حرية – (15/10/2023)
في عام 1983 خرجت مسيرة تاريخية “ضد العنصرية ومن أجل المساواة في الحقوق” من مارسيليا (جنوب فرنسا) إلى باريس حاملة آمال أبناء المهاجرين. وبعد مرور 40 عاماً، لا يزال صدى غضب المحتجين يتردد في الأحياء الشعبية.
بعد انطلاق نحو 10 أشخاص سيراً من مارسيليا في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 1983، وصلوا إلى العاصمة في 3 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث استقبلهم نحو 100 ألف شخص. كانت المرة الأولى التي يتم خلالها تسليط الضوء على التمييز اليومي الذي يعيشه المهاجرون وأبناؤهم في فرنسا.
تقول حنيفة تاغلمنت (61 سنة) إحدى المشاركات في المسيرة، “كنا على هامش المجتمع وفي حالة حرب، لأن حياتنا اليومية كانت عبارة عن رصاص ووفيات وتدقيق أمني بناءً على ملامح الوجه… كل ذلك وسط لا مبالاة عامة”.
كانت الهجمات العنصرية والاشتباكات مع الشرطة في الأحياء الشعبية منتشرة بكثرة في فرنسا خلال ثمانينيات القرن الماضي، على خلفية التقدم الذي حققته الجبهة الوطنية، وهي حزب يميني متطرف أعيدت تسميته “التجمع الوطني”.
وتضيف تاغلمنت، “كان هناك خياران متاحان أمامنا عادة، الغرق في الاكتئاب أو الكراهية”، مضيفة أن “البقاء معاً سمح لنا بالصمود. كانت هذه المسيرة ضد اليأس”.
بعد 20 عاماً يقول عالم الاجتماع عبدالعلي حجة، “كانت هذه المرة الأولى التي يسمعهم فيها جمهور وطني، وتجمعهم تعبئة عبر خطاب إيجابي”.
وأحد الأسباب وراء انطلاق المسيرة كان مقتل الطفل توفيق وانس (9 سنوات) في يوليو (تموز) من العام نفسه برصاص أحد جيرانه في لا كورنوف بمنطقة باريس. وعلى رغم أن طبيعة هذه الجريمة العنصرية بقيت موضع نقاش، فإن الأحياء التي كانت تشعر بأن السلطات العامة تخلت عنها، كانت تشهد توترات اجتماعية متكررة.
واتخذ الأمر بعداً جديداً في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 1983 عندما تعرض سائح جزائري للضرب وألقى من قطار.
حتى ذلك الوقت، كانت الشكوك قد بدأت تثار لدى اليسار الموجود في السلطة، الذي بدأ يرسل مبعوثين في ظل معرفته بتطور هذه الحركة الاجتماعية.
واستقبل الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران وفداً في باريس. وعلى رغم أنه رفض منح حق التصويت للأجانب في الانتخابات المحلية، فإنه وعد بإعطاء تصريح إقامة صالح لمدة 10 سنوات للمهاجرين والنظر في الجرائم العنصرية أمام المحاكم.
وتقول حنيفة تاغلمنت، “نجحت هذه المسيرة في إظهار الجيل الثاني (من أبناء المهاجرين)، وعنف الشرطة والجرائم العنصرية”.
مع ذلك، أعرب نشطاء وأفراد خلال أمسية في مارسيليا، أول من أمس الخميس، عن أسفهم لاستمرار بعض الصعوبات التي احتج ضدها في عام 1983.
وفي هذا الإطار، تقول تاغلمنت، “اليوم، ما زلنا نموت بسبب العنصرية وعنف الشرطة، وأيضاً بسبب الاتجار بالمخدرات، كما نرى أن الضحايا ما زالوا هم أنفسهم، من العرب والسود”.
يندد المتظاهرون السابقون باستمرار بـ”عنف الشرطة”. ويقول فريد الهوا (65 سنة)، وهو متحدث باسم مسيرة عام 1983 وناشط مناهض للعنصرية، إن “مقتل نائل (شاب يبلغ 17 سنة قتل برصاص شرطي في نانتير قرب باريس في يونيو (حزيران) يثبت أنه لا تزال هناك مشكلة في برنامج إنفاذ القانون الفرنسي”.
وأدى مقتل هذا الشاب أثناء عملية تدقيق قرب باريس، إلى اندلاع احتجاجات وأعمال شغب لمدة خمس ليال في البلاد، وصل صداها إلى خارج الحدود الفرنسية.
وتقول ماريلور ماهي (61 سنة)، وهي من المشاركين السابقين في المسيرة، “بشكل عام، لم يتحسن الوضع الاجتماعي للشباب في المدن”.
ووفقاً للمعهد الفرنسي للإحصاء، وصل معدل الفقر في عام 2020 إلى 42.6 في المئة في أحياء الضواحي الشعبية مقارنة بـ14.8 في المئة كمعدل في الأراضي الفرنسية.
ويقام المعرض الأول المخصص لقيم هذه المسيرة حتى ديسمبر (كانون الأول) بمتحف التاريخ في مارسيليا. وستنظم مناسبات وطنية أخرى إحياءً للذكرى في باريس وليون ومارسيليا، حيث ستتم إعادة تسمية أحد الشوارع “المسيرة من أجل المساواة ومناهضة العنصرية”.