حرية – (12/9/2023)
شهد المغرب يوم الجمعة 9 سبتمبر/أيلول 2023 زلزالاً يعتبر الأقوى في البلاد منذ 100 سنة، والذي ضرب إقليم الحوز بالقرب من مدينة مراكش التي تضررت هي الأخرى جراء هذا الزلزال، إذ أدى إلى سقوط العديد من المنازل خاصةً في حي الملاح بالمدينة القديمة والذي يعتبر من أقدم الأحياء بها.
مراكش أو المدينة الحمراء أو مدينة سبعة رجال كما يسميها بعض المغاربة، تختلف أسماؤها إلا أنها تعبر كلها عن واحدة من أجمل المدن المغربية التي تقع وسط جبال الأطلس الكبير، تعتبر مراكش المدينة الأولى في المغرب من حيث عدد استقطاب السياح، وذلك لضمها العديد من المناطق التاريخية والأماكن الطبيعية التي تميزها.
مراكش هي مدينة ذات مُناخ صحراوي حار خلال فصل الصيف، فيما تعتبر من المدن الباردة خلال فصل الشتاء بحكم قربها من جبال الأطلس الكبير ومنطقة أوريكا التي تشهد تساقطات للثلوج خلال هذا الفصل.
عبر التاريخ شهدت هذه مدينة مراكش العديد من التغييرات سواء في الحكم من المرابطين إلى الموحدين والسعديين وصولاً إلى العلويين الذين يحكمون المغرب إلى اليوم.
مراكش.. تاريخ يعود إلى قرابة 1000 سنة
حسب موقع “britannica” البريطاني يعود تاريخ تأسيس مدينة مراكش إلى زمن المرابطين، فيم تختلف الروايات في تفسير الاسم، إذ فسّرها البعض بكلمة أمازيغية تعني “مرّ بسرعة”، فيما فسّرها آخرون بأنها تعني أرض الله.
كان اسم “مراكش” يطلق على كل المغرب قديماً منذ أن تأسيسها وإعلانها عاصمة للمرابطين إلى عهد الاحتلال الفرنسي في العصر الحديث، ولا تزال هذه التسمية متداولة في كل اللغات، مثل الفارسية “مراكش”، والإسبانية التي يسمون المغرب بمارويكوس بالإضافة إلى الإنجليزية “موروكو”.
تأسست مدينة مراكش سنة 1062 في البداية على يد يوسف بن تاشفين، زعيم إمبراطورية المرابطين المغربية. كما يعتبر من أبرز زعماء البلاد، حيث يعمل على الترويج للنظام الإسلامي في جميع أنحاء البلاد بالإضافة إلى الأندلس وجزء من المغرب العربي.
استولت حركة دينية جديدة من الأطلس الكبير تسمى الموحدين على مدينة مراكش من المرابطين عام 1147 ورفض الخليفة الموحدي عبد المؤمن دخول المدينة لأنه ادعى أن المساجد في مراكش لم تكن موجهة بشكل صحيح.
وبعد سنوات قليلة أمر عبد المؤمن ببناء مسجدين، أحدهما مسجد الكتبية الشهير، وهو التوأم الثالث لكل من صومعة حسان بالرباط وصومعة إشبيلية بالأندلس “إسبانيا”، أما سنة 1230، استولى المأمون من السلالة المرينية التي حكمت المغرب خلال تلك الفترة على مراكش.
وبعد فترة وجيزة، أجبر شقيقه أبو يوسف يعقوب الموحدين على التراجع إلى الأطلس وحكم المرينيون مدينة مراكش على مدى القرنين التاليين، خلال هذه الفترة، تم نسيان المدينة قليلاً، إذ نقلت الأسرة الحاكمة العاصمة إلى مدينة فاس.
عادت المدينة إلى الحياة خلال الخلافة السعدية التي جعلت من مراكش عاصمة لهم خلال القرن السادس عشر، من أشهر المعالم الهندسية التي تعود إلى هذه الفترة نجد مسجد باب دكالة ومدرسة بن يوسف التي بُنيت سنة 1570.
حرص السعديون على طلاء جدران المدينة باللون الأحمر الآجوري الذي تعرف به إلى اليوم، لقيت المدينة اهتماماً كبيراً خلال الحكم العلوي أيضاً وخصوصاً أيام السلطان سيدي محمد، فبنيت فيها أحياء ومعالم عديدة ورُمّم عدد من مساجدها وأسوارها ومعالمها البارزة.
وفي عام 1911، تم نقل العاصمة إلى الرباط وأصبحت مراكش عاصمة المنطقة الجنوبية الغربية الوسطى من البلاد. في الوقت الحاضر، يعتمد الاقتصاد الرئيسي للمدينة على السياحة، بالإضافة إلى المنتجات الزراعية التي يتم تصديرها بشكل رئيسي إلى أوروبا وأغذية الخضراوات المعلبة.
