حرية – (25/11/2023)
عام 1971، نشرت الناقدة الفنية الأميركية، ليندا نوتشلين (1931 – 2017)، مقالاً عنوانه “لماذا لم تكن هناك فنانات عظيمات؟”، تحدثت فيه عن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية التي منعت النساء الموهوبات من تحقيق نفس المكانة التي يتمتع بها نظراؤهن من الرجال.
كان هذا المقال، وغيره من الدراسات النسوية المعاصرة، دافعاً للعديد من المبدعات للبحث عن مسارات مختلفة عن الهيمنة الذكورية في عالم الفن. كانت الإرهاصات الأولى للفن النسوي قد ظهرت في الغرب، في أواخر الستينيات، وسط حماسة المظاهرات المناهضة للحرب، وحركات الحقوق المدنية، ودعوات التحرر الوطني في جميع أنحاء العالم.
يُعرف الفن النسوي بأنه فن يُصنع بوعي للتعبير عن القضايا التي تخص المرأة، وهو فن يسعى إلى تجاوز النظرة النمطية التي حوصرت فيها النساء تاريخياً، أو بمعنى آخر التمرد على الأنماط التي تتبناها النساء للتوافق مع التوقعات الاجتماعية الأنثوية. في بريطانيا، اعتبر المؤرخون ومؤسسو حركة تحرير المرأة، أن عام 1970 يمثّل البداية الحقيقة لهذه الحركة. كان هناك العديد من الإرهاصات المبكرة للحركة النسوية في بريطانيا قبل هذا التاريخ بلا شك، غير أن هذا العام تحديداً، قد شهد انعقاد أول مؤتمر معني بتحرير المرأة في المملكة المتحدة. تزامن انعقاد هذا المؤتمر، أيضاً، مع الاحتجاجات النسائية الواسعة ضد مسابقة ملكة جمال العالم التي أقيمت في لندن. وقد ساهم هذان الحدثان إلى حد كبير في لفت الانتباه إلى هذه الحركة الناشئة.
“نساء في الثورة” هو عنوان المعرض الذي يستضيفه متحف تيت غاليري في لندن، من أجل تسليط الضوء على دور المبدعات البريطانيات في هذا الحراك. يجمع المعرض أعمالاً لأكثر من مائة فنانة بريطانية، قدمن أعمالهن بين عامي 1970 و1990. يسرد المعرض تطوّر كفاح هؤلاء اللاتي وظفن أفكارهن الثورية على نحو إبداعي، تاركات بصمة لا تمحى على الثقافة البريطانية. يستمر حتى 7 إبريل/ نيسان المقبل.
https://www.instagram.com/reel/CzYh3RnMhQJ/?utm_source=ig_web_copy_link
يجمع المعرض أعمالاً في الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي والمنسوجات والطباعة والفيديو والمواد الأرشيفية، لرسم خريطة للممارسات الإبداعية التي شُكلت على خلفية التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في تلك الفترة. يحتفي بأعمال فنانات بارزات، مثل سونيا بويس وسوزان هيلر وتشيلا كوماري، كما يحتفي أيضاً بالعشرات من الفنانات اللاتي تم تجاهل تجاربهن، على الرغم من حياتهن المهنية الطويلة، ونضالهن المستمر داخل الحراك النسوي.
يتخذ العرض ترتيباً زمنياً بداية من العام الذي عقد فيه أول مؤتمر لتحرير المرأة في المملكة المتحدة، وهي الفترة التي ارتفعت فيها الأصوات والنقاشات حول دور المرأة الاجتماعي. بين هذه الأعمال المشاركة، كانت الصورة النمطية لعمل النساء في المنزل؛ موضوع الرسامة بوبي بيكر والمصورة الفوتوغرافية ألكسس هانتر. بين المعروضات، تبرز كذلك أعمال تينا كين، وهي فنانة معروفة في مجال الأفلام والفيديو والوسائط الرقمية والأداء، ورائدة في فن الوسائط المتعددة في المملكة المتحدة. تعكس أعمال كين منظوراً نسوياً، وغالباً ما تستكشف أعمالها الأدوار الاجتماعية المتوقعة لكلا الجنسين. كما تقدم كل من ريتا ماكغورن وإليزابيث رادكليف أعمالهما المصنوعة بواسطة الكروشيه، وهي خامة لا تحظى بالتقدير غالباً بسبب ارتباطها بالعمل المنزلي.
يسلط المعرض الضوء في جانب منه كذلك على تأثير الأعمال الموسيقية، التي أنتجت في تلك الفترة، ويتيح عبر موقع المتحف فرصة الاستماع إلى نماذج من هذه الموسيقى والأغاني الثورية الرائدة للعديد من المبدعات.
يفرد أيضاً مساحة لنماذج من الملصقات واللافتات التي كانت تحملها النساء خلال الاحتجاجات المختلفة المناهضة للعنصرية والتمييز. ويختتم العرض بالأعمال ذات الطابع النسوي التي أُنجزت في نهاية إدارة مارغريت تاتشر، وهي أعمال تعكس التغير في طبيعة الصورة النمطية للنساء داخل المجتمع البريطاني.
لقد ساهمت أعمال هذه الفنانات بقوة في حركة التحرر النسوي في بريطانيا، وتمردت على أساليب التهميش التاريخية التي اتُبعت إزاء المبدعات، والترويج للفن على أنه نشاط قاصر على الرجال. لقد أنشأت المبدعات عبر تجاربهن المتمردة مسارات بديلة للتعبير، وساهمن بقوة في تغيير سياسات المؤسسات المعنية بالفن داخل بريطانيا وخارجها. ويُرجع البعض أيضاً الفضل في توسيع مفهوم الفن المعاصر إلى نضال تلك النساء، إذ غالباً ما سعين إلى تبني مواد بديلة لإنشاء أعمالهن، مثل المنسوجات والطباعة وفنون الآداء والفيديو، بدلاً من المواد والوسائط الأخرى المرتبطة تاريخياً بالرجال، وهو الأمر الذي ساهم في اتساع رقعة التعبير الفني المعاصر.