حرية – (2/10/2023)
في 21 أيلول (سبتمبر) الماضي، أصدر محافظ سقطرى اليمنية الواقعة في المحيط الهندي، قراراً بمنع بيع نبتة القات وتعاطيها في الجزيرة، وهو قرار جريء، جاء في وقت أصبح القات هو شجرة الجحيم بالنسبة الى اليمن واليمنيين، لما له من أضرار سلبية على الحياة الصحية والاجتماعية. لكن القرار لاقى انتقاداً واسعاً، وتشكيكاً في قدرة السلطات على تنفيذه.
منذ 3 سنوات، اتخذت عدن ومحافظة حضرموت إجراءات ضدّ انتشار ظاهرة تعاطي القات، ولكنها كانت إجراءات مدروسة وممكنة التنفيذ، وليست صدامية كما هو الأمر في سقطرى. فقد قامت السلطات بمنع تعاطي القات في الأماكن العامة، وإبعاد أسواق بيع القات عن المدن والأسواق العامة، وهو ما أوجد وعياً وتقبّلاً مجتمعيين، وخفّف بشكل كبير من الظاهرة، من دون قرار بالمنع النهائي.
عادة اجتماعية متجذّرة
مضغ القات هو تقليد اجتماعي متجذّر في الثقافة اليمنية، إذ يُعتبر علامة على الوجاهة الاجتماعية، وتشجع المناطق القبلية على تناول القات كجزء من التقاليد، بل أنّ بعض الأسر تُجبر أطفالها على التزام هذه العادة، كطقس يومي للتواصل في مجالس كبيرة على مستوى المنطقة، وذلك بحضور شيخ القبيلة وكبار شخصياتها، وهذا الاعتياد يعكس أيضاً دوافع نفسية لدى العديد من الأفراد، وهو ما جعل القات سلعةً ذات انتشار واسع.
تختلف أسعار القات بحسب الأسواق والمناطق التي تنمو فيها، فثمة اختلافات بين أشجار القات، ويختلف مفعوله من فصيلة الى أخرى نتيجة الطقس والجغرافيا التي يُزرع فيها. ووفقاً لتقديرات حكومية، يصل إنفاق اليمنيين على القات إلى نحو 12 مليار دولار سنوياً، فضلاً عن هدر المياه الجوفية على زراعته، والتي توسعت على حساب محاصيل وزراعات أخرى كالبن والقطن والتبغ.

يشرح الناشط الاجتماعي حسين الوادعي، الحالة الجماعية والنفسية لمتعاطي القات بقوله: “ثمة أشخاص مدمنون على تعاطي القات منذ أكثر من 30 عاماً، ومع ذلك فالمدمن مقتنع أنّ القات ليس مخدّراً ولا يسبّب إدماناً، ويعجز عن التوقف عن تعاطيه حتى لأسبوع واحد، فيصحو من النوم ليفكّر في القات، ويذهب إلى النوم محمّلاً بهموم قات اليوم التالي، ومع ذلك يبدو مقتنعاً كل القناعة أنّه صاح وواعٍ”.
تهديد بالفقر المائي
بحسب دراسات أعدّتها وزارة الزراعة والمياه اليمنية، فإنّ زراعة القات تستهلك 10 أضعاف المياه التي تحتاجها أي زراعات أخرى، وذلك في بلد مهدّد بالجفاف، إذ يعتمد اليمن على مياه الأمطار والمياه الجوفية في توفير الحاجات اليومية من المياه العذبة، إلاّ أنّ الحفر العشوائي للآبار على أيدي مالكي مزارع القات، أضرّ بشكل كبير بمخزون المياه الجوفية، خصوصاً في محافظات حجة وعمران وصنعاء، فقد وصل عدد أشجار القات المزروعة في البلاد إلى نحو 350 مليون شجرة، في مساحة مزروعة تُقدّر بأكثر من 200 ألف هكتار.

ووفقاً للخبير في مجال المياه والبيئة الدكتور أمين راجح، فإنّ شجر القات يستهلك سنوياً أكثر من 800 مليون متر مكعب من المياه، “وعندما ننظر إلى الهكتار الواحد، نجد أنّه يحتاج إلى كمية مياه تقديرية تصل إلى نحو 7000 متر مكعب، هذا الرقم يتجاوز استهلاك المياه اللازم لزراعة القمح بمقدار 4000 متر مكعب للهكتار، في صنعاء فقط تستهلك زراعة القات أكثر من 100 مليون متر مكعب سنوياً”.
مصدرٌ للعيش أم تهديدٌ اقتصادي؟
منذ 4 أعوام اتجه عبدالله محمد إلى نزع أشجار المانغو والبن من مزارعه في محافظة عمران، لتحلّ مكانها أشجار قات البلوط، الصنف المفضّل لدى بعض السعوديين، ويُعتبر الأعلى سعراً مقارنة ببقية الأصناف. ويتمّ تهريب هذا الصنف إلى المملكة عبر طرق جبلية في محافظة صعدة التي أصبحت ملجأ للآلاف من العاطلين عن العمل، إذ أنّ عملية النقل الواحدة تُكسب المهرّب نحو 2000 ريال سعودي، وتتمّ خلال يومين فقط.
يقول عبدالله محمد لـ”النهار العربي”: “بعد توقف تصدير الفواكه إلى الخارج بسبب الحرب، أصبحت زراعة الفواكة والخضروات مُكلفة لجميع المزارعين، لأنّها تتلف بسرعة، خصوصاً في ظلّ عدم توافر الثلاجات والكهرباء، ولم يبق من خيار أمام معظم المزارعين غير الاتجاه إلى زراعة القات الذي يبلغ مردوده المالي 5 أضعاف المردود من زراعة باقي المنتجات الزراعية، خصوصاً أنّه السلعة الأكثر طلباً في اليمن، وكذلك تهريبه الى السعودية يدرّ أموالاً طائلة للمزارع والمُهرّب، بعدما توقفت رواتب الموظفين وانهارت العملة المحلية”.
ويرى الكاتب والباحث في التاريخ اليمني مروان الغفوري، أنّ “القات، بغض النظر عن موقف الأفراد منه كعادة شخصية، أصبح جزءاً مهمّاً من الاقتصاد وسبيلاً للعيش للعديد من الأسر في اليمن، وهو آخر فرصة لتدوير المال بين الريف والمدينة، والحل الوحيد للتخلّص منه هو إيجاد أنماط اقتصادية حديثة قادرة على توفير مزيد من فرص العمل، حينها سيتلاشى القات تدريجياً كعادة واقتصاد”، وفق تعبيره.