حرية – (15/10/2023)
17 سيدة جمعهن المرض في قاعة مليئة بالألوان الزاهية، مشين على البساط باعتداد وفخر بالنفس قبل أن يلتحق ثماني نساء منهنّ بأزواجهن ليقدّموا معاً “رقصة الأمل”.
هكذا كانت الأجواء في أحد فنادق تونس، مع تنظيم النسخة الثانية من حدث استثنائي تقول إحدى منظماته، وهي الصحافية نسرين بن خديجة، إنه يسعى إلى مكافحة المفاهيم الخاطئة عن مريضات السرطان، إضافة إلى رفع معنوياتهن في يوم يتصدرن فيه مشهد البطولة على رغم الصعوبات التي يعانينها بسبب المرض، وهو مناسبة لكسر الكثير من الصور النمطية عن مريضات السرطان وعن مقاييس جمال أجساد النساء وأنوثتهنّ.
تشدّد بن خديجة في حديثها على أن “كلّ النساء جميلات حتّى لو فقدن جزءاً من أجسادهن، هذه رسالتنا لكلّ امرأة عاشت هذه المحنة”.
قبل سنوات عاشت بن خديجة بدورها تجربة الإصابة بسرطان الثدي، وخاضت ضدّه صراعاً شرساً انتهى بانتصارها عليه، وتؤكد أن ذلك لم يكن سهلاً: “هي تجربة قاسية ومريرة ومتعبة، هي أشبه بزلزال يهزّ كيانك ويهزّ كل عالمك ويمتدّ لمن حولك، البعض من النساء ينجحن في الوقوف بوجهه وبعضهن الآخر قد ينتهي معهن مدمراً”.
واجهت بن خديجة مرض السرطان أو “الغول” كما صارت تسميه بالقوّة والإرادة وحبّ الحياة، لتترجم رحلتَها مع المرض عبر كتابها “دليل الأمل” الذي تروي فيه تفاصيل صراعها وتبعث الأمل في نفوس السيدات الأخريات ليجتزن هذه المحنة، وتقول إنّها اليوم تشعر أن من واجبها أن تقدم الدعم لكلّ امرأة تعيش التجربة نفسها وأن “تبعث فيها شيئاً من الأمل حتّى تستمر في رحلة كفاحها”.
ألوان ورقص
بألوان زاهية متدرجة من السواد إلى الأبيض، تبخترت المشاركات في عرض الأزياء الذي اختار له منظموه وهم إدارة مجلة femmes maghrébines تسمية حمّالة لكثير من الرسائل: “المحاربات”، وتقول بن خديجة: “هنّ فعلاً محاربات لأنهنّ يواجهن غولاً عليهنّ الانتصار عليه، ليس بتجنب الموت لأنه لا أحد يمكنه أن يفرّ منه، بل التمسك بالبقاء على قيد الحياة”.
اختار المشرفون على تصميم أزياء العرض أن تكون الأقمشة خفيفة وطبيعيّة، والألوان زاهية ومبهجة لتبرز جمال المشاركات اللواتي ارتدينها في عرض على الجمهور بكلّ فخر واعتزاز. تقول بن خديجة إنه عرض يكشف مدى شجاعتهن ونجاحهن في تحقيق المصالحة مع الذات، وتضيف: “تراوحت أعمارهن بين 27 سنة و70 سنة، بعضهن نجحن في التغلّب على سرطان الثدي والبعض الآخر لا يزال يواصل حربه ضده، منهنّ من خسرن ثديهنّ ومنهنّ من قمنَ بعملية إصلاح وثمة من اخترن ترك آثار الجرح بارزة ليذكرهنّ بانتصارهنّ في معركة شرسة”.
مع الأزواج
أمّا الجزء الثاني من السهرة، فكان بعنوان “رقصة الأمل” وشاركت فيه ثماني نساء ارتدين “الفوطة والبلوزة” (لباس تقليدي تونسي) ورقصن مع أزواجهنّ على أنغام أغاني المطربة الفرنسية أديت بياف ليشعْن الكثير من الفرحة والبهجة في القاعة المكتظة بالحاضرين من أطبّاء ومشاهير ودبلوماسيين.
تقول بن خديجة إنّ هذا العرض الراقص الذي اختير له اسم “رقصة الأمل” كان الهدف منه إشراك الزوج في هذا العرض الاستثنائي، موضحة أنه “كثيراً ما تؤثر رحلة الصراع مع سرطان الثدي على العلاقة الزوجية، فالمرأة لا تعيشها بمفردها، إذ يشاركها فيها كلّ أفراد عائلتها، ولزوجها دور مهّم فيها”. وتضيف “لكن للأسف كثيراً ما سمعنا قصصاً مؤلمة عن نساء تخلّى أزواجهن عنهنّ عند اكتشاف مرضهنّ”، وتتابع أنه “ليس من السهل على الزوجة خوض هذا الاختبار الصعب من دون مساندة من شريكها، لذلك أردنا أن نبرز أهمية أن تكون ثمة مساندة ودعم وتفهّم من الأزواج لزوجاتهنّ المحاربات”.
أمّا سهى، وهي إحدى المشاركات في العرض الراقص والتي أصيبت بسرطان الثدي قبل أن تكتشف العائلة في وقت لاحق إصابة شقيقتها ثم والدتها بالمرض نفسه، فتؤكد أنّ هذا الحفل كان مناسبة للفرح ولبعث رسائل إيجابية لكلّ سيدة تمرّ بهذه المحنة، مضيفة أنه “من حسن حظي أنني عشت هذه التجربة قبل شقيقتي وأمّي حتّى أكون سنداً لهما، لأن السند العائلي في مثل هذه الاختبارات مهم جداً. نحن هنا لنقول للجميع إن من حقّ المرأة التي أصيبت بالسرطان أن تتمسك بالحياة وأن تكون جميلة وأن تعيش لحظات من السعادة والفرح، لأنّها فعلاً محاربة شرسة تستمد قوتها من داخلها”.
3 آلاف إصابة
وبحسب آخر الإحصاءات لوزارة الصحّة التونسية، يناهز عدد الإصابات الجديدة بسرطان الثدي 3000 حالة سنوياً، وهو معدل آيل إلى الارتفاع بدءاً من سنة 2024، إلى 3800 أو 4000 حالة جديدة سنوياً، وفق توقعات كثير من المتخصصين في المجال.
ويعتبر هذا النوع من السرطان أكثر أنواع المرض انتشاراً بين النساء في تونس بنسبة 30 في المئة من مجموع السرطانات.
ويشتكي عدد كبير من النساء المصابات في تونس بسرطان الثدي من صعوبة العلاج في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة ضربت البلد منذ سنوات وطالت قطاعه الصحي وكانت وراء فقدان الكثير من الأدوية، بما في ذلك أدوية السرطان، إلى جانب الاكتظاظ الكبير في المستشفيات الحكومية المتخصصة في علاج الأورام.