حرية – (27/11/2023)
عندما تنتاب مشاعر الحزن سوزي* تحاول التغلب عليها بإنفاق المال، وتتذكر السيدة البالغة من العمر 46 سنة “كان الأمر سيئاً بخاصة في أوائل عقدي الثاني [ذات مرة] لم يرد علي حبيبي لبضعة أيام، لذلك ذهبت إلى الشارع التجاري في منطقتي وأنفقت مئات الجنيهات على الملابس”، ونجمت نوبة شراء أخرى عن عدم شعورها بالأمان حيال صداقة جديدة وتقول، “أردتها أن تحبني لذا اشتريت لها معطفاً جلدياً بسعر 100 جنيه استرليني (126 دولاراً)”. لكن أكبر عملية شراء جاءت بعد أيام قليلة من حالة كآبة وغياب والديها من المنزل وتقول، “ذهبت لقضاء بعض الوقت في الخارج ذات يوم، وقررت أن سيارتي سيتروين ساكسو ليست جيدة بما فيه الكفاية وعدت إلى المنزل بسيارة فورد فوكس جديدة لامعة”.
والحق أن هذا السلوك شائع أكثر بكثير مما تعتقدون ومع حلول يوم “بلاك فرايداي” Black Friday أكبر حدث سنوي للتسوق في العالم، وقيام العلامات التجارية بخفض أسعار منتجاتها في كل مكان في محاولة لزيادة إنفاقكم، فمن المحتمل أن يقوم كثر منا بعملية شراء متسرعة.
هل مررتم بيوم مرهق بخاصة في العمل؟ لا تقلقوا فيمكنكم شراء محمصة خبز جديدة وأنيقة بخصم 30 في المئة، وهل دخلتم في مشاجرة مع والدتكم حديثاً؟ استبشروا خيراً فقد تقدم لنا متاجر جون لويس منتجات “أبل” بنصف سعرها، وهل تعانون الحزن وصداع ما بعد شرب الخمر؟ ابتسموا فإن أحذية “بالنسياغا” التي كنتم ترونها أينما نقرتم في “إنستغرام” باتت الآن أرخص بـ 500 جنيه استرليني (630 دولاراً).
وبالنسبة إلى من ينفقون المال بعقلانية بينكم فقد يبدو كل هذا متطرفاً بعض الشيء، وهو كذلك لكنه أيضاً حقيقة واقعية بالنسبة إلى كثيرين منا، ووفقاً لدراسة استقصائية أجريت على 2000 مستهلك في المملكة المتحدة بواسطة منصة “فويادو” Voyado لأبحاث البيع بالتجزئة، فإن خمس المتسوقين البريطانيين يقوم بعملية شراء كـ “تدليل الذات أو مكافأة” مرة واحدة في الأسبوع، وعادة ما تكون هذه عمليات شراء يتخذ القرار فيها بصورة لحظية والغاية منها ملء نوع من الفراغ العاطفي أو الروحي، وفي المتوسط فإن أكبر مبلغ ننفقه على مشتريات المكافآت الأسبوعية هو 350 جنيهاً استرلينياً (440 دولاراً).
المتسوقون من جيل الألفية [المولدون ما بين 1981 و1995] والجيل زد [المولدون ما بين 1995 و2015] معرضون بخاصة لوتيرة الشراء هذه، إذ وجد تقرير صادر عن منصة “جي دبليو آي” GWI للتحليلات الاستهلاكية أنهم ميالون إلى إجراء عمليات شراء انفعالية أو عاطفية [الإنفاق العاطفي هو شراء شيء لا تحتاجه لتلبية حاجة عاطفية مثل قمع المشاعر السلبية مثل التوتر أو الحزن أو العزلة] عبر الإنترنت كل أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع في الأقل بنسبة 51 في المئة أكثر من المستهلك العادي في المملكة المتحدة، لكنها ممارسة تساعدنا أيضاً إذ وجد استطلاع أجرته شركة “ساب إيمارسيز” SAP Emarsys المتخصصة في التسويق أن حوالى نصفنا (44 في المئة) يعتقدون أن إجراء عمليات شراء عبر الإنترنت يتسبب في تحسن المزاج، بينما يقول الخمس (20 في المئة) إنه قد يقلل التوتر.