منذ سنة 1985 أُدرج القسم القديم من مدينة مراكش في لائحة التراث العالمي التابعة منظمة اليونسكو العالمية.
تعرف مراكش أيضاً بلقب “مدينة سبعة رجال”، ويرجع الباحثون أصل ذلك إلى مجموعة من كبار العلماء والصوفية الذين عاشوا في المدينة واضطلعوا بدور كبير في نشر الوعي السياسي والفكري والتربوي وسط سكانها، وهم:
- يوسف بن علي الصنهاجي
- عياض بن موسى اليحصبي
- أبو العباس السبتي
- محمد بن سليمان الجزولي
- عبد العزيز التباع
- محمد بن عجال الغزواني
- عبد الرحمن الضرير
الموقع الجغرافي المميز لمراكش وسط المغرب
تقع المدينة الحمراء مراكش في منطقة سهلية ذات أرضية زراعية والتي تتميز بالعديد من الأنهار التي تعبرها، من بينها نهر تانسيفت والعديد من الوديات أبرزها نفيس وأوريكا، تتميز المنطقة أيضاً بجبال الأطلس الكبير التي تحيط بها، أبرزها قمة جبل توبقال الأعلى في المغرب.
بالإضافة إلى المحميات الطبيعية والمساحات الخضراء الكثيرة فيما تنتشر بها الهضاب الداخلية والساحلية، لمراكش مُناخ شبه صحراوي وشبه استوائي.
الشتاء في مراكش ذو جو معتدل أما في الصيف فحار، وبسبب ارتفاعها عن مستوى سطح البحر تنخفض فيها درجات الحرارة ليلاً. ويعد جبل توبقال أعلى قمة في مراكش مؤثراً كبيراً في ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى الصحراء الكبرى التي تحمل الرياح القادمة منها رمالاً.
الأماكن السياحية في مراكش
بحكم تاريخ مدينة مراكش الفريد تزخر مدينة مراكش بالعديد من الأماكن السياحية المهمة التي تستقطب سنوياً العديد من السياح من مختلف الجنسيات، لعل أشهر مكان سياحي بالمدينة والقلب النابض بها هي ساحة الفنا القريبة من المدينة القديمة.
تٌعد ساحة جامع الفنا من أهم الساحات المركزية وأكبرها في المدينة، وتضم مجموعة من الباعة المتخصصين في بيع العديد من المنتجات والسلع المميزة خلال الصباح تتميز الساحة بالحلقة، وهي مجموعة من الناس الذين يقومون بسرد مختلف الحكايات أو عرض بعض المسرحيات التمثيلية.
بالإضافة إلى الأشخاص الذين يقومون باللعب مع القرود أو أنواع مختلفة من الثعابين، فيما يختلف شكل الساحة خلال الليل، إذ تصبح أكبر ساحة للمأكولات الشعبية في العالم.
غير بعيد على ساحة الفنا نجد جامع الكتبية الذي بني سنة 1147 من قبل الخليفة عبد المؤمن بن علي على أنقاض قصر الحجر المرابطي الذي كشفت التنقيبات الأثرية على بناياته ومكوناته المعمارية.
أما المسجد الثاني فقد تم بناؤه في سنة 1158 م، وهو يشبه من حيث الحجم البناية الأولى، وينتظم في قاعة للصلاة مستطيلة الشكل تضم 17 رواقاً موجهاً بشكل عمودي نحو القبلة، تحملها أعمدة وأقواس متناسقة وتيجان فريدة تذكر بتلك التي نجدها بجامع القرويين بفاس.
من بين الأماكن السياحية في مراكش أيضاً التي تلقى العديد من السياح والزوار من داخل البلاد حديقة ماجوريل، وهي محمية نباتية تستقطب قرابة 600 ألف زائر سنوياً، ترجع تسميتها “ماجوريل” نسبة لمؤسسها الرسام الفرنسي جاك ماجوريل.
تقع الحديقة في شارع كليز الراقي في المدينة الحمراء، وتضم حوالي 300 نوع من النباتات الحديثة والنادرة بمختلف الألوان والأشكال المنحدرة من مختلف القارات حول العالم والمزروعة على مساحة تقارب 10 آلاف متر مربع.
تقع وسطها فيلا زرقاء مصممة على طراز الفن الزخرفي الفرنسي تتخللها بعض لوحات ماجوريل ومتحف للذاكرة عن التاريخ الأمازيغي بالإضافة لمتحف عن الفنون الإسلامية. ومنذ سنة 2011، كما تنتمي إلى مؤسسة ماجوريل جاردن التي تضم كذلك متحف إيف سان لوران الذي اشترى الحديقة سنة 1980.