حرية – (6/12/2023)
هناك أشياء قليلة فقط يمكن أن تزعجني أكثر من المبالغة في رد الفعل لدى “جيل زد” [مواليد آخر التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثانية].
ونحن نرى هذه المبالغة طوال الوقت: من مستخدمة “تيك توك” التي انتشر فيديو لها تبكي خلاله بسبب صعوبات العمل، إلى شباب يشتكون من عدم قدرتهم على العمل من المنزل طوال الوقت.
ومع ذلك، فإن الأسوأ من ذلك برأيي، هو عندما يستخدم هذا الجيل ميله للشعور بالإهانة، ويستغل عواطفه كذريعة للاستخفاف من الآخرين (وفي بعض الأحيان حتى السيطرة عليهم).
وباعتباري عانيت من فقدان أحد والدي في سن مبكرة نسبياً، يمكنكم أن تتخيلوا كيف شعرت عندما شاهدت حلقة يوم الخميس من برنامج “أنا من المشاهير… أخرجني من هنا!” I’m a Celebrity… Get Me Out of Here! [برنامج يعيش فيه المشاهير في غابة من دون أي وسائل راحة ويتنافسون ضد بعضهم البعض من أجل الفوز]، حيث أخبرت مشهورة موقع “يوتيوب” نيلا روز المشاهدين كيف أساء لها تعليق أدلى به نجم برنامج “المواعيد الغرامية الأولى” First Dates، فريد سيريكس.
وفي حال لم تشاهدوا الحلقة، فإن الموضوع حصل عندما كان المشاركون بالبرنامج يعدون العشاء في الليلة السابقة، وقالت نيلا إنها لا تعرف كيف يمكن للطهاة رؤية ما يقومون به (كان الظلام شديداً في الغابة [مكان التصوير] في تلك المرحلة).
ورداً على نيلا، أوضح فريد أنه يبلغ من العمر 51 سنة وأن بصره لم يعد كما كان من قبل، قبل أن تؤكد له نيلا أنه ليس كبيراً في السن. وفي رد ممازح، علق فريد: “حسناً، لم أعد أبلغ من العمر 26 سنة، أليس كذلك؟ يمكن أن أكون بعمر والدك”، في إشارة إلى فارق السن بينهما.
وبدلاً من تقبل التعليق بالمعنى الذي قصده فريد – كما يمكن لأي شخص عاقل أن يفعل – قررت نيلا أنه كان يقصد ذلك بطريقة خبيثة، وذلك لأنها كانت قد أخبرته في وقت سابق عن فقدان والديها.
إضافة إلى ذلك، عندما شرحت له نيلا سبب تجاهلها له في صباح اليوم التالي، أخرجت التعليق من سياقه واتهمته بأنه “غير محترم”، ووصفته بأنه “غريب الأطوار”، ثم أخبرته أنه لا يستطيع معاملتها كـ”فتاة صغيرة”. ومن الطبيعي أن المسكين فريد أصيب بالذهول وبدا في حيرة بعد أن رفضت قبول اعتذاره وتجاوز الموضوع. حتى أنها ذهبت إلى حد القول إنهم سيسكنون بجهات مختلفة من المعسكر للمضي قدماً.
للأسف، توفي كلاً من والدي نيلا إيسيهو أومولونغو وكامانغو بول هوليلا في غضون أربع سنوات. وفي حديث سابق لها عبر قناتها على “يوتيوب”، قالت نيلا: “لقد توفيت والدتي، حرفياً، بعد مرور أقل من شهر على بلوغي التاسعة عشرة، وكان ذلك أمراً لا يمكن توقعه”.
وأضافت “أنت لا تخطط لحدث كهذا، بل يحدث فجأة. لم أستيقظ في ذلك اليوم وأفكر أن أمي سوف تموت، لكنها ماتت حرفياً بين ذراعي”.
وعندما توفي والدها عام 2020، شاركت منشوراً على موقع “إنستغرام” قائلة: “ارقد بسلام يا أبي، رؤيتك تعاني خلال الشهر الماضي كانت أصعب شيء مررت به في حياتي ولكن على الأقل لم تعد تتألم بعد الآن. سأجعلك أباً فخوراً جداً في السنوات المقبلة لأنني أعلم أنك لا تزال بجانبي في كل خطوة”.
وبالطبع لن أقول أبداً إن هناك استجابة موحدة لوفاة أحد الوالدين، أو إنها ليست تجربة تغير حياة الفرد. يتصرف كل شخص ويتعامل مع الحزن بشكل مختلف، وصدمة الحدث لها تأثير فوري وتأثير طويل الأمد على الفاقد – لا يوجد حدث مشابه، ولا شيء يمكن أن يهيئك للحياة من دون والديك. لا يمكنني سوى أن أتصور مدى صعوبة خسارة نيلا لكلا والديها.
ولكن، في الوقت نفسه، هذا ليس موضوعاً يستخدم في كل مرة تشعر فيها بالضيق أو الانزعاج أو الإهانة. (لا يعني ذلك أن هذا ما حدث في هذه الحالة، ولكنه أيضاً ليس وسيلة للتهرب إذا تصرفت بشكل سيئ).
حتى لو كانت هناك مواضيع معينة حساسة بالنسبة لك، فليس من المقبول أن تنتقد الآخرين أو تقرأ إرادياً بشكل خاطئ أفعالهم وكلماتهم، وتعتبرها محاولات للتقليل من مشاعرك أو ما اختبرته. فالقيام بذلك ليس أمراً غير ناضج فحسب، بل يبدو أيضاً أمراً محسوباً للغاية. لا يمكن للمرء إلا أن يشعر كما لو أن نيلا تستخدم ماضيها في هذه الحالة بالذات كوسيلة لكسب ود المشاركين الآخرين في البرنامج والجمهور البريطاني الذي يتابع البرنامج في المنزل، وتصوير فريد كشخص ذي شخصية غير حساسة ومتعالية، وهي خصائص لم يكن لأي شخص شاهد عروضه أن يصفه بها.
الحياة مملوءة بالتجارب غير المتوقعة – والمروعة في كثير من الأحيان. أحياناً يُدلي الناس بتعليقات عابرة من دون تفكير، في بعض الأيام سوف تشعر بهذه التعليقات بشدة أكثر.
أحد أصعب الأمور التي يجب التصالح معها بعد خسارة كهذه هو أنها خسارتك وحدك. الأشخاص من حولك، على رغم أنهم قد يشعرون بالحزن عليك، إلا أنهم لا يمرون بما تمر به. إن الافتراض بأنهم يمرون بالشعور نفسه هو أمر طائش وأناني قليلاً، وفي النهاية لن يؤدي إلا إلى المزيد من خيبة الأمل.