “كلما صعدت إلى الأعلى كانت الحقبة أحدث”.
وحراسة الأراضي المقدسة هي مجموعة دينية تأسست على يد فرنسيس الأسيزي بعد لقائه مع خامس سلاطين الدولة الأيوبية الكامل ناصر الدين محمد خلال رحلته إلى الحج في الأراضي المقدسة عام 1217.