حرية – (25/12/2023)
حين تنكسر آنية فخارية في اليابان، ليس بالضرورة أن ترمى، بل قد ترمم بماء الذهب من ضمن تقليد ياباني تحول إلى فن يسمى الكينتسوجي، وهي كلمة مؤلفة من مقطعين Kin أو الذهب وTsugi أي الرتق، فتعني الرتق بالذهب، أو الرتق الذهبي.
وهذا الفن لا يهدف إلى استعادة الآنية الفخارية بسبب قيمتها أو ثمنها، بل هو مجرد تمرين على الصبر والمرونة، وهو أيضاً رسالة اجتماعية تفيد بأن الصفات السيئة فينا ليست سبباً لتدمير الذات، إذ يمكن رتقها وإصلاحها ويجب إبراز هذا الإصلاح بواسطة ماء الذهب اللامع.
لا تزال تقاليد فن الترميم بالذهب على بطئها الذي كانت عليه قبل قرون عدة في اليابان، فلم تؤثر فيها سرعة التقنيات الحديثة، وما زال على مرمم الآنية أن يستعد لعملية ترميم طويلة ودقيقة، تتم على مراحل، على مدار أسابيع أو حتى أشهر، وربما أعوام في مرة قليلة نادرة.
وبعد الاعتناء بالجسم المكسور، يتم تكريمه بترميمه، فيستعيد ماضيه، ومن المفارقة أنه يصبح أكثر مقاومة وجمالاً وأغلى مما كان عليه قبل تكسره. والكينتسوجي شكل من أشكال العلاج بالفن، إذ يدعو المرء إلى تجاوز تجاربه وتحويل فخاره المتكسر إلى ذهب عبر التغلب على الصعوبات والمحن التي واجهته وتركت فيه جراحاً. فهذا الفن اللطيف يقول لك “ها أنت نجوت وامتلكت روحاً إضافية وحياة جديدة”. كما كتبت سيلين سانتيني في كتابها “الكينتسوجي، فن المرونة”.
معلومات الموسوعة الإنكليزية Britannica
الكينتسوجي تقنية يابانية تقليدية لإصلاح الفخار والسيراميك المكسور بالورنيش ومسحوق معدني يصنع عادة من الذهب أو الفضة. على رغم أن kintsugi هي تقنية فريدة من نوعها خاصة باليابان، فقد انتقلت إلى الصين وكوريا.
وبحسب محرر الموسوعة الإنكليزية، فإن صباغ إيروشي urushi هو الطلاء الطبيعي المستخدم في عملية الطلي، وهو مصنوع من عصارة شجرة تسمى شجرة الطلاءToxicodendron vernicifluum من نوع اللبلاب السام الشهير في الجزر اليابان. واستخدم اليابانيون الذين ظلوا شعباً منغلقاً على ذاته حتى قرون قريبة صباغ إيروشي في صناعة الأصبغة والدهانات وألوان الرسم ومواده لآلاف السنين، وهو لامع ومتين ومقاوم للماء. وتكمن صعوبة استخدامه للفنانين بأنه قد يسبب تهيج الجلد بسبب السم الطبيعي الذي يحتوي عليه.
يتم خلط صباغ الأوروشي مع غراء الرز أو غراء الدقيق لإنشاء مادة لاصقة قوية، وتستخدم عجينة مصنوعة من الأوروشي ومسحوق الطين لملء الفجوات مكان القطع الناقصة من الآنية، وبعد ذلك تترك لتجف وتستعيد صلابتها لمدة شهر إلى ثلاثة أشهر. ومن ثم يتم تلوين كل الشقوق بماء الذهب أو الفضة، فنصبح أمام قطعة فنية مهيبة، استطاع صانعها أن يثبت قوة صبره وتؤدته.
اصلاح الإناء المكسور بماء الذهب
أصل فن الكينتسوجي غير معروف، وهناك قصة شعبية يابانية تتناول تطور التقنية في أواخر القرن الـ15، عندما كسر وعاء الشاي الصيني المفضل لدى شوغون أشيكاغا يوشيماسا، وفقاً للحكاية أرسل الوعاء إلى الصين لإصلاحه، فاصلحه الصينيون بطريقة تعتمد على الدبابيس. لم يعجب شكل الآنية يوشيماسا، فأجبر الحرفيين اليابانيين على ابتكار طريقة جديدة لترميم الإناء، فكانت بدايات فن الكينتسوجي.
أصل الفن الياباني التقليدي
في منتصف القرن الـ16، قام سيد الشاي الياباني سين ريكيو وآخرون بتحسين أنواع الآنية والأكواب المستخدمة في حفلة الشاي، وظهر فنون الوابي والسابي، التي صارت جزءاً لا يتجزأ من تطوير أنواع وفنون السيراميك اليابانية الصنع. ومصطلح “وابي” يعني صنع الجمال من البساطة، أما “سابي” فيعني تقدير القدم والصدأ وما يدل على مرور الزمن، فيتم دمج الأسلوبين عند دمجها لتشكل فلسفة wabi-sabi اليابانية التي تدل على معنى استخلاص الجمال والتقدير من الكمال كما من النقص.
يضيف كوين دينغ في بحثه المنشور في الموسوعة الإنكليزية بريتانيكا أن تقنية kintsugi التقليدية تمارس بشكل واسع في وقتنا الراهن بعدما عاد يابانيون كثر إلى ممارسة العادات والتقاليد القديمة ونقلها إلى أولادهم والأجيال الجديدة منعاً من اندثارها وجذب هذا الفن كثير من الهواة والفنانين الأجانب الذين نقلوه إلى الغرب، وتم افتاح مدارس في أوروبا والولايات المتحدة والصين وكوريا لتعليم هذا الفن.
واشتهر الفنان الياباني تومومي كوموشيتاTomomi Kamoshita ، باستخدم تقنية كونتسوجي لربط السيراميك المكسور الموجود على الشواطئ، وكذلك الفنان الكوري Yee Sookyung ، الذي يشتهر بمنحوتاته التجريدية المؤفة من قطع مهملة من الخزف التي يرميها الناس.