وتقول سوزي التي لم تتغير عادات إنفاقها إلا بصورة طفيفة مع تقدمها في السن، “يعرف زوجي دائماً عندما لا تسير أموري على ما يرام بسبب عدد طرود من متجر ’أمازون‘ الإلكتروني التي تصل خلال الأسبوع، والآن أندفع لشراء أشياء لابنتي، وإذا كان صباحي سيئاً [في العمل] أذهب إلى محال [ماذركير] وأشتري لها أحدث دمية بلاستيكية ربما لأنني أشعر بالذنب لعدم كوني معها”.
وبالنسبة إلى بعض الناس فإنهم يجدون الراحة أكثر في شراء حاجات للبيت، وتقول جيس* ( 41 سنة) “كلما شعرت بالتوتر في العمل أشتري أشياء للمنزل في نهاية المطاف وأعتقد أنني راغبة في الشعور بتحكمي بصورة أفضل في أسرتنا عندما لا تسير أمور العمل على ما يرام، والأسبوع الماضي رحت أشتري المعطرات وأردت أن أجعل رائحة شقتنا أطيب، لذا اشتريت أجهزة تعطير وبخاخات معطرة، وفي أسبوع آخر اشتريت سلالاً لترتيب مستلزمات النظافة وقبل ذلك كانت أكياس التخزين للتقليل من الفوضى وخطافات للتعليق وملاءات الأسرة ومخازن الأحذية وأكسسوارات الحمام، والقائمة لا تنتهي”.
ومع طرح عدد من عروض “بلاك فرايداي” بالفعل فقد خصص أكثر من نصف المتسوقين في المملكة المتحدة أموالاً للحصول على أفضل الصفقات، وهذا وقت حرج بالنسبة إلى المنفقين العاطفيين الانفعاليين، وكما هو الحال مع جميع الآلام النفسية فعليكم أن تفهموا ما الذي يحركها حتى تتمكنوا من معالجتها، وهنا تتعقد الأمور لأن الأمر غير مرتبط بعملية الشراء التي تجرونها في كثير من الأحيان.
وتقول مديرة برنامج الإدمان في مستشفى برايوري في منطقة ووكينغ باميلا روبرتس إنه “من المعروف أننا عندما نشعر بالإحباط أو الحزن أو الملل أو الوحدة، وغالباً ما نحاول الوصول إلى شيء ما أو شخص ما ليساعدنا في تحسين حالنا المزاجية، وهذا السلوك جزء طبيعي من نفسية الإنسان وقد يرى كثيرون أنه لا ضير في القيام بشيء قادر على تحفيز إفراز قليل من الدوبامين، وبالتالي فما المانع؟”.
وعلى كل حال فنادراً ما ينطبق هذا الكلام على الإنفاق الذي يؤدي إلى نشوة قصيرة الأمد من الدوبامين والتي غالباً ما تختفي بسرعة بلوغها نفسها، وقد يجعلكم هذا تشعرون بالسوء.
وتقول روبرتس إنه “يمكن أن يؤدي ذلك إلى خيبة الأمل واليأس وحتى الاكتئاب، ونتيجة لذلك تصبح لديك حاجة إلى مزيد من الإنفاق وبالتالي تدخل في حلقة مفرغة”.
وما يزيد الأمور سوءاً هو أن الإنفاق العاطفي غالباً ما يكون جزءاً لا يتجزأ من الحملات التسويقية الحديثة على مر السنين، وتطورت قدرة العلامات التجارية كثيراً على الاستفادة من حالتنا النفسية من أجل حملنا على إنفاق أموالنا، وتقول عالمة النفس المعتمدة في مجال التدريب والاستشارة الدكتورة جو بيركنز “نحن نعيش في عالم يُسلط فيه الضوء على الحلول السريعة والترويج للفوائد بصورة مبالغ فيها، ويقال لنا إننا نستحق مكافأة لتدليل الذات، وإن تناول طعاماً ما أو شراء شيء سيجعلنا نشعر بالتحسن، ونستهدف باستمرار عبر منصات إعلامية عدة برسائل حول المنتجات الضرورية التي ستجعلنا نبدو ونشعر ونصبح نسخاً أفضل من أنفسنا”، وبالطبع في لحظات الضعف فمن الصعب عدم التورط، وفي “بلاك فرايداي” قد يبدو الأمر مستحيلاً بالنسبة إلى بعض الناس.
وتوضح الدكتورة بيركنز أن “إحدى ميزات الحملات التسويقية المرافقة لـ ’بلاك فرايداي‘ هي خلق شعور بالإلحاح وزيادة الضغط على المستهلكين للإنفاق، ويركز الأمر برمته على ضمان صفقة جيدة في فترة زمنية محددة وتعزيز مبدأ الندرة ’احصل عليها بينما تستطيع ذلك‘”.
إذاً فالأخطار أعلى وكذلك المكافأة في الأقل، وهذا ما قد تشعرون به عندما تنفقون أموالكم. لكن هناك تنوعاً في عادات الإنفاق في حين سيكون بعضنا قادراً على التسوق من دون تأثير نفسي يذكر، وستكون العواقب أكثر ضرراً بالنسبة إلى آخرين. كيف يمكنكم معرفة ما إذا كان ينبغي عليكم القلق [من أفعالكم]؟
توضح روبرتس أنه “عند تقييم سلوك تسوقي مضطرب فإننا ننظر إلى الموقف والسلوك المتهور وكذلك القهري، وبعبارة أخرى فإن الافتقار إلى السيطرة والمنطق والقدرة على اتخاذ قرار الشراء والاقتناء من دون وجود حاجة تُراكم الديون، وبالنسبة إلى أولئك الذين ليست لديهم قيود مالية تجاهل الأموال التي تنفق.
وهناك إشارة قوية أخرى إلى وجود مشكلة حقيقية هي أنه بعد الشعور بـ ’نشوة‘ الشراء الأولية فإن الغرض يُهمل ولا يستخدم فعلياً أو أنه يخفى بعيداً من الأنظار، ومن الإشارات الأخرى شراء الأشياء ثم إعادتها إلى المتجر”.
أما بالنسبة إلى كيفية الحد من إنفاق أموالكم بدافع عاطفي تقترح روبرتس استخدام تقنية تعتمد على التفكير في العوامل الخمسة التالية قبل إجراء أي عملية شراء، وهي الانتباه وسؤال أنفسكم عن عملية الشراء وفهم العامل الذي يدفعكم للقيام بها ومحاولة إبطاء الأمور وسؤال صديق إن لم تكونوا متأكدين، وتحديد المشاعر التي تتجاهلونها ربما.
وتقول مارغوت دي بروغلي التي تعمل لمصلحة تطبيق “جونو” Juno لإدارة الأموال الهادف إلى مساعدة المستهلكين على التحلي بمزيد من الثقة في الأمور المالية، “عليك إيجاد طرق للخروج من هذه الحلقة المفرغة، أولاً افهم محفزاتك وفكر في عملية شراء عاطفية قمت بها أخيراً، وما الذي دفعك للقيام بها؟ كيف كان شعورك في ذلك الوقت وماذا كنت تتمنى تحقيقه من خلال الشراء؟ اقض بعض الوقت في التأمل في هذا الاختلاف”.
وإضافة إلى ذلك تقترح دي بروغلي استبدال الإنفاق بأنشطة أخرى تجلب لكم السعادة قائلة، “كنت أذهب دائماً لشراء الوجبات الخفيفة خلال فترات الركود في العمل بعد الظهر، والآن استبدلت هذه العادة بتشغيل مدونة صوتية مفضلة لدي والذهاب للتنزه”. وتضيف بيركنز أن بعض الأشخاص قد يستفيدون من الاتصال بصديق أو التأمل أو الاستماع إلى مدونة صوتية، وتتابع “الخطوة الأولى هي تقبل احتمال وجود مشكلة والإشارة إلى إنفاقك والصراحة في شأن ما يحدث ولماذا؟ حاول تحييد المشاعر وإسكات المنتقد الداخلي لديك عندما تحاول فهم إنفاقك فهذا ليس مفيداً، وبمجرد أن تفهم محفزاتك العاطفية وعادات الإنفاق لديك يمكنك وضع خطة عملية تساعدك في استعادة السيطرة على أموالك وتلبية حاجاتك العاطفية بطريقة صحية”.
وعند أخذ هذا في الاعتبار فربما يكون من الأفضل عدم المشاركة في “بلاك فرايداي” هذا العام، وفي نهاية المطاف فإن نشوة شراء فستان بخصم 50 في المئة لن تدوم لفترة طويلة، وإذا كنتم تعيشون حياتكم ساعين وراء هذه النشوة التي يحققها الإنفاق فكل ما يتطلبه الأمر هو حسابات رياضية بسيطة للتنبؤ بالمكان الذي سيقودكم إليه هذا